شهد الاسبوع الفائت احتجاجات في اكثر من بلد عربي. وجاءت موجة الاحتجاجات هذه بعدما سبقها في المغرب، واندلعت في تونس، وانتقلت في اليومين الأخيرين الى السودان. وفي تونس ابتدأت في العاصمة وامتدت الى عدد من المدن، منها القصرين وطبربه وجلمة القريبة من سيدي بوزيد.

وكان الشعار الابرز هو "لاخوف لا رعب .. الشارع ملك الشعب"،  بعد ان شهدت  البلدان المذكورة وضعاً معاشياً سيئاً، وغلاء في الاسعار، وزيادة في الضرائب، ما شكل عبئاً ثقيلاً على كاهل محدودي الدخل والفقراء والمهمشين.

عند التمعن في عودة الاحتجاجات الشعبية بين حين واخر، في هذا البد او ذاك، وإن كانت محدودة وبوتيرة اقل بكثير من حجم اوجاع الشعوب نتيجة ارتفاع الاسعار وفرض عدة اشكال من الضرائب، وارتفاع نسبة البطالة، ونقص الخدمات، نتذكر مطالب الاحتجاجات الشعبية العربية الواسعة ابان ربيع عام 2011، ونتائجها التي لم تمس جوهر طبيعة الانظمة. فتبادل ادوار الحكم بين الاسلام السياسي والعلمانيين، في  تونس ومصر على سبيل المثال، لم يوقف كفاح الشعبين من اجل حقوقهما، خاصة منها المعيشية، التي تحتل الاولوية في الصراع الاجتماعي، بين المتخمين والمهمشين في كلا البلدين، مع اختلاف خصوصيات وطبيعة كل شعب.

اما الازمة الاقتصادية الاجتماعية في العراق فهي اكثر وضوحا، حيث يئن فقراء العراق ومحدودو الدخل من تداعياتها الكارثية. كما انها لا تنفصل عن الازمة السياسية في البلاد والتي تشكل المحاصصة الطائفية ركيزتها الاساسية.

يبقى الصراع الاجتماعي الذي يشكل احد اهم اوجه الصراع في اطار النظام السياسي، يحتل الاولية في انشطