"حرب العصابات": قتال الجماعات المسلحة في العراق ومعركة غابة تويتوبورغ "نموذجا"
شفق نيوز/ تناول موقع "ذا كوليكتور" الكندي ظاهرة "حرب العصابات" من خلال تجربتي حرب التمرد في العراق ضد القوات الامريكية وتمرد القبائل الجرمانية ضد الجيوش الرومانية، خصوصا في معركة غابة تويتوبورغ في القرن التاسع الميلادي.
وأوضح التقرير الكندي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ ان حرب العصابات من خلال استخدام التقنيات والتكتيكات القتالية ضد قوة عسكرية أكبر منها، تؤدي الى نتائج فعالة كما تظهر أحداث التاريخ، مشيرا الى ان البشر وجدوا مدار التاريخ الطويل، وسائل أكثر إبداعا لقتل بعضهم البعض.
ولفت التقرير الى ان احدى القضايا التي تكررت على مدار تاريخ الحروب، هي التحدي الذي تواجهه مجموعة أصغر حجما من أجل التغلب على قوة أكبر منها، وذلك من خلال حرب العصابات مثلا، كما جرى خلال قتال المتمردين العراقيين ضد القوات الامريكية، وخلال حروب القبائل الجرمانية ضد الإمبراطورية الرومانية.
حرب العصابات
وأوضح التقرير؛ أن أصل مصطلح حرب العصابات مشتق من الكلمة الإسبانية "غويرا" التي تعني الحرب، وهو تعبير يستخدم لوصف قوة صغيرة وسريعة الحركة من المتمردين التي تقاتل ضد جيوش أكبر منها وافضل تسليحا، حيث من بين الأساليب المستخدمة الكمائن والفخاخ وعمليات التخريب التي تحقق التفوق على القوات الأكثر تدريبا وتسليحا واستعدادا.
واشار التقرير الى ان المصطلح استخدم للمرة الأولى للاشارة إلى حرب العصابات الاسبانية والبرتغالية التي طردت الفرنسيين من ايبيريا خلال الحرب في شبه الجزيرة (1808-1814)، مضيفا أنه من خلال الهجمات المستمرة على قوات الجيش النابليوني، تمكن مقاتلو حرب العصابات، من ابعاد انتباه الفرنسيين عن الجيوش البريطانية، مما جعل الفرنسيين أكثر عرضة للهجوم.
معركة غابة تويتوبورغ (9 ميلادي)
وذكر التقرير؛ ان احد الامثلة الرئيسية لحرب العصابات جرى خلال القرن التاسع الميلادي، من خلال معركة غابة تويتوبورغ حيث تمكنت مجموعة صغيرة من رجال القبائل الجرمانية من إلحاق الهزيمة بثلاثة فيالق رومانية حيث جرى تكليف الجنرال الروماني بوبليوس فاروس بقيادة الفيالق ال17 وال18 وال19 من أجل العمل على توسيع الامبراطورية الرومانية الى ارض جرمانيا التي تمثل ألمانيا الحالية.
وتابع التقرير؛ أن الخصم الرئيسي لروما في جرمانيا هو الزعيم القبلي أرمينيوس الذي سبق له أن تلقى تدريبا على الأساليب القتالية الرومانية قبل انشقاقه الى قبيلة تشيروسي ردا على غزو وطنه. واضاف التقرير ان أرمينيوس بقيادته قوات تحالف القبائل ومن خلال معرفته الدقيقة بتكتيكات الحرب التي يتبعها الرومان، تمكن من مواجهة التقدم الروماني بشكل فعال واستخدام حرب العصابات لتحويل التضاريس ضد الفيالق الرومانية.
ولفت التقرير إلى أن أرمينيوس استغل التضاريس الجغرافية للمنطقة حيث عبر الجنود الرومان من خلال سلسلة بشرية طويلة عبر ممر بين الجبال يشبه عنق الزجاجة، ليتواجهوا مصيرهم المحتوم، إذ بعدما بدأ هطول الامطار تدفقت المياه من التلال إلى الوادي الضيق الذي كانت الفيالق الرومانية تسير عبره، ولم يتمكن الجنود الرومان بسبب طبيعة المكان والأرض الزلقة والمستنقعات، من استخدام التشكيلات الرومانية التقليدية الفعالة في مواجهة أعدائهم المسلحين الذين هاجموهم باسلحتهم الخفيفة من الاماكن المرتفعة مما أسفر عن مقتل الآلاف منهم، بمن فيهم كبار القادة العسكرية بما في ذلك الجنرال فاروس نفسه.
واشار التقرير الى ان الرواية التاريخية مدعومة بعلم الاثار، خصوصا من جانب المؤرخين مثل كاسيوس ديو، حيث تم العثور على رفات بشرية والعديد من قطاع المعدات العسكرية الرومانية مثل الدرع الروماني، والاسلحة مثل رؤوس الحراب والخناجر كلها في نفس الطبقة الارضية ما يعني أنها دفنت هناك في وقت واحد وخلال حدث واحد. كما تم اكتشاف آثار للسور الرملي الذي أقامته قبائل الشيروسي للاختباء خلفه أثناء عبور الفيالق الرومانية في الممر الجبلي، ووفر للمهاجمين أيضا منصة لشن هجماتهم.
