كانت الحكومات العراقية تمنع الانتقال للسكن في العاصمة بغداد لغير سكانها الأصليين، بحسب ما تصرح، إلا وفق شروط خاصة لأسباب متعددة تتعلق بالجوانب الاقتصادية والخدمية والامنية وحتى السياسية.
اذ ان بغداد كانت تتعرض باستمرار لزيادة كبيرة في عدد السكان، مما كان يضغط على البنية التحتية والخدمات العامة؛ لذلك، فرضت الحكومات قيودا على الانتقال إلى العاصمة لتجنب تفاقم المشكلات مثل الاكتظاظ السكاني والازدحامات المرورية، وغيرها.
وهناك في الاسباب الاخرى، اعتبارات تتعلق بالحفاظ على التوازن الديموغرافي والطائفي في داخل العاصمة، في ظل التنوع الديني والعرقي في العراق، وكانت بعض الحكومات تسعى إلى الحفاظ على نسب سكانية معينة لضمان ما تصفه بالاستقرار، بحسب برامجها.
وكثيرا ما تعلن السلطات انها تسعى للحفاظ على النظام العمراني والتخطيطي للعاصمة، وذلك بتجنب البناء العشوائي والمستوطنات غير القانونية التي قد تنشأ من تدفق غير منظم للسكان.
وفي بعض المدد، كانت الحكومة تسعى إلى تحفيز التنمية في المناطق الريفية والمحافظات الأخرى عن طريق الحد من الهجرة نحو بغداد وتشجيع الناس على البقاء والعمل في مناطقهم الأصلية.
ويضيف بعض الباحثين جوانب سياسية تتعلق بأهداف الحكومات العراقية المتعاقبة، لافتين بخاصة الى مدة حكم النظام المباد برئاسة صدام حسين، اذ يرون ان الحكومة كانت تشعر بالقلق من التحركات السكانية التي قد تؤدي إلى تهديدات أمنية أو اضطرابات سياسية، إذ دأبت الحكومة على مراقبة الانتقالات السكانية لتفادي ظهور مجموعات معارضة أو حركات اجتماعية غير مرغوبة، وقد ادى ذلك الى انتزاع كثير سكان بغداد الاصليين وتسفيرهم او دفعهم الى الهجرة.
وباختصار وبحسب الباحثين والمؤرخين فان ما يعرف بقانون 1957 لمنع السكن في بغداد كان جزءا من مجموعة من التشريعات التي وضعتها الحكومة العراقية لتنظيم الانتقالات السكانية إلى العاصمة بغداد، الهدف الرئيس منه التحكم في التوسع السكاني وضبط الهجرة الداخلية، بخاصة من المناطق الريفية إلى بغداد.
والقانون وضع شروطا صارمة على السكان الراغبين في الانتقال إلى بغداد، وكان يتطلب الحصول على تصريح رسمي من السلطات المحلية للسكن في العاصمة، هذا التصريح كان يتطلب مسوغات قوية مثل العمل أو الدراسة أو حالات طارئة خاصة.
وكانت هناك استثناءات معينة لبعض الفئات مثل المسؤولين الحكوميين أو الموظفين العاملين في القطاع العام الذين جرى نقلهم إلى بغداد بموجب وظائفهم، كذلك، بعض الحالات الإنسانية قد تكون استثنيت بناءً على ظروف محددة.
وكانت السلطات تراقب بصرامة الامتثال لهذا القانون، وأي محاولة للانتقال غير المصرح به إلى بغداد كانت تُواجه بعقوبات تشمل الإخلاء القسري أو فرض غرامات.
يشار الى انه بعد اعلان الاستقلال في العراق عام 1932 وفي ظل التغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدها البلد، كانت بغداد تمثل مركزا سياسيا واقتصاديا مهما، لذا، وضعت الحكومة هذه القيود لمحاولة تنظيم السكن فيها، وبخاصة في ظل التوسع الحضري المتزايد.
وكان شرط تعداد 1957 قد طبق من قبل سلطات نظام حزب البعث في سبعينات القرن الماضي منعت بموجبه العراقيين من حق التملك في العاصمة بغداد لكل من لم يسجل افراد عائلته في تعداد 1957 ضمن الساكنين في العاصمة باستثناء تكريت، التي جرى الادعاء انها تتبع بغداد قبل ان تستقل كمركز لمحافظة صلاح الدين.
ان اي شخص يملك عقارا سكنيا وتعرض للمساءلة يجبر على بيع عقاره والرحيل من بغداد مهما كان العقار (دار، عمارة، محل تجاري) لاسيما بعد حدوث زيادة كبيرة بأسعار النفط بعد 1973 وحصول العراق على ايرادات مالية كبيرة تكفي لإحداث تنمية اقتصادية شاملة في جميع مدن العراق.
وجرى توجيه جميع اجهزة الدولة من الامن و الحزب والداخلية والقضاء والوزارات بالبحث والتحقيق وجرى ابعاد مئات الوف العراقيين من بغداد في السبعينات وصولا للتسعينات وكل من ثبت انه سكن ببغداد بعد عام 1957 او انه لم يدرج بتعداد 1957 يغادر العاصمة ولا تعرف الاعداد الحقيقية التي تعرضت للتهجير الرسمي القسري كونها ليست مسجلة رسميا لكنها اعداد كبيرة امتدت لمدة طويلة ويواجه من يرفض ذلك بالاعتقال وتوجه له تهمة خرق القانون ومصادرة العقار الذي يقطنه.
