يكبر هذه الايام سوق استبدال اسماء الاحزاب والقوى التي حكمت طوال السنوات الماضية، باسماء جديدة تتضمن مفردات المدنية والاصلاح والتغيير. فهل يكمن وراء ذلك سعي الى غش المواطنين وتزييف وعيهم، بغية الاستحواذ من جديد على اصواتهم، وبطريقة مبتكرة كالتي درج عليها المتنفذون في كل الانتخابات التي مرت على العراق؟
هكذا يبدو ان الانتخابات المقبلة لن تمر بسلام. وهي الانتخابات التي نتطلع الى رؤيتها، بعد تغيير قانون الانتخابات ومجلس المفوضين، كانتخابات حرة يختار فيها المواطن من يمثله دون إكراه، ويحسب القائمون عليها أصوات المواطنين بحرص وأمانة تليق بمن أُنيطت بهم الأمانة. انتخابات نزيهة تتجاوز ما شاب سابقاتها من انتهاكات وتزوير وشراء اصوات، ومن ثغرات ونواقص اخرى.
ان استبعاد الاسماء الطائفية للكتل واعتماد اسماء مدنية بدلا منها ينطوي على دلالات عديدة، منها الاعتراف الضمني بفشل المحاصصة الطائفية في تقديم اي منجز يجعلها عزيزة على قلوب المواطنين. علما ان المواطنين وحركة الاحتجاج واسعة النشاط، تحمّل رؤوس المحاصصة مسؤولية الخراب الذي حل بالبلد والمجتمع، وتشخصهم كمسببين للأزمة العامة التي شملت جميع نواحي حياتهما. فيما طرح دعاة الدولة المدنية مشروعهم المدني الديمقراطي الواضح، الذي يستند الى ركيزة اساسية تتمثل في المواطنة كهوية اساسية جامعة، تعتمد في معاييرها على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وتوفير الاستقرار السياسي للمواطنة بما يناسب حقها في العيش الآمن والمستقر وفي تكافؤ الفرص، والحرص على اطلاق تنمية مستدامة شاملة. ثم ان المدنيين لم يكتفوا بطرح مشروعهم الواضح تماما، انما مارسوا تعاملا يعكس منظومة اخلاق وقيم رفيعة مشبعة بالوطنية والنزاهة ونظافة اليد.
ان الغاية من تغيير الكتل الطائفية اسماءها، واضفاء صبغة المدنية والاصلاح عليها، لن تنطلي على شعبنا. فالبعض جعل من الطائفية السياسية شعارا مقدسا. ولا يمكن ان ننسى المحاولات الخائبة لجر الشعب العراقي الى هذا الفخ، فيما كانت القوى المدينة الديمقراطية تقف بشجاعة في وجه ذلك الصراع، وقد تعرضت جراء الى شتى الضغوط والتشويهات.
ان صفة "المدنية" التي اطلقها بعض المتحاصصين على احزابهم لن تخفي ما ارتكب من حماقات وسوء ادارة وفساد. وهي لن تغير شيئا في الجوهر اذا بقي المنهج والممارسة والاداء كلا على حاله.