في حوار له ضمن ملتقى ميري في اربيل، أشار السيد نيجيرفان بارزاني رئيس اقليم كردستان العراق الى عدة ملفات مهمة في ما يتعلق بالعراق و استراتيجية الكرد في الاعتماد على بغداد كعمق استراتيجي.
تحت شعار، معالجة الأولويات السياسية للعراق، أقامت مؤسسة الشرق الاوسط للبحوث ، ملتقى الشرق الأوسط لسنة 2023 في فندق روتانا في اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق للفترة من 11 ولغاية 12 من شهر تشرين الأول سنة 2023 و في الجلسة السادسة منه وتحت عنوان: إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات الفيدرالية الإقليمية: عملية طال انتظارها.. تم استضافة السيد نیچیروان بارزانی، رئیس اقلیم کوردستان، وقام الاستاذ هیوا عثمان بواجب المحاور.
يعرف السيد نيجيرفان البارزاني بأنه قائد السياسة الناعمة soft power لیس على مستوى الاقليم فقط بل في عموم العراق، وهذا ليس بمستبعد من شخص حمل السلاح و هو شاب غض و شارك في العديد من المعارك ضمن المعارضة الكردية للنظام البعثي، كما تولى مسؤوليات ادارة الدولة و مؤسساتها بعد اقامة المنطقة الآمنة من قبل قوى التحالف الدولي بعد سنة 1991 و كان جزء مهما من عدد من ملفات بناء العلاقات و التطبيع لعدد من القوى السياسية على ساحة الاقليم و خارجها. بالاضافة الى كونه شخصا مرغوبا به من قبل كل المجتمع العراقي، الا انه يمتلك ما يمكن أن نطلق عليه الشخصية المرغوبة لدى القوى و الزعامات السياسية في المنطقة و العالم.
ضمن اجابته على أسئلة المحاور، اشار السيد نيجيرفان البارزاني الى رؤيته الشخصية و مفاتيح العلاج لعدة قضايا مهمة تشغل بال الساحة العراقية، مع أهمية كل تلك المواضيع، لكننا لا نريد الخوض فيها كلها حيث يمكن للمتابع الرجوع إلى مصدرها و الاستماع إلى كامل اللقاء، لكني أود الخوض و لو بشكل مختصر الى موضوع العلاقة بين بغداد و اربيل، و هو الملف الاقوى في بناء العراق.
يعرف عن البارزاني اعتماده شعار ، بغداد عمق الاقليم الاستراتيجي، عند تناوله للعلاقة بين الحكومة الاتحادية و حكومة الاقليم. بعد عملية تحرير العراق من النظام البعثي وبداية الدولة العراقية الجديدة ومن خلال تشريع دستور سنة 2005 تحولت الدولة من مركزية و شمولية الى دولة اتحادية تعتمد اللامركزية الإدارية والمالية، حيث هناك سلطة للعاصمة و سلطة للاقليم وسلطة للمحافظة وأخرى للاقضية. لقد أشرنا في أكثر من مقال الى ضعف فهم الدستور وبناء العراق الاتحادي من خلال تطبيق الآليات و الفكر المركزي لإدارة الدولة في دولة يفترض انها اتحادية. مع اعتراف كل القوى السياسية و المختصين في بناء الدول، أن الدول الاتحادية ( الفدرالية) هي أقوى الدول من الناحية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. لكن يصطدم ذلك بمفهوم العرف الإداري للعراق الذي يعتمد على التجارب السابقة في ادارة الدولة ( الحديد والنار والمركزية في احتواء السلطة).
لقد كان رئيس الاقليم واضحا جدا في تحديد جوهر المشكلة بين بغداد و اربيل. حيث اشار الى الى الاختلاف في مفهوم الإدارة الاتحادية للعراق، وقال سيادته ان على قوى تحالف ادارة الدولة ان تتفق على هذا المفهوم وان تكون هناك واجبات وصلاحيات واضحة لكل طرف، يتم ترجمتها الى قوانين و تعليمات و اتفاقات بين الحكومتين.
من خلال خبرتي في كوني عضو في الدورة الرابعة لمجلس النواب، فإنني اتفق تماما مع ما تم الإشارة اليه من قبل البارزاني، حيث أن صلاحيات الاقليم، تحولت من حالة دستورية و قانونية الى دعاية انتخابية تستهلكها القوى السياسية العراقية من أجل حصد اكبر عدد من الأصوات. بالتأكيد فإن تاجيج الشارع ضد الاقليم و تعريفة كيان انفصالي، سيولد جيلا من الساسة تقتنع بهذا الكلام و تستند عليه في تصرفاتها وأفعالها. هذا ما يزيد من المشاكل السياسية و العرقية في البلد و يفتح المجال للقوى المتربصة به لمد أذرعها وتنفيذ سياساتها التي لا تصب في خدمة شعب العراق.
في ما يتعلق بالعلاج لحالة العراق الاتحادي الذي يحتوي اقليم كردستان حاليا، فقد شدد السيد رئيس الاقليم الى ان الوقت مناسب جدا لبدء عملية الاتفاق على خريطة إدارة الدولة بشكل جدي و صحيح. ان القوى السياسية و التي تحمل اسم تحالف ادارة الدولة هي التي تتحمل المسؤولية الكاملة أمام الشعب و التاريخ في حل عقدة ادارة الدولة الاتحادية من أجل بناء عراق قوي و مستقر ، يشعر فيه كل المواطنين بالانتماء الجاد. في ذلك الصدد اشار سيادته الى الانجازات التي تحققت لهذا البلد، عندما كنا نتفق و نتعاون ( الاطالة بالنظام، بناء الدولة، محاربة داعش، الانتعاش الاقتصادي، الدبلوماسية العالمية،...) كما أشار في ذات الصدد الى ان الاقليم قد تجاوز في البعض من صلاحياته من طرف ومن طرف آخر فان بغداد قد منعت اربيل من صلاحيات أخرى. ان هذا الواقع و كما وضحه سيادته، يستوجب الجلوس لتحديد الطرف المتجاوز في كل نوع من الصلاحيات، و في النهاية يمكن التوصل الى صيغة مرضية لكل الأطراف و اعتمادا على الأسس الدستورية. و قال؛ لايجب ترك الأمر للمستقبل فقد مرت سنوات طويلة و لانريد ان نخسر وقتا إضافيا يمكن أن نستغله في البناء وخدمة المواطنين.
يمكن للمراقب ان يثني على هذا الخطاب الوطني و ان يستبشر به خيرا من خلال التجاوب الايجابي و المطلوب من القوى السياسية العراقية بشكل عام وقوى إدارة الدولة بشكل خاص، الإقليم جزء مهم من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي و لسياسي و الأمني للعراق، وكما أن بغداد عمق للإقليم فان الاقليم ايضا عمق مهم للعراق.