شفق نيوز/ دعا موقع "فيرست بوست" الهندي، حكومة نيودلهي إلى الاستفادة من العراق كـ"شريك طبيعي"، وذلك من خلال العمل على تأمين خيارات مسارات خطوط التجارة الخارجية، وبما يتخطى "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط (IMEEC) الذي اقترحته الولايات المتحدة، و"الممر الدولي للنقل شمال –جنوب" والذي يمر عبر الاراضي الإيرانية.

وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الامريكي جو بايدن، وقادة العالم الاخرون، كشفوا خلال قمة مجموعة ال20 في نيودلهي في العام الماضي، عن الممر الاقتصادي الهندي (IMEEC)، وهو طريق تجاري سريع لنقل البضائع من الهند عن طريق البحر الى دولة الامارات، ثم برا الى البحر الابيض المتوسط، ثم الى اوروبا

وتحت عنوان "هل العراق هو القطعة المفقودة في استراتيجية الممر الهندية؟"، رأى التقرير الهندي، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، أنه لم يكن الجميع سعداء بالمسار المقترح، مشيرا في هذا السياق الى ان الحرس الثوري الايراني ينظر الى العالم باعتباره لعبة محصلتها صفر، وهو يسيطر على الصناعة في ايران ويتسفيد من "الممر الدولي للنقل شمال –جنوب" المقترح، حيث من المفترض أن يبدأ في الهند حيث يتم شحن البضائع عن طريق البحر إلى إيران ثم تنقل شمالاً عبر الشاحنات أو السكك الحديدية نحو اذربيجان ومن هناك الى روسيا واوروبا.

وفي حين قال التقرير، إن الغرب يميل لرية التحدي الحوثي للشحن البحري في البحر الاحمر، فقط من خلال زاوية العداء الايراني تجاه اسرائيل، الا انه اعتبر ان قادة طهران يفضلون الاستراتيجيات التي تحقق اهدافا محددة في وقت واحد، موضحا انه من خلال العمل على عرقلة الشحن عبر قناة السويس او العبور من خلال اسرائيل، فان السلطات الايرانية تعتقد ان بامكانها جعل الممر العابر لايران، اكثر جاذبية.

وفي الوقت نفسه، ذكر التقرير ان المسؤولين الامريكيين يتبعون نهج المعتقدات المانوية (الأبيض أو الأسود، أو النور والظلمة) في التعامل الدبلوماسي، ولهذا فان واشنطن تعارض ايضا الممر الشمالي الجنوبي لانهم يخشون من ان العبور عبر ايران سيفيد الموانئ والشركات اللوجستية التي يديرها الحرس الثوري.

ولفت التقرير الهندي، إلى أن هذا القلق حقيقي لأن "خاتم الانبياء" وهي المجموعة الاقتصادية التابعة للحرس الثوري، تتمتع بسيطرة على حوالي 40 % من الاقتصاد الايراني، وتوجه ارباحها الى نشاطات التمرد والجماعات الارهابية في كافة انحاء المنطقة.

ولهذا، اعتبر التقرير، أن عدم رغبة الهند في المراهنة بامنها الدبلوماسي او العسكري او التجاري على شريك واحد، يمثل امرا منطقيا من الناحية الاستراتيجية، الا انه قال ان ما يفتقده النهج الهندي الحالي، هو ايجاد وسيلة ثالثة تعمل على زيادة الامن التجاري للهند، موضحا انه لا ينبغي ان يكون ممر الشمال-الجنوب العابر لايران هو البديل الوحيد لمشروع الخط الهندي.

ووفق التقرير الهندي، فإن بإمكان العراق أن يكون شريكا طبيعيا للهند لتعزيز امنها التجاري بما يتخطى خط الممر الهندي وايران، وفي هذا الاطار، لفت إلى أن العراق ليس غريبا على الهند، مذكرا كيف ان نحو 3 ملايين هندي خدموا في الجيش البريطاني في العراق خلال الحرب العالمية الاولى، معظمهم في اطار مهمات غير قتالية، كما ان العديد العمال الهنود والمغتربين ساعدوا في تطوير السكك الحديدية العراقية.

وأضاف التقرير انه بينما انخفضت اعداد الضباط الهنود في العراق من الفين الى بضع عشرات فقط بعد انتهاء الانتداب البريطاني، الا ان العلاقات انتعشت بعد استقلال الهند، ووقع البلدان في العام 1952، "معاهدة السلام والصداقة الدائمة"، وعلى الرغم من ان العراق في حرب العام 1965 دعم باكستان، الا ان الهند والعراق طورتا علاقات عسكرية ودية، وقام سلاح الجوي الهندي بتدريب الطيارين العراقيين على طائرات "ميغ 21"، بينما قام سلاح البحرية الهندية بدعم الاكاديمية البحرية في البصرة.

كما نوه إلى أن الوجود الهندي قبل حرب الخليج العام 1991، ارتفع إلى أكثر من 80 الف شخص، ثم تراجع في ظل العقوبات، ولكن بعد غزو العام 2003، عاد للارتفاع، وجندت شركات المقاولات الامريكية المقاولون آلافا اخرين لتقديم خدمات متنوعة للقواعد العسكرية.

