إقليم كوردستان يختبر نفسه في مسيرة الألف ميل "الدستورية"
شفق نيوز/ هي رحلة الألف ميل التي بدأت رمزيا من جامعة كوردستان-أربيل، كانطلاقة لـ"دستور كوردستان" ولم الصفوف إيذانا بقفزات اكثر ثقة نحو مستقبل اقليم كوردستان، بكل مكوناته العرقية والدينية والاجتماعية. هو نافذة ان صح التعبير تطل على غد أكثر استقرارا ورفاهية وتغليب سيادة القانون.
كيف تفاعلت قوى الإقليم مع طرح "مهندس دستور كوردستان" نيجيرفان بارزاني؟
والسؤال المهم هو كيف يمكن لإقليم ان يسير أموره ويحدد مساره إلى الأمام بلا دستور، يكون عصريا ومنفتحا وجامعا ويولي مؤسسات الحكم دورها الأكبر مقابل صغائر الفئوية والحزبية والمذهبية، وانما من دون ان يتعارض هذا الدستور المأمول، مع حقوق الافراد والاحزاب والجماعات العرقية والدينية وغيرها.
وخطوة "دستور كوردستان" تأتي في لحظتها المناسبة تماما، بعد نحو عقدين على نهاية "الحقبة الصدامية" والبداية الجديدة للعراق بالشراكة والتفاهم مع اقليم كوردستان. وهي مناسبة ايضا لان الاقليم خاض ما يكفي من التجارب القاسية التي صقلت تجربته، سواء في حماية أمنه واستقراره من الخطر الارهابي، او من خلال تجربة السلطة التي جعلت شخصية مثل رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، يقود بانفتاحه على الجميع، بما في ذلك القوى والاحزاب في الاقليم، ومهارته في "تدوير الزوايا" على الساحتين الكوردية او في العلاقة مع بغداد، ويمهد لمبادرة الدستور بلقاءاته وحواراته مع الجميع داخليا قبل ان يعلن الاربعاء امام المؤتمر :"سنكتب هذا الدستور ولكن يجب ان يكون دستورا يتفق عليه الجميع".
والتحرك نحو دستور اقليم كوردستان لا يتعارض مع شروط الترابط العضوي مع العراق الاتحادي الذي يجيز في دستوره الصادر العام 2005، للاقليم اعداد دستوره الخاص. وبالتالي لا ضرورة لموافقة عراقية مسبقة على الدستور، وانما من باب التشاور التوافقي، طالما لا تعارض في البنود مع الدستور الاتحادي، وهو يأتي في وقت تتبادل اربيل وبغداد اشارات التفاهم والتنسيق في الفترة الماضية.
والتحرك ايضا ليس جديدا وهو بدأ منذ اكثر من عشرة اعوام عندما صادق برلمان الاقليم في العام 2009 على "مسودة" للدستور لكن لم يتم تبنيه بشكل رسمي ونهائي. وبرغم المحاولات التي جرت لاحقا لاستكمال تبنيه الا انها لم تصل الى الخاتمة المرجوة، حتى جاء نيجيرفان بارزاني لمتابعة الطريق والمضي قدما بالمشروع الذي من شأنه تنظيم هياكل السلطة وحدود عملها.
وقد مهد بارزاني لذلك بسلسلة لقاءات مع القوى والاحزاب في كوردستان، كما من خلال التنسيق والتواصل المكثف مع السلطات الاتحادية في بغداد، حتى صار الطريق امامه ممهدا. ومن الواضح ان الامال المعلقة على الدستور الجديد مرتبطة بالسعي لطي صفحة الخلافات والتباينات الداخلية، ووضع معايير وآليات عمل واضحة و"مقوننة" تنظم مواقع الحكم الرئيسية سواء رئاسة الاقليم او رئاسة الحكومة الى جانب مؤسسات واجهزة الاقليم لتخطي الكثير من الاشكاليات التي تحدث.
