شفق نيوز/ بعد أن وضع ممثلا الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان إمضائهما على "اتفاق سنجار" الجمعة 9 اكتوبر تشرين الاول، حتى برز التساؤل الأكبر، هل ما جرى إعادة تفعيل "المادة 140" من الدستور التي تحكم في "المنازعات" القائمة بين حكومتي بغداد واربيل؟ هل سنشهد في المرحلة المقبلة اعادة ترتيب هذا الملف حول المناطق المتنازع عليها بينهما خاصة في كركوك وسهل نينوى وامرلي وغيرها؟ هل هي بداية جديدة بين مصطفى الكاظمي وإقليم كوردستان تحتمها المصالح السياسية والتحديات الامنية المشتركة والمصالح الاقتصادية المشتركة؟
حبر التوقيع على الاتفاق لم يجف حتى الآن، ولان أي تسوية حول ملف شائك كسنجار، يحتاج إلى المزيد من الوقت لتتبلور أسسه وتتضح نتائجه على الأرض تحديدا. ومع ذلك، فقد صدرت مواقف توضيحية عديدة من رئاسة الحكومة الاتحادية ومن رئاسة الحكومة في اربيل ومن البيشمركة، فيما صدرت مواقف ترحيبية من الولايات المتحدة والامم المتحدة بالاضافة الى الاردن ومصر.
وقال المتحدث باسم رئيس الحكومة احمد ملا طلال في تغريدة على تويتر، واطلعت عليها وكالة شفق نيوز، إن "الاتفاق على إعادة تنظيم الأوضاع الإدارية والأمنية في سنجار هو صلاحية حصرية للحكومة الاتحادية ستتم بالتنسيق مع حكومة اقليم كوردستان، إلتزامًا دستوريًا من الحكومة تجاه مكون أصيل"، مضيفا أن "واحدة من مخرجات الاتفاق، هي تعيين 1500 شاب أيزيدي من المخيمات و1000 شاب من سنجار ضمن القوات الأمنية في القاطع".
ويحمل نص الاتفاق المؤلف من صفحتين اسم "اتفاق اعادة الاستقرار وتطبيع الاوضاع في قضاء سنجار"، وتم توقيعه من جانب ممثل الحكومة الاتحادية حميد فليح وكيل رئيس جهاز الأمن الوطني، وممثل حكومة اقليم كوردستان وزير الداخلية ريبر أحمد، وهو نتاج أسابيع من الاتصالات والمشاورات المكثفة.
وقد لا تظهر في ثنايا بنود الاتفاق التعقيدات الهائلة القائمة في سنجار منذ عدة سنوات، خصوصا منذ أن اجتاحت عصابات داعش المنطقة، لكنه بالتأكيد يستهدف معالجة النقاط الملتهبة فيها والتي حالت دون عودة عشرات الاف النازحين واعادة إعمار المنطقة المنكوبة، من خلال، أساسا، تطبيع الاوضاع في سنجار، وتنظيم إدارة القضاء من الجوانب الادارية والامنية والخدمية بشكل مشترك بين الحكومتين الاتحادية والكوردستانية.
ولكي تفهم تفاصيل المشهد الشائك في سنجار، لا بد من التذكير بأن عصابات داعش اجتاحت سنجار في أغسطس/آب العام 2014، ما أجبر 350 ألف إنسان، غالبيتهم من الايزيديين على النزوح باتجاه كوردستان والجبال المجاورة. وارتكب الغزاة جرائم حرب بحسب تأكيدات الأمم المتحدة، من بينها بالإضافة إلى إعدام الاف من اهالي المنطقة ودفنهم في قبور جماعية، الى فرض العبودية على الاف المواطنين من بينهم نساء وأطفال.
وعلى الرغم من تقديرات تشير إلى أن 120 ألف شخص عادوا بالفعل، لكن هناك حوالى 30 الف عائلة ايزيدية ما زالوا في مخيمات النزوح في دهوك. كما ان غالبية العائدين الى سنجار، يواجهون العديد من المصاعب المتعلقة بإعادة الاندماج يفتقرون الى الخدمات الأساسية لاستمرار الحياة من طبابة وتعليم وفرص عمل وأمن. وقد ساهم هذا الوضع في هجرة نحو 100 ألف من الايزيديين الى خارج العراق، وخصوصا الى اوروبا.