وبحسب الباحثين جرى استغلال تطبيق القانون للتخلص من بغداديين اصلاء ابا عن جد بدفعهم الى الهجرة او تهجيرهم ظلما، لدوافع شتى من بينها السياسة.
وعللت الحكومة الامر بما أسمته برنامجا اقتصاديا تنمويا لإيقاف الهجرة السكانية من الريف الى المدينة تحديدا من المحافظات الجنوبية والى بغداد حصرا ولغرض ايقاف هذه الهجرة لمنع تضاعف عدد سكانها، فيما يشكك باحثون بتلك المسوغات، مشيرين الى استثناء تكريت فقط للسكن وحق التملك وهذا يناقض الهدف المعلن، بحسب قولهم.
ومن الامور التي تشخصها الدراسات المعنية بشؤون السكان ان الهجرة من مدينة الى مدينة ومن الريف الى المدن النشطة اقتصاديا هو امر اعتيادي عالميا بخاصة في البلدان التي تشهد تنفيذ برامج ونشاطات اقتصادية غير متوازنة وتسبب بحدوث فجوة بالحياة الاقتصادية بين مدينة تشهد تقدما وازدهارا وتنفيذ برامج وانفاق اموال استثمار على البنى التحتية، وبين ارياف لم تحظى بالاهتمام المرجو، وكأن الزمن بها متوقف عمدا فلا تنفذ فيها خطط ولا يجري انفاق متوازن مع متطلباتها من بنى تحتية وفوقية، فتتكون بذلك بيئتان، احداهما جاذبة للسكان وعكسها طاردة للسكان، بحسب وصفهم.
و بحسب مصادر المؤرخين، كانت الهجرة الى المدن لاسيما بغداد قد تضاعفت بعد سن وتطبيق قانون رقم 29 لسنة 1931 أي ما يعرف بحقوق وواجبات الزراعي الاقطاعي، الذي اعطى لمالك الارض الحق القانوني بقوة ضد الفلاح الاجير مما جعلة يعاني شبه عبودية من القمع القانوني والقمع الاجتماعي العرفي، وان انخفضت كمية الانتاج الزراعي فيجري الانتقام منه بطرق شبيهه بالعصور الوسطى، فكان البؤس والجوع والمرض والحياة بأكواخ قصب بائسة ودون مستوى خط الفقر وعلى حافة المجاعة هي الحياة السائدة والمبرمجة منذ العهد العثماني حتى الخمسينات، مخطط لها للبقاء هكذا؛ و كانت السبب بالهجرة بخاصة من لوائي العمارة والكوت بعد ان تضاعفت اعداد الصرائف من 8 الاف قرية وصريفة عام 1940 الى 335 الف قرية وصريفة عشوائية عام 1958 وظلت الاعداد تتزايد نتيجة عدم معالجة خراب الريف تماما.
ومن العوامل التي ادت الى تصاعد اعداد سكان بغداد بعد ذلك هو قرار حكومة عبد الكريم قاسم بعد عام 1958 بالموافقة على تطبيق خطط تنموية بالإسكان لأهالي مدن العشوائيات "الصرائف" البالغ نسبتهم آنذاك 18 ٪ من سكان بغداد فقط بخطة تنموية اقتصادية ببناء مجمعات سكنية كانت قبل بذلك الزمن تعد طفرة غير مسبوقة في الإسكان بهذا الحجم، وبناء مدن على وفق مواصفات الخمسينات آنذاك بدلا مدن العشوائيات و "الچوادر" و الطين، و الصرائف التي كانت تحترق دائما كونها مبنية من القصب بأغلبها وتعرضها للغرق في فيضانات العراق ومن بينها فيضان بغداد عام 1954 الذي تسبب في خسائر كبيرة.
وفضلا عما لحق بهؤلاء السكان يسجل الباحثون تواجدا لنظرة عنصرية ممنهجة ضد الكورد العراقيين وازدراء كان متواصلا، فيما يعدهم بعض المسؤولين في الحكومات المتعاقبة مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة، ووضعت العراقيل ايضا بوجههم للانتقال الى بغداد والسكن فيها.
وبشأن حق الانتقال الى العاصمة بغداد والسكن فيها، فان كثيرا من الباحثين يشددون القول على انه لا افضلية لمواطن على اخر بحق العيش والسكن اينما شاء ولا مسوغ لمثل هذا الشرط القانوني، عادين التشبث بتعداد 1957 للحسم في موضوع السكن بأنه عنصرية.
والآن وبعد تزايد الانتقال من الريف الى المدن في السنوات الاخيرة، لاسيما الى العاصمة بغداد، ووصول اعداد سكانها الى ارقام هائلة برغم صغر مساحتها مقارنة بمحافظات البلد الاخرى، فان المتخصصين يشيرون الى ان منع الهجرة من الريف نحو المدن لا توقفه القوانين، ولمعالجة الظاهرة يجب ان تجرى برامج تنموية متزامنة حقيقية لتنمية البيئة الريفية الطاردة وبناء مدن جديدة بجانب الارياف ومراكز المدن وتنفيذ توسع عمراني شامل على ان يوفر للأرياف ما يتوفر في المدن من خدمات ومرافق صناعية، فسيعمل ذلك على استقرار سكانها، ويمنع اي تدفقات للهجرة والنزف السكاني داخليا وخارجيا.