وفي هذا الإطار جاءت اجتماعات رئيس الإقليم ليس فقط مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وانما ايضا مع حزبي الاتحاد الوطني الكوردستاني والتغيير في الفترة الاخيرة. كما يشارك ممثلون عن كل القوى في النقاشات وصياغة بنود المسودة حول الحقوق العامة والخاصة والحريات والديمقراطية والانتخابات ومخصصات محافظات الإقليم وغيرها من القضايا المهمة.
واذا كان مؤتمر جامعة كوردستان-اربيل ايذانا بانطلاق المسيرة، فان الخطوة البديهية لاحقا، بعد الحديث عن انجاز غالبية الفقرات والبنود في الدستور، ستكون عرضه على برلمان الاقليم قبل ان تتم الدعوة الى استفتاء شعبي لنيل موافقة المواطنين شريطة ان يحصل على تأييد 51 %.
وكان نيجيرفان بارزاني واضحا في كلمته امام المؤتمر الذي حمل عنوان "الوحدة والدستور" برعاية جامعة كوردستان - أربيل بحضور رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، ورئيسة البرلمان ريواز فائق، بالاضافة الى سفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية بمن فيهم الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت، عندما أعلن المباشرة باتخاذ الخطوات العملية لكتابة دستور لإقليم كوردستان بالتعاون مع برلمان الإقليم، الممثل فيه كل القوى والتيارات السياسية والاجتماعية والقومية، والتأكيد على انه يريد من الدستور "تنظيم الحكم السياسي في الاقليم، وان تكون السيادة للقانون وان يشعر الجميع بالامان في الاقليم".
هذه رسائل مطمئنة من فم بارزاني اضاف عليها تطمينات أخرى ايضا بقوله ان هناك "مكونات عديدة في العراق واقليم كوردستان، ونحن أصلا لا نصف المكونات بالاقليات لان جمال المنطقة في الموزاييك الذي يضمه.. وان جمال كوردستان يكمن في وجود هذه المكونات والدستور يجب ان يعطي التطمينات لهم".
لا أوضح من هذه اللغة الجامعة، وفي الوقت نفسه، لا نزعة للسلطة ولا الاستئثار والدستور يعمل به من أجل الا يكون لحزب او مكون او طائفة "وانما لجميع الكوردستانيين" بحسب تعبير بارزاني الذي يراهن مجددا على بث الامل عند الجميع في الاقليم، لان بطبيعة الحال، اقليم كوردستان محكوم بالامل.
لكن النقطة الاساسية ايضا مشار اليها بوضوح في العنوان الذي انعقد المؤتمر تحته وهو في كلمة "الوحدة" وعبر عنها بارزاني بقوله "الواجبات الملقاة على عاتقنا بأن نكون معاً وموحدين".
وحول مبدأ "الوحدة"، يتناغم نيجيرفان بارزاني مع مسرور بارزاني الذي قال من جهته ان "الوحدة كلمة جميلة وشعار اجمل ولكن لاتتحق الوحدة بالكلام وإنما يجب اولا ان نوحد أهدافنا ولا يمكن ان نطالب بالوحدة ونحن نتحرك في اتجاهين مختلفين، مؤكدا على ضرورة ان "نتحاور مع بعض وأن نستمع الى البعض لكي نتفق على الأهداف وبهذا نستطيع حماية وحدتنا".
والوحدة في الاقليم مهمة في هذه المرحلة ايضا لان الانتخابات العراقية على الابواب وقد عبر نيجيرفان بارزاني بقوله ان امام اقليم كوردستان "مرحلة حساسة وهي مرحلة الانتخابات العراقية وجميع الاطراف تحاول اعادة ترتيب نفسها، ونحن بهذه الاختلافات لن نستطيع ان نعبر هذه المرحلة، ولكن اذا وحدنا صفوفنا فاكيد سنتمكن من التغلب على جميع المشاكل في بغداد".
ومن جهته، يؤكد مسرور بارزاني على اهمية الوحدة عندما قال امام المؤتمر انه لدينا أمثلة كثيرة كم حققنا من مكاسب ومن بينها وحدتنا في انتفاضة 1991 وانشاء هذا الكيان الدستوري الذي ننعم به حاليا، وايضا مثلما حصل عند المصادقة على قانون الموازنة الاتحادي كيف بالوحدة تمكنا من تمرير القانون وضمان حقوق كوردستان.