وبعدما حررت البيشمركة سنجار من داعش، فرض الجيش العراقي والحشد الشعبي سيطرتهما على المنطقة وغيرها من المناطق المتنازع عليها، في ظل التوتر الذي اشتعل بين بغداد واربيل بسبب الخلاف حول استفتاء الاستقلال في العام 2017. وبسبب هذه السيطرة الجديدة، جرى تنصيب مسؤولين جددا في سنجار بدلا من المسؤولين المنتخبين ما خلق ازدواجية في ادارة القضاء خاصة بعد انتقال المسؤولين المنتخبين الى دهوك لمتابعة شؤون سنجار من بعيد.
وليزداد المشهد تعقيدا، قام حزب العمال الكوردستاني بإنشاء فصيل تابع له باسم "وحدات حماية سنجار" انضوى تحت لواء الحشد الشعبي. أما وجود حزب العمال الكوردستاني نفسه، فإنه يتسبب في اتخاذ تركيا ذلك ذريعة لشن هجمات على المنطقة، وهو ما يفاقم من مشكلة النازحين وتعثر عودتهم الى مناطقهم وقراهم.
ويحدد "اتفاق الجمعة" بشكل مباشر مسألة وجود حزب العمال الكوردستاني وينص على ضرورة خروجه من المنطقة. وقال الكاظمي إن حكومته ستعمل على إخراج حزب العمال وغيره من الجماعات المسلحة التي لا تنتمي الى سنجار منها، وان بغداد ترفض استخدام أراضيها لشن هجمات على دول مجاورة.
هذا الإتفاق سرعان ما دفع حسو إبراهيم نائب "رئيس المجلس الذاتي الديمقراطي" في سنجار-حكومة محلية موازية تابعة لحزب العمال- الإعلان عن رفض المجلس للاتفاق.
وقال في تصريح لوكالة شفق نيوز، "سيتم تنظيم وقفات سلمية رافضة للاتفاق، كما سندافع عن أنفسنا في حال التعرض لقواتنا، رغم رفضنا لمبدأ الحرب كي نجنب سنجار من دمار آخر".
ونفى حسو ابراهيم الاتهامات الموجهة للمجلس الذاتي الديمقراطي في سنجار كونه أحد اجنحة حزب العمال الكوردستاني قائلا ان المجلس وقوات حماية سنجار ليسوا تابعين لحزب العمال الذي أعلن انسحابه من سنجار عام 2018 وأن عناصر قوة سنجار من اهالي القضاء، وهي قوة تابعة للحشد الشعبي تدعمها الحكومة العراقية.
ودعا حسو إلى إشراك المجلس في تقرير مصير سنجار.
وعلى الطرف الأخر، رحّب قائد قوات البيشمركة في قضاء سنجار قاسم ششو،بالاتفاق.
وقال لوكالة شفق نيوز، "إننا سعداء بالاتفاق والتنسيق بين الحكومتين كون الاتفاق سيسهم في عودة النازحين الى مناطقهم بالاضافة الى اخراج القوات غير الشرعية من سنجار".
واشار ششو الى ان "مستقبل سنجار وتطوره مرتبط بتنفيذ هذه الاتفاقية".
وبكل الاحوال، يتضمن الاتفاق ثلاثة محاور، ادارية وأمنية ومحور اعادة الاعمار. ويتكون المحور الإداري من عدة نقاط منها اختيار قائممقام جديد للقضاء يتمتع بالاستقلالية والمهنية والنزاهة. ويتضمن المحور الأمني عدة نقاط منها أن تتولى الشرطة المحلية وجهازي الأمن الوطني والمخابرات حصرا مسؤولية داخل القضاء ويتم إبعاد جميع التشكيلات المسلحة الأخرى خارج حدود قضاء سنجار.
