كرة الانتخابات الملتهبة.. أشعلها المالكي فمن سيطفئها؟
شفق نيوز/ "حماية نزاهة الانتخابات"، منذ أن أطلقت ممثلة الامين العام للامم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت هذه العبارة قبل نحو عشرة أيام، حتى اشتعل الجدل السياسي بين القوى العراقية، ما بين مؤيد ومعارض، بانتظار أن يحسم الموقف ببيان واضح من حكومة مصطفى الكاظمي، عما إذا كانت طلبت من المنظمة الدولية "مراقبة" الانتخابات، ام "الاشراف" عليها بالكامل.
وتكمن حساسية الموقف في ان الانتخابات المقررة في اكتوبر/تشرين الاول المقبل، سبقتها عدة متغيرات، ليس فقط بسبب توزيع العراق للمرة الاولى على 83 دائرة انتخابية، وإنما أيضاً لانها تأتي استجابة لصرخات المتظاهرين المحتجين على أداء النظام السياسي القائم، والتي تلقفها الكاظمي وجعلها أحد وعوده للمواطنين والناخبين عموماً.
لماذا الخشية؟
ومن الواضح أن هناك خشية لدى العديد من القوى السياسية "التقليدية" التي هيمنت على المشهد السياسي في السنوات ال15 الماضية، من أن تأتي صناديق الانتخابات بما لا تشتهيه من نتائج، يقزم دورها، ما من شأنه تعديل موازين القوى، وتبدل اللعبة السياسية القائمة.
وقال الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي إحسان الشمري لوكالة شفق نيوز، ان "رفض بعض القوى السياسية العراقية، لوجود إشراف اممي ودولي على الانتخابات العراقية المقبلة، مرده خشيتها من هذا الإشراف، الذي سيمنع حدوث أي عمليات تزوير وتلاعب في نتائج الانتخابات، كما كان يحدث سابقاً".
وبين الشمري "هناك اطراف سياسية، تعتمد كلياً على التزوير والتلاعب في نتائج كل انتخابات، حتى تبقى من نفوذها في البرلمان والعملية السياسية بصورة عامة، ولهذا هي لا تريد إشرافا دوليا وامميا يمنع هكذا عمليات حتى تبقى هي محافظة على ذلك النفوذ في المستقبل القريب أو البعيد".
وأضاف ان "القوى السياسية الرافضة للاشراف الاممي والدولي، تخشى ان ينتقل العراق الى المراقبة الدولية الدقيقة، خصوصاً ان الأمر لن يتوقف عند قضية الانتخابات فقط، بل قد يتعدى الى امر ملاحقة الفاسدين ولهذا هذه الاطراف تريد من الآن من قطع الطريق من خلال رفض هذا الإشراف الأممي والدولي".
الموقف الأممي
تنص المادة 21 - ثالثا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "إرادة الشعب هي أساس سلطة الحكم، ويتوجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة ودورية". وتعتبر الأمم المتحدة كما يشير موقعها الالكتروني ان الانتخابات هي جزء من مكونات إنهاء الاستعمار، التحولات الديمقراطية، وتنفيذ التوافقات السلمية في بلدان العالم.
كم ينطبق ذلك على العراق؟ وتبدو فكرتيّ التحول الديمقراطي وتنفيذ التوافقات السلمية، تعكس بشكل كبير فكرة الانتخابات المبكرة التي توافق عليها العراقيون وحدد موعدها في حزيران/يونيو المقبل ثم تم تأجيلها الى اكتوبر/تشرين الاول. لكن ذلك لا يجيب عن التساؤل عما إذا كانت المنظمة الدولية قادرة قانونيا على الإشراف على الانتخابات العراقية المبكرة.
وبحسب الامم المتحدة، فإن المساعدة الانتخابية من جانبها لا تقدم إلا بناءً على طلب معيَّن مقدم من الدولة العضو المعنية، أو بالاستناد إلى ولاية صادرة عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة.
وفي هذا الإطار، جاء تصريح ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، عن طلب تقدمت به الحكومة العراقية إلى مجلس الأمن بشأن حماية نزاهة الانتخابات.
