شفق نيوز/ يوافق اليوم الأحد السادس والعشرون من حزيران/ يونيو، الذكرى 51 على رحيل الفنان الكوردي الشهير، حسن زيرك، الذي ما يزال الإرث الفني الذي تركه متداولاً من قبل الفنانيين الآخرين، كما ما زال صوته الأصيل حاضراً لدى المستمعين.
ولادة وحياة زيرك
ولد الفنان حسن زيرك في مدينة بوكان بمحافظة كوردستان الايرانية عام 1921، ضمن اسرة فقيرة الحال، توفي والده وهو ما زال صغيراً حيث حمل اعباء الحياة ومشقاتها منذ نعومة اظافره، خاصة بعد ما تزوجت والدته حيث اضطر الى العمل في سن الثامنة.
هذه الظروف جعلت حسن زيرك يختار حياة التنقل والترحال في العديد من المدن الكوردستانية، ومارس العديد من المهن الصعبة، حيث ذهب الى مدينة سقز ومن ثم الى تبريز وحتى الى العاصمة الايرانية طهران، وهذه الظروف والمعاناة تركت في شخصيته وتكوينه الفني الأثر الكبير ويعود لها الدور في خلق حسه المرهف، وساهمت الى حد كبير في خلق موهبته الفنية، لان الغناء يلعب دوماً دوراً في الترويح عن النفس وهو وسيلة للتعبير عن المعاناة والأحزان والافراح في الآن معاً.
خلال ترحاله بين القرى والمدن حفظ العديد من الاغاني وتعرف على الفولكلور الكوردي واغانيه الشعبية وحفظها عن ظهر قلب، حيث كان يمتاز بذكاء قوي يؤهله لحفظ الاغنية عندما تغنى امامه، غنى في الإيوانات والغرف الكبيرة في القرى وترك اثره في كل مكان غنى فيه واشتهر وهو ما زال يافعاً نظراً لصوته الشجي.
تعلم خلال رحلاته الغناء وزال عنه الخجل والتردد وعلم بمدى جودة صوته وتأثيره على الناس، وكان لرحلاته بين القرى والأرياف الكوردية سواء للبحث عن العمل او في جولاته الفنية الأثر الكبير عليه، حيث اشتهر وأصبح معروفاً بين الناس فكانت حصيلته من جولاته الكثيرة كماً هائلاً من الاغاني والالحان الفلكلورية الشعبية الأصيلة وتزوج من المعلمة ميديا زندي وبمساعدتها تعلم القراءة والكتابة، إلى أن غادر ايران متوجهاً الى اقليم كوردستان في العراق حيث استقر في بادئ الامر بمدينة السليمانية ومكث بعض الوقت في كركوك الى ان وصل الى بغداد.
لقبه "زيرك" وشهرته
لُقبّ حسن بـ"زيرك" والذي يعني باللغة الكوردية "الشاطر" وعرف بهذا اللقب الى يوم رحيله، واصبح احد اعمدة الغناء الكوردي ورواده.
ذاع صيته واشتهر ورغم مرور عقود من الزمن على رحيله إلا أنه يعيش في وجدان الشعب الكوردي ولا يمكن نسيانه لاسيما في عيد نوروز الذي اصبحت اغنيته احدى رموز ذلك اليوم وما يحمله من معاني ودلائل بالمقاومة والصمود وتجدد الحياة بالنسبة للشعب الكوردي(نوروز السنة الجديدة هل بالخير – عيد قديم للكورد هل بالخير) كذلك كان يعبر من خلال أغانيه الحياة ومشقاتها ويحاكي مشاعر واحاسيس الناس البسطاء.
علاقته بالقسم الكوردي في راديو بغداد
عمل الفنان الراحل حسن زيرك، في بداية الأمر في فندق شهرزاد ببغداد حيث كان معظم رواده من الكورد، وبمساعدة بعض الشخصيات الفنية والسياسية سجل اولى اغانيه في القسم الكوردي في راديو بغداد، وكذلك غنى في برنامج أسبوعي في الاذاعة.
عمل لمدة خمسة أعوام في الاذاعة، وتعرف على العديد من الفنانين الكورد المشهورين آنذاك وغنى معهم وسجلت له أكثر من 70 اغنية في الاذاعة الكوردية، حتى عام 1959 حيث عاد الى طهران بناء على دعوة رسمية له بالعودة والعمل في القسم الكوردي في إذاعة طهران، وغنى في اذاعة طهران وتبريز وأذربيجان، ثم استقر به المقام في إذاعة كرمنشاه عام 1960 وسجل العديد من الاغاني بصحبة فرقة اوركسترا راديو كرمنشاه.
وفي عام 1967 قدم مجدداً الى السليمانية ومنها ذهب الى بغداد لغرض تسجيل بعض أغانيه الجديدة ولكن بدلاً من ذلك تم اعتقاله لستة أشهر وسلم بعدها للسلطات الايرانية، وبعدها انفصل عن زوجته ميديا زندي وترك لها الأولاد.
وفاة زيرك
عاد زيرك ادراجه الى كوردستان ايران وفتح مقهى له على احدى الطرق المؤدية الى مدينة بانه، ولكن بعد فترة من التعاسة ومر الحياة اضطر الى اغلاق المقهى وذهب الى مدينة مهاباد، وتعرض للضغوط من قبل الشرطة الايرانية بسبب أغانيه الوطنية فاضطر الى مغادرة مهاباد والذهاب الى مدينة شنو، حيث توفي عن عمر 51 عاماً وهو ما زال في قمة عطائه بعد أن أصيب بمرض سرطان الرئة وفي 26 حزيران/ يونيو عام 1972 غادر الحياة وترك خلفه ارثاً فنياً كبيراً يقدر بمئات الاغاني والتراثية والفلكلورية والمقامات والاغاني الوطنية ووري الثرى في مسقط رأسه بوكان.
نشاطات تقام في ذكراه
في ذكرى رحيله كل عام كانت تقام العديد من النشاطات الفنية للوقوف على ذلك الفنان الذي اعطى ثروة فنية هائلة لا تقدر بثمن للفن والثقافة والادب الكوردي، كما نصب على قبره تمثالاً بارتفاع ثلاثة أمتار، وتم تأليف العديد من الكتب ووثقت مآثره وأغانيه وحياته، وأهمها كتاب ألفه الكاتب قادر نسرينيا، حيث جمع في كتابه قرابة 400 أغنية باللهجة السورانية و62 مقاماً والعديد من نتاجاته الاخرى طبعها ونشرها في طهران، كما قام معهد التراث الكوردي في السليمانية قبل عدة اعوام بتوثيق جميع اغانيه التي سجلها في بغداد وطهران وكرمنشاه وجمعها في عدة البومات غنائية مع كراس عن حياته وأغانيه.
لم يحظَ زيرك بالاهتمام الذي يستحقه من الناس في حياته، ولكنه لاقى كل تقدير واحترام بعد رحيله، وما تزال اغانيه خالدة في وجدان الشعب الكوردي وهناك اغاني مصورة وكليبات منذ قرابة 50 عاماً لاسيما اغنيته المشهورة (لوركي لوركي) و(ياله شوفير ياله) وقد أخذت منه الكثير من الالحان ونسبت الى أناس آخرين، غنى باللغة الكوردية اللهجة السورانية والفارسية وقليلاً بالتركية، انه احد اكثر الفنانين الكورد الكلاسيكيين نتاجاً وعطاءً وسيبقى شعلة منيرة لن تنطفئ.