شفق نيوز/ رأى باحثون وأكاديميون أوروبيون أن إعادة إعمار مدينة الموصل لم يعد أولوية لدى الحكومة العراقية، مؤكدين أن أهالي الموصل أشد حماساً وتعاوناً في هذا الجانب، فيما بينوا أن إعمار المدينة يتطلب مبلغاً ضخماً يصعب توفيره في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العراق.
ونشر موقع "دويتشه فيله" الالماني، تقريرا حول مدينة الموصل، ترجمته وكالة شفق نيوز، ذكر فيه أنه في أواخر عام 2016، تمكنت قوات البيشمركة والقوات العراقية والاميركية، بدعم من طيران التحالف الدولي، من استعادة ثاني اكبر المدن في العراق، من تنظيم داعش الذي احتلها عام 2014.
وأشار التقرير الى انه بعد نحو تسعة شهور من القتال، تمنكت القوات المتحالفة من اخراج مسلحي داعش من المدينة، واعلن رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي في تموز 2017، تحرير الموصل.
وعانى اهالي الموصل بشكل كبير خلال فترة احتلال داعش العنيف، وقتل المئات من الشبان الذين رفضوا الانضمام الى عصابات التنظيم حيث جرى اعدامهم، وجرى استخدام المدنيين كدروع بشرية، وبحسب الامم المتحدة، فان اكثر من خمسة الاف عائلة جرى اختطافها واستغلال افرادها كدروع بشرية.
تدمير الآثار والتراث
وخلال احتلال المدينة، دمر داعش المعابد والكنائس والتماثيل الدينية والاضرحة، ونزعوا الصلبان عن الكنائس ودمروا اجراسها. كما اضرموا النار بالكنائس وفجروا المساجد الشيعية والاضرحة الصوفية، وسعى مسحلو داعش ايضا الى تدمير الاثار التي تحمل تراث الموصل القديم، وما تبقى منها، جرى تدميره خلال معارك تحرير المدينة، على غرار مسجد النوري.
وقال ريتشارد زيتلر، عالم الاثار من جامعة بينسلفانيا، وهو مسؤول عن برنامج " Iraq Heritage Stabilization Program "، ان المتطرفين كانوا يريدون محو الارث الثقافي العراقي.
ويتولى البرنامج الذي يديره زيتلر التنسيق بين الحكومة العراقية ومجموعات المجتمع المدني المختلفة في اطار جهود اعادة بناء المباني الأثرية للموصل. وتدعم هذه الجهود "مؤسسة جيردا هينكل" الالمانية.
وقال زيتلر ان "اهل الموصل والقرى المحطية بها، لديهم شعور قوي بالارتباط بتراث منطقتهم"، مشيرا الى ان اهل الموصل "فخورون بانهم احفاد الملوك الاشوريين الذي حكموا غالبية مناطق الشرق الاوسط في الالفية الاولى قبل المسيح".
واشار زيتلر الى ان داعش فعل كل شيء بمقدوره من اجل تدمير اي اثار للماضي ما زالت موجودة في المنطقة.
فقدان الشعور بالأمان
وبحسب ايرينا كوستانتيني التي تدرس العلوم السياسية في جامعة بولونيا، فان داعش لاحق الاقليات العرقية والدينية ايضا ما فاقم من التوتر بين الفئات الاجتماعية المختلفة في الموصل.
وتقوم كوستانتيني بأبحاث لتحديد معاني اعادة بناء الموصل على الجوانب الساسية والاجتماعية، بدعم من "مؤسسة جيردا هينكل".
وتقول كوستانتيني ان مختلف الاقليات في الموصل، شكلت جماعات مسلحة ردا على حقبة الرعب التي فرضها داعش.
واوضحت انه "عوضا عن المساهمة في الشعور العام بالامن، فان السكان المحليين، رأوا في ذلك عنصرا اضافيا في انعدام الامان".
ورأت الدكتورة في جامعة بولونيا ان هناك حاجة الى تطبيق العدالة وبرنامج للمصالحة الوطنية لاعادة الثقة بين المجتمع العراقي، وهي عمليات "طويلة الامد تعتمد على الدعم المستمر لصناع القرار المحليين وعلى المستوى الوطني".
الإحساس بالمواطنة
وستؤدي اعادة الاعمار واصلاح الثراث المعماري دورا مهما في هذا الاطار، بحسب ما ذكرت "دوتشيه فيله"، وهي خطوات ستعزز احساس المواطنين بهويتهم، بالاضافة الى ان توحيد القوى من اجل اعادة اعمار ما تم تدميره، سيساعد في جمع مختلف الشرائح الاجتماعية معا، وخلق وعي جمعي مشترك ازاء المعاناة التي عاشوها تحت حكم داعش، وهو شرط رئيسي للاتقاء، يؤمل ان يعزز الهوية المشتركة.
وقال زيتلر ان العديد من الصروح التاريخية يمكن ان يعاد بناؤها، موضحا ان "من الممكن ترميم مساجد وكنائس ومعابد ومنازل اثرية وبوابات وجدران الموصل، لكن علماء الاثار يقولون ان اعادة بناء الكنائس في وسط الموصل القديمة، سيكون له أهمية رمزية فقط".
واضاف "قلة من المسيحيين الذين اخرجوا من المدينة، سيعودون".
واعتبرت كوستنتيني ان الجهود لاعادة بناء وترميم ما دمر في الموصل، لم تعد الاولوية للاجندة السياسية العراقية.
ويقول الباحثون ان بناء ما تدمر في المنطقة برمتها، يتطلب نحو 88 مليار دولار، وهو أكثر بكثير من الاموال التي تعهدت بها السلطات حتى الان.
واوضحت كوستنتيني انه فيما يواجه العراق فترة حكومة تستعد للرحيل، وازمة اقتصادية، من دون ان ننسى تأثير جائحة كورونا، فان اعادة بناء الثراث المعماري الثقافي، لم يعد أولوية.
وعلى الرغم من ذلك، فان اهالي الموصل يدعمون جهود الاعمار. وقال زيتلر ان "التعاون مع الناس في الموصل والقرى المحيطة، عظيم.. انهم متحمسون". لكنه أقر بأن الظروف التي تجري فيها الامور صعبة بعدما لحق دمار هائل بالمدينة.
وقال زيتلر ان الناس يرون انها جهود حاسمة من اجل اعادة بناء مدينتهم، وايضا انهم سعداء لما يتيحه ذلك من فرص عمل من خلال جهود العمل في اعادة الاعمار.