وقالت بلاسخارت؛ إن هناك الكثير من العراقيين يطلبون المساهمة في عملية الانتخابات، فيما قدمت الحكومة العراقية طلبا لمجلس الأمن الدولي لحماية نزاهة الانتخابات، موضحة إن هذا يمكن أن يتم بطرق مختلفة؛ فأن لدينا الاشراف والمراقبة، حيث أن المراقبة تعتبر الحجر الأساسي لحضور المجتمع الدولي في الانتخابات. لكنها أشارت إلى أن مجلس الأمن لم يتخذ أي قرار حول مشاركته في الانتخابات العراقية لذا نحن ننتظر قرار مجلس الأمن.
جبهة المعارضة
وإزاء هذا الموقف، قال القيادي في حزب الدعوة الاسلامية رسول راضي، لوكالة شفق نيوز، ان "رفض الإشراف الأممي والدولي على الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة، يأتي حفاظاً على سيادة العراق، فأي تدخل خارجي بملف الانتخابات، يعتبر تدخلا ومساسا بسيادة البلاد وقراراته المصيرية".
واعتبر رسول ان "وجود إشراف أممي أو دولي بشكل مباشر على الانتخابات العراقية المقبلة، يعني جعل هذه الانتخابات غير نزيهة وغير عادلة، خصوصاً ان هناك خشية من ان هذا الاشراف سيكون باباً لغرض التلاعب والتزوير في الانتخابات ونتائجها، لصالح قوى سياسية معينة".
وأكد القيادي في حزب الدعوة "اننا مع وجود مراقبة أممية ودولية، كما يحدث في كل انتخابات تجري في العراق، وباقي دول العالم، لكن يكون هذا الدور مراقبة فقط، دون اي عملية تدخل مباشرة في سير العملية الانتخابية من أشراف وغيرها من طرق المساس بسيادة العراق ونزاهة الانتخابات".
هذا الحديث يتناغم من تصريح زعيم ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة نوري المالكي، وهو أول من أعلن رفضه رفضه الإشراف الدولي على الانتخابات، ودار الجدل عقب ذلك ما بين مؤيد ومعارض.
وقال المالكي إن "وضع الانتخابات تحت إشراف دولي خطير جداً"، مؤكدا أنه "لا توجد دولة تقبل بإشراف دولي على انتخاباتها"، لأنه بحسبه يمثل "خرقا للسيادة الوطنية"، فيما أبدى موافقته على "المراقبة فقط".
جبهة المؤيدين
لكن على الطرف المقابل، هناك مواقف مؤيدة للرقابة الأممية، حيث أكد رئيس جبهة الانقاذ والتنمية اسامة النجيفي ووفد الحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة هوشيار زيباري، أهمية الرقابة والإشراف الدولي على الانتخابات القادمة.
وأكد النجيفي، وفق بيان، أن جبهة الإنقاذ والتنمية تعمل من البدء على تعزيز الهوية الوطنية بعيداً عن الانسدادات التي تعاني منها العملية السياسية وذلك نابع من فهم قوامه الولاء للشعب وتطلعاته المشروعة، مبيناً أن الجبهة تجد أن الانتخابات القادمة إذا ما جرت وفق معايير نزيهة ورقابة وإشراف دولي، فرصة لتعزيز الفضاء الوطني التي يتسع للجميع.
اما القيادي في الجبهة العراقية أثيل النجيفي، فقد انتقد الرافضين للإشراف الدولي على الانتخابات، وقال لوكالة شفق نيوز، إن "كل من يقول ان مفوضية الانتخابات مستقلة ولا تخضع للتأثير فهو يخدع نفسه والحديث عن هذا الأمر هو ضحك على النفس ليس الا، خصوصاً ان مجلس النواب الحالي، جاء بكم هائل من التزوير وإرادة الشعب العراقي مخالفة لما يحدث البرلمان، ولهذا رأينا التظاهرات والاعتصامات الشعبية".
واعتبر أثيل النجيفي ان المعارضين للإشراف الدولي "لا يريدون وجود أي جهة تمنعهم من تزوير والتلاعب في نتائج الانتخابات، فهو يسعون الى إعادة انتاج نفسهم رغم إرادة الشعب الرافضة لهم، وهم يريدون الاستمرار في نهج الفساد الذي يعملون عليه منذ سنين".
وفي مقابل الحديث عن "المساس بالسيادة العراقية"، اعتبر النجيفي وجود منظمات كالامم المتحدة "يعزز ثقة المجتمع العراقي بالانتخابات ونتائجها".
هذا الجدل، دفع برجل الدين الشيعي العراقي البارز مقتدى الصدر بإعلان موقفه من موضوعة الرقابة الأممية على الانتخابات حيث أعلن من معقله في مدينة النجف عن دعمه إجراء انتخابات مبكرة في العراق تشرف عليها الأمم المتحدة.