وبحسب التقرير فإن عدد العمال الهنود في ايار/مايو 2010، ازداد بشكل كبير في اقليم كوردستان عد ان رفعت نيودلهي تحذيرها من السفر، وحاليا ينتشر الهنود في كافة انحاء البلد، حيث يعمل أكثر من 5 الاف هندي في مشروع مصفاة كربلاء، ويعمل 25 الفا اخرون في مواقع من البصرة في الجنوب الى بغداد في الوسط، الى اربيل في الشمال.

وفي المقابل، رأى التقرير ان احصاءات وزارة الخارجية الهندية تشير حاليا الى ان عدد الهنود في العراق لا يتجاوز 18 الفا، لكن هذا الرقم يزيد عن اربعة اضعاف عدد الهنود في ايران واكثر من عشرة اضعاف عددهم في تركيا، وكلاهما من الدول الاكبر حجما من العراق بكثير.

والى جانب ذلك، ذكر التقرير ان التجارة بين الهند والعراق ازدادت باكثر من الضعف منذ العام 2020 لتصل الى اكثر من 30 مليار دولار، وهو رقم مرتب بشكل اساسي بصادرات النفط العراقية وايضا بسبب الفرص الاخرى حيث اخذت الشركات الهندية، زمام المبادرة في مشاريع مرتبطة بنظام الصرف الصحي في البصرة، وفي تشغيل محطات مصفاة بيجي، مضيفا ان شركة "بهارات للكهرباء الثقيلة" تحركت بعد نجاحها في بيجي، من اجل مساعدة السليمانية، ثاني اكبر مدن كوردستان، على تطوير انظمة توليد الطاقة الخاص بها.

وبالاضافة الى ذلك، بين التقرير أن فرص العمل ليس عامل الجذب الوحيد للهنود الى العراق، موضحا انه برغم ان المسلمين الشيعة قد يكونون اقلية صغيرة في الهند، الا انهم لا يزالون يمثلون ثاني او ثالث اكبر عدد من السكان الشيعة في العالم بعد ايران، كما ان الاف الشيعة الهنود يقومون بزيارات دينية الى النجف وكربلاء والكوفة والكاظمية.

إلى ذلك، ذكر التقرير بان الاستقرار يعدو الى العراق مجددا، وانخفض ضحايا الارهاب بشكل كبير، مضيفا ان المعدل اليومي لوفيات حوادث المرور في نيودلهي اكبر من المعدل الشهري لوفيات الارهاب في كافة انحاء العراق.

وبعدما لفت التقرير الى ان بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق ستتوقف عن العمل وتغلق عملها في كانون الاول/ديسمبر 2025، قال اه في ظل كل هذه الخلفية، فانه يتحتم على نيودلهي التحرك بقوة لترسيخ وتعزيز موقفها في العراق.

ورغم أن الديمقراطية العراقية قد تكون صعبة ومتعثرة، إلا أن ثقافة الحوار والتسامح هي السائدة الان، وفق التقرير، الذي أضاف أن الثقافة السياسية في العراق تغيرت بشكل كبير ودائم في حقبة ما بعد صدام حسين. كما لفت الى احتمال ان تواجه ايران من جهتها، حالة من عدم الاستقرار بعد وفاة مرشد الجمهورية البالغ من العمر 85 عاما.

 

ونبه التقرير انه برغم الفساد السائد بين السياسيين العراقيين، فان الاعمال التجارية في العراق اسهل منها في ايران مثلما تظهر جهود الاستثمار المبذولة في ميناء تشابهار الايراني. واضاف انه لا يجب ان يكون الاستثمار في العراق بشكل حصري، وانما ان العراق هو رهان افضل .

ولهذا، رأى التقرير، أنه ومن اجل ترسيخ طريق تجاري ثالث وتأمين المصالح الاقتصادية والدبلوماسية للهند، فانه يتحتم على بغداد ونيودلهي ان تتعاونا الان، لافتاً في هذا الإطار أيضاً، إلى أن "الجامعات الهندية قد تفتح المزيد من الفرص أمام الطلاب العراقيين، في حين أن الجامعات العراقية الكبرى مثل جامعة بغداد، وجامعة الكوفة، والجامعة الامريكية في العراق - السليمانية قد تجذب الطلاب الهنود".

وخلص التقرير إلى القول: يجب على الشركات الهندية العمل من اجل الحصول على شريحة اكبر من الكعكة المالية، حيث انه عندما يعمل العمال الهنود بموجب عقود امريكية او غربية اخرى، فانهم يحصلون على جزء صغير من اموال العقد بينما يقوم المقاول والمقاولين من الباطن الكبار بسحب معظم التمويل.

وختم التقرير الهندي، بالإشارة إلى أن الهند تعتبر حاليا اكبر دولة في العالم ومن بين اكثر الديمقراطيات حيوية، وهي تشكل قوة لا يستهان بها في حوض المحيط الهندي والشرق الاوسط، واذا كان المطلوب تضخيم نفوذها، فإن عليها الاستلهام من ماضيها وأن تستوعب الإمكانات التي بمقدور الاستثمار في العراق وطريق التجارة الطبيعي، أن يؤمنها.