حرب العصابات في العراق
وذكر التقرير؛ أنه رغم مرور قرون منذ زمن الجنرال أرمينيوس، الا ان العديد من التقنيات التي استخدمتها القبائل الجرمانية في تويتوبورغ لا تزال تستخدم حتى الان، اذ لا تزال مجموعات صغيرة من المقاتلين تستخدم عنصر المفاجأة والتخريب والكمائن ضد القوات الأكبر حجما، وهي تكتيكات لوحظت خلال حرب العراق خلال الأعوام ما بين 2003 و2011، إذ أن المتمردين استخدموا تكتيك الاختباء واستخدام الاسلحة البدائية الصنع في شن هجماتهم على قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
واعتبر التقرير ان الاعداد لمشهد حرب العراق في العام 2003، بدأ يتشكل بعد انتهاء عملية "عاصفة الصحراء" في العام 1991، حيث بقي صدام حسين في السلطة حتى حرب العام 2003، مذكرا بأن المرحلة الأولى من حرب العراق كانت بين قوات التحالف والجيش العراقي وتضمن القصف المدفعي الثقيل والغارات الجوية على المواقع العسكرية والحكومية، وتبعها احتلال المدن الرئيسية كبغداد وتكريت والبصرة.
لكن التقرير لفت إلى أنه بعد النجاح الأولي عسكريا، بدأت قوات المتمردين حملة حرب عصابات ضد قوات التحالف، حيث أدت المرحلة الثانية من الحرب الى سقوط الاف الضحايا من المدنيين والعسكريين وكانت بمثابة تحدي متزايد أمام قوات التحالف.
وأوضح التقرير أن التغيير في التكتيكات أتاح لهذه القوات العراقية الصغيرة المقاومة لفترة زمنية أطول مقارنة بما جرى مع الجيش العراقي خلال الحرب التقليدية.
وأشار إلى أن من بين التكتيكات المستخدمة من جانب المتمردين، العبوات الناسفة التي هي عبارة عن جهاز تفجير "محلي الصنع" يتم تفجيره في كثير من الأحيان عن بعد، مما يعني أن المتمردين لم يكن عليهم تعريض أنفسهم للمخاطر. واضاف ان هذه العبوات تسببت في وقوع حوالي نصف القتلى والجرحى أثناء الحرب وثبت أنها شديدة الفاعلية ضد قوات التحالف من حيث اعاقة الجنود وتدمير المركبات والمعدات.
أسلحة حرب العراق
واوضح التقرير انه جرى تحليل بقايا لهذه الاجهزة والعبوات من أجل الإلمام بوظيفتها وإعداد تدابير مضادة لها. ولفت إلى أن تطور تكنولوجيا العبوات الناسفة تضمن انشاء انظمة تشغيل مثل الهواتف المحمولة واجهزة فتح ابواب المرآب، لكي تستخدم في التفجير عن بعد.
ولهذا، اعتبر التقرير أن التكنولوجيا التي يطبقها المتمردون العراقيون تظهر بوضوح تطورا في تكتيكات حرب العصابات مع الاحتفاظ بالمبادئ الاساسية مثل الكمائن وعمليات التخريب. وتابع أن الدروع الدفاعية المتفوقة لقوات التحالف قد عفا عليه الزمن في حال جرى تفجير تفجير عبوة ناسفة تحت السيارة.
وتابع التقرير ان بالامكان ملاحظة التقدم الذي تحقق في استخدام حرب العصابات من خلال استخدام الحرب البيولوجية والنفسية من اجل التسبب في اصابة دائمة بعد الهجوم الاولي، وايضا بهدف بث الرعب في نفوس جنود العدو حتى قبل وصولهم إلى موقع الكمين. واضاف ان العبوات الناسفة تسببت أيضا بأضرار نفسية للجنود بسبب الخوف من انفجار إحداها بهم، وايضا بما سببته من تفاقم في الاضطرابات النفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) ، وهو ما لعب دورا في إضعاف قدرة الجنود على القيام بواجباتهم.
وتابع ان مثالا على التقدم من مثال مشابه جرى في أفغانستان حيث جرى التأكد من استخدام الحرب البيولوجية من خلال وضع عبوة ناسفة بالقرب من مجرى ملوث بمياه الصرف الصحي، ما أدى الى اصابة الجنود ببكتيريا لم تتمكن المضادات الحيوية التقليدية من معالجتها. واضاف ان مثل هذا العمل يظهر أن تطورا حصل في حرب العصابات ويعكس امتلاك المعرفة البيولوجية واستخدامها أجل زيادة فعالية الانفجار الاولي مع تأثير طويل الأمد.
الى ذلك، ذكر التقرير ان المتمردين في حرب العصابات، تمكنوا من استخدام معرفتهم المفصلة بالتضاريس المحلية لزرع العبوات الناسفة ووقف تقدم قوات التحالف العسكرية النظامية، مضيفا أن هذا الاستخدام الذكي للتضاريس والتخفي أتاح لهم بتجنب مواجهة قوات التحالف في حرب مفتوحة، والتي سمحت للقوة الأصغر بالمقاومة لفترة أطول.
حرب العصابات في تويتوبورغ والعراق
وختم التقرير الكندي بالقول؛ إن معركة غابة تويتوبورغ وحرب العراق يعتبران مثالين جيدين حول تكتيكات حرب العصابات من قبل قوة أصغر بمواجهة جيش محترف مجهز بشكل أفضل.
ومثلما استخدم رجال القبائل الجرمانية المواقع الجغرافية الطبيعية بشكل فعال للتغلب على الرومان بعد حصرهم في عنق الزجاجة عن طريق تعديل التضاريس بسور، فان المتمردين في العراق استخدموا تضاريسهم بشكل فعال ايضا من خلال قيادة العربات العسكرية الى النقطة التي تم فيها وضع العبوات الناسفة لاحداث اكبر قدر من الضرر.
وتابع أن حرب العصابات تعتمد بشكل كبير على الخوف من الكمين ما جعلها بمثابة أسلوب ناجح ولهذا جرى استخدامه مرارا عبر التاريخ من جانب قوة أصغر في محاولتها مقاومة جيش تقليدي واكبر.
ترجمة: وكالة شفق نيوز