ومن المقرر أن تعقد في العراق انتخابات برلمانية مبكرة في 2021، شكّلت المطلب الرئيسي للاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة التي انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر وشارك بها أنصار التيار الصدري.
وكان حدّد شهر حزيران/يونيو لإجراء هذه الانتخابات التي تأتي قبل عام من موعدها، لكنها أرجئت حتى تشرين الأول/أكتوبر.
وقال الصدر إن "تأجيل الانتخابات سيكون كارثة على العراق"، ودعا لعدم تأخيرها مجدداً.
وحذر في الوقت ذاته من محاولات تزوير قد تتعرض لها النتائج من قبل الأحزاب المتنافسة.
وقال بهذا الخصوص "لا أريد احتيالاً، لهذا السبب أطلب تدخل الأمم المتحدة للإشراف عليها".
وأكد الصدر في كلمته بأن "الإشراف الأممي على الانتخابات المبكرة مرغوب به"، مضيفاً "بشرط ألّا تتدخل باقي الدول الإقليمية والدولية في شؤوننا".
ويفترض أن تجري الانتخابات بموجب قانون انتخابي جديد قلّص فيه عدد الدوائر الانتخابية وألغي التصويت على أساس القوائم.
ومن المتوقع أن يؤمن هذا النظام الانتخابي للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، فوزاً بأكبر عدد من أصوات الناخبين.
وأيّد الصدر في تشرين الثاني/نوفمبر للمرة الأولى فكرة تولي عضو من تياره منصب رئاسة الوزراء.
ما دور الأمم المتحدة انتخابياً
وبالاجمال، يقول موقع الأمم المتحدة انه ينبغي تنفيذ المساعدة التي تقدمها الأمم المتحدة بطريقة موضوعية نزيهة محايدة مستقلة، مع إيلاء الاحترام للسيادة، مع الإقرار بأن مسؤولية تنظيم الانتخابات واقعة على عاتق الدول الأعضاء.
واشارت الامم المتحدة الى انه منذ عام 1991، طلبت أكثر من 100 دولة مساعدة انتخابية وتسلمت هذه الدول تلك المساعدات. كما نفذت اكثر من 300 مشروع انتخابي.
وخلال تسعينيات القرن الماضي، راقبت الأمم المتحدة أو أجرت انتخابات تاريخية ومشاورات شعبية في تيمور-ليشتي وجنوب أفريقيا وموزمبيق والسلفادور وكمبوديا. وقدمت المنظمة ايضا في السنوات الماضية مساعدات تقنية ولوجستية بالغة الأهمية في انتخابات حاسمة في بلدان كثيرة، من بينها أفغانستان والسودان والعراق وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وسيراليون ونيبال.
اما انماط المساعدة التي توفرها الامم المتحدة انتخابيا، فهي تتعلق بالمساعدة التقنية (القانونية والتشغيلية واللوجستية). كما تتعلق بدعم تهيئة بيئة مؤاتية، وتنظيم العملية الانتخابية واجرائها وفي مثل هذه الحالة فان الامم المتحدة "تملك السلطة الكاملة على العملية" ولكن نظرا لأسبقية مبدأ الملكية الوطنية، فإن هذا النوع من المساعدة نادراً ما يتم تفويضه ولا يمكن القيام به إلا في حالات خاصة بعد انتهاء الصراع أو إنهاء الاستعمار تتميز بعدم كفاية القدرات المؤسسية الوطنية، وهذا النوع من التفويض ممكن فقط من خلال قرار مجلس الأمن أو الجمعية العامة للامم المتحدة.
وتقدم الأمم المتحدة دعمها ايضا على شكل التصديق والتوثيق على مجريات الانتخابات ونزاهتها. كما يمكن ان يكون دورها من خلال مراقبة عملية الاقتراع، او عبر الاشراف على الانتخابات، ويمكنها ايضا المساهمة من خلال التنسيق بين مراقبي الانتخابات.
اما كيانات الأمم المتحدة التي تقدم المساعدة الانتخابية، فهي قد تكون اما دائرة الشؤون السياسية وبناء السلام، او ادارة عمليات حفظ السلام، او برنامج الامم المتحدة الانمائي، او عبر مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان، او متطوعو الامم المتحدة، او مكتب الامم المتحدة لخدمة المشاريع، او منظمة اليونيسكو، او المنظمة الدولية للهجرة.