وكذلك تعزيز الأمن في القضاء من خلال تعيين (2500) عنصر ضمن قوى الأمن الداخلي في سنجار مع ضمان اشراك عادل للنازحين في المخيمات من أهالي الأمن في القضاء، وانهاء تواجد منظمة حزب العمال الكوردستاني من قضاء سنجار والمناطق المحيطة بها وأن لا يكون للمنظمة وتوابعها أي دور في المنطقة.
وأما بخصوص محور إعادة الاعمار فأنه تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة من الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان لإعادة إعمار القضاء بالتنسيق مع الادارة المحلية في محافظة نينوى.
وبذلك، فإن الحكومة الاتحادية ستعيد سيطرتها على قضاء سنجار وتدير الملف الأمني بالتنسيق مع حكومة كوردستان، وهو ما من شأنه ان يسد الابواب امام الذريعة التركية المتمثلة بوجود حزب العمال الذي قد يضطر الى البحث عن ملاذ آمن في مكان آخر ربما يكون جبال قنديل.
كما يعني الاتفاق ان وجود الحشد الشعبي في القضاء يجب ان ينتهي، وهو ما دفع قيس الخزعلي الى القول إن اتفاق سنجار "الذي تضمن إخراج الحشد الشعبي الذي حرر سنجار، هو مُجاملة سياسية ومُكافأة انتخابية على حساب الإيزيديين الذين عانوا ما عانوا من الوضع السابق ويُراد أن تستمر مُعاناتهم بهذا الإتفاق الجديد"، داعياً القوى الوطنية، إلى "إبداء رأيها في هذا الموضوع وعدم المجاملة فيه وإلى ضرورة أن يكون هُناك موقف يتناسب مع أهمية وخطورة هذا الإتفاق".
وغالب الظن أن الحشد الشعبي يحاول التدقيق في كيفية تأثير اتفاق سنجار على مرونة حركته باتجاه الحدود السورية بعدما تحول المسار من العراق عبر الانبار الى سوريا، الى طريق محفوفة بالمخاطر.
وبعد إتمام الإتفاق، قدم رئيس الإٍقليم نيجيرفان بارزاني شكره إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي "كان له دور بارز وفاعل ومساعد لإنجاح المحادثات والتوصل إلى هذا الاتفاق"، وكذلك تقدم بالشكر لدعم ومشاركة جينين بلاسخارت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق والجهود التي بذلتها للتوصل إلى الاتفاق، وكل الذين تعاونوا وساعدوا في التوصل إليه.
واكد "ننظر إلى الاتفاق نظرة ايجابية متفائلة، وخطوة وطنية صائبة تصب في مصلحة البلد كله، وستؤدي هذه إلى إعادة بناء وتعزيز الثقة بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كوردستان".
وعبر عن أمله أن "تتبعها خطوات أخرى لحل كافة المشاكل بين الجانبين وتسفر عن عودة الأخوات والإخوة الإيزيديين وجميع أهالي سنجار بعز وأمان وبلا مشاكل، وتؤدي إلى استقرار وإعادة إعمار المنطقة".
كما أكد رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، أن "الاتفاق المهم الذي تم التوصل إليه مع الحكومة الاتحادية لتطبيع الأوضاع في سنجار جاء نتيجة أشهر من العمل الجاد والمفاوضات بين المسؤولين في أربيل وبغداد"، مشيرا إلى أن الاتفاق "سيكون بداية لتنفيذ المادة 140 من الدستور".
وعندما يجف حبر الاتفاق الذي لم يحدد جدولا زمنيا لتطبيق بنوده، يفترض أن تبدأ في الظهور مؤشرات نجاحه، خاصة في ما يتعلق بانسحاب المسلحين، وبدء عودة قوافل النازحين من نكباتهم المتتالية. ولعل ذلك، هو الامتحان الحقيقي لاتفاق بغداد – اربيل الجديد وقدرته على تجاوز الشيطان الذي يكمن في التفاصيل.