إحجام عن الشراء وانخفاض في المبيعات.. "قفزة الدولار" فعلتها المالية للاستفادة وجنت مردودا عكسيا
شفق نيوز/ يرى مراقبون اقتصاديون، أن قرار وزارة المالية بخفض قيمة الدينار العراقي بأكثر من 20% لمعالجة ازمة السيولة النقدية في العراق بسبب انخفاض أسعار النفط ولتحقيق الإصلاحات التي وعدت بها قبل عدة أشهر، قد جاء بنتائج سلبية أكثر مما هي ايجابية حيث ان هذا القرار ادى الى اضطراب السوق وتزايد الفقر وانتقادات جاءت حتى من الخبراء المختصين بالسياسة المالية.
وكانت وزارة المالية قد طلبت رسميا من البنك المركزي العراقي؛ زيادة سعر الصرف إلى 1450 دينارا مقابل الدولار ما أدى إلى اضطراب السوق وبداية صعود الدولار.
المالية لم تحقق الأرقام المطلوبة
ويؤكد استاذ علم الاقتصاد السياسي في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني في حديث لوكالة شفق نيوز؛ ان "وزارة المالية لم تحقق الأرقام المطلوبة التي من أجلها قامت بتخفيض سعر الصرف"، مبينا ان "الموازنة تتحدث عن 50 مليار دولار إيرادات نفطية".
وتابع ان "نصف هذه الإيرادات النفطية فقط ستتمكن من بيعها للبنك المركزي لوجود مشتريات حكومية تسددها بالدولار من الخارج كعقود وزارة الدفاع الضخمة، ومشتريات وزارة التجارة والزراعة والصناعة كلها تسدد بالدولار وهي تكلف 8 مليار دولار، كما أن هناك تسديد لمستحقات الشركات النفطية العاملة بالعراق والتي تبلغ 12 مليار دولار، فضلا عن مبلغ 6 مليارات دولار فوائد وأقساط الدين الأجنبي، والمتبقي هو 24 مليار دولار تبيعه وزارة المالية للبنك المركزي".
ويشير المشهداني الى ان "ما يتبقى من المبلغ سيضيف للحكومة فقط 5 ترليون دينار كمكسب مالي لا اكثر".
ويؤكد المشهداني ان "سيولة رواتب الموظفين ليس لها علاقة بمبيعات البنك المركزي لأن الأخير اعتمد سياسة الاصدار النقدي الجديد في القرضين الأخيرين".
الاصدار النقدي هو الاستدانة المباشرة من البنك المركزي (السحب على المكشوف) من دون أن يكون للأخير الحق في الاعتراض.
ويعزو المشهداني انخفاض مبيعات البنك المركزي؛ إلى أن "سعر الدولار في الأسواق ما زال أقل من السعر الرسمي للبنك وبالتالي فان التاجر بدأ يتجه للسوق للحصول على ما يحتاجه من العملة الصعبة التي توفرت بشكل كبير في الأسواق نتيجة شراء التجار والمصارف ومكاتب الصيرفة وحتى الأهالي للدولار في أوقات تسريب اخبار نية البنك برفع سعر صرف الدولار".
ارتفاع سعر الصرف والفقر في العراق
من جانبه؛ رأى الخبير الاقتصادي والمالي هلال الطحان في حديث لوكالة شفق نيوز ان "وزارة المالية من خلال رفعها لسعر الصرف تحقق بعض المكاسب من خلال زيادة عائداتها من الدينار العراقي بعد بيع الدولار بسعر اعلى من السابق، الا ان ذلك على حساب أمور أخرى؛ وهي أن ارتفاع الأسعار في الأسواق يؤثر سلبا على الحالة المعيشية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، ويرفع نسبة الفقر في البلاد، وخاصة إذا ما عرفنا ان العراق يفتقر للصناعة الوطنية التي يكون المنتج العراقي في موقع تنافسي مع البضاعة الاجنبية".
ويشير الطحان إلى أن "انخفاض مبيعات البنك المركزي بعد ارتفاع سعر الصرف هو لوجود نوعين من الدولار في السوق العراقية وهو الدولار الأخضر الذي يباع في سوقي الكفاح والحارثية واسواق اخرى، والدولار والذي نزل الى السوق بكميات كبيرة والازرق الذي يبيعه البنك المركزي بسعر 145 الف دينار لكل 100 دولار".
ويوضح الطحان أن "ارتفاع مبيعات البنك خلال الفترة الماضية كانت بسبب تهريب الدولار خارج العراق في فترة سابقة لما كان هناك فرق بين سعر الصرف بين العراق ودول الجوار الجغرافي".
وتراجعت مبيعات البنك المركزي خلال المزاد الذي يجريه يوميا الى ما دون الـ10 ملايين دولار خلال الاسبوع الماضي، بعد أن كانت تسجل مبيعات تصل لأكثر من 250 مليون دولار ما قبل إعلان رفع سعر صرف الدولار.
وكشف مجلس القضاء الأعلى في العراق، في 23 كانون الأول الماضي عن عمليات "غير قانونية و تحايل وتزوير للاشتراك في مزاد بيع العملة وتهريب العملة الأجنبية خارج البلد.
حكم مسبق
ويقول عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر في حديث لوكالة شفق نيوز؛ إن "الحديث عن إمكانية تحقيق وزارة المالية لهدفها من تغيير سعر الصرف هو من السابق لأوانه لأنه هناك أهداف تحققت وهناك اضرار خلفتها وبالتالي لا يمكن حاليا الحكم على القرار بالفشل او النجاح وعلينا الانتظار".
ويضيف أن "رفع سعر صرف الدولار هو بالتأكيد أضر بالسوق حيث انخفضت القيمة الشرائية للدينار، وفقدنا الاستقرار المالي ولو بشكل جزئي"، مؤكدا ان "هذا الاستقرار المالي سيعود بعد ذلك".
ويتابع إننا "حاليا نرى فقط إفرازاتها السلبية ولكن افرازاتها الايجابية تحتاج لوقت اطول، ومنها هو تخفيض العجز وهو فعلا ما تحقق والثاني هو إبعاد شبح انهيار اقتصادي سريع وهذا سيتحقق، والثالث هو دعم المنتج الوطني وهو ايضا يتحقق بشكل ما".
ويردف أن "على الجميع الانتظار وان الحكم بهذه العجالة هو غير صحيح".
وكانت الحكومة العراقية أقرت في تشرين الاول الماضي "ورقة بيضاء" تضمنت آليات جديدة للإصلاح الاقتصادي وتضمنت "مئات الإجراءات الكفيلة بإحياء الاقتصاد العراقي.
وتمتد "الورقة البيضاء" على 100 صفحة، ويفترض أن تكون مدة تنفيذها (3-5) سنوات.
ويحتوي المحور الأول لورقة الإصلاح، على مقترحات لتخفيض الرواتب الحكومية بنسب تتراوح من 12-25 بالمئة، ورفع الدعم الحكومي عن بعض القطاعات، وإيقاف تمويل صندوق التقاعد من الموازنة، وتخفيض الدعم الحكومي للشركات العامة، واستيفاء أجور الكهرباء "وفق التسعيرة العالمية" وزيادة أجور الكمارك والضرائب".