وبهذا المعنى، فان الوحدة ضرورية لتكون اساسا لدستور جامع، فالدستور لا يكتب كل يوم، ويجب ان يبنى على اساس صلبة. وقد لفت مسرور بارزاني الى ذلك عندما قال "يجب ان يكون لدينا إطار لوحدتنا وهذا الاطار يجب ان يكون ضمن الدستور لايجوز ان تختلف اهدافنا وان تطالب جهة بالاستقلال وجهة أخرى لديها اهداف مغايرة"، مضيفا انه يجب ان نضع دستورا يحترم الاديان والقوميات ويحمي حقوق الشعب الكوردستاني والفرد.
وتلقت فكرة "دستور كوردستان" دعما مهما تمثل في تأييد بلاسخارت، بصفتها ممثلة للامين العام للامم المتحدة في العراق، وهي خلصت في كلمتها ان إقرار دستور في كوردستان سيكون عامل قوة للعراق كافة، وتأكيدها ان "الحاجة تقتضي أن يكون هناك كوردستان قوي ليس على مستوى العراق وانما على مستوى المنطقة أجمع".
ولفتت بلاسخارت على سبيل المثال، الى ان المحاولات الجارية لتوحيد قوات البيشمركة، ستصب في صالح كوردستان باجمعه. واعربت عن اعتقادها بان اي وحدة تحصل ستصب في صالح الاقليم، وان الوحدة يجب الا تقتصر على الحزبين الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني "وانما يجب ان تكون بين جميع الأطراف".
وفي موازاة كلام بلاسخارت، وتطمينات رئيس الاقليم ورئيس الحكومة، قال المنسق العام لحركة التغيير عمر سيد علي خلال ندوة على هامش المؤتمر، من "اين ناتي بالوحدة ولدينا إدارتان، وقوتان للبيشمركة، وقوتان للاسايش ولدينا ماليتان"؟، مردفا بالقول "كل شيء مقسم في كوردستان على طرفين"، في إشارة إلى الحزبين الرئيسين في الإقليم الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني.
لكن هذا النقاش مرحلة لا غنى عنها قبل الشروع في مسيرة الدستور الجديد، كقول رئيس حزب العدالة الكوردستانية (الجماعة الاسلامية سابقا) علي بابير أن 15 عاما مرت على كتابة دستور العراق الدائم، ولغاية الان نحن بلا دستور لاننا نفكر في اطار ضيق.
اما بطريرك الكلدان في العراق والعالم مار لويس روفائيل الأول ساكو، فقد أغنى النقاشات والافكار المتداولة عندما قال أنه لاتوجد "دولة اسلامية" او "مسيحية" في العراق، مشيراً إلى أن البلد للجميع ولا أقلية فيه أو غالبية ، مؤكداً أن الدستور المدني سيسحب البساط من تحت اقدام المتطرفين والمتحزبين والطائفيين. وقال ساكو "لابد من دستور مدني" داعيا الى "التحرر من القوانين القديمة"، مشددا "يجب ان لا نتحدث عن الاقلية والغالبية لان العراق للجميع وفي كردستان جميعنا كوردستانيون".
وقال ساكو إن "الدولة والمجتمع ليس له دين، والحزب المفروض ليس له دين، وانما الدين شخصية معنوية وليست شخصية حقيقية، ولايمكن ان ندعو المجتمع او الدولة تحت اي مسميات دينية ولهذا الغرب تجاوز هذا وعزل الكنسية ولهذا الغرب يتقدم".
بعد هذه الهندسة التي قام بها نيجيرفان بارزاني، يبقى ان اقليم كوردستان سيخوض اختبارا حقيقيا مع نفسه في مسيرة "الدستور الكوردستاني"، وامتحانا جادا لمدى انتمائه الى عصر أكثر رقي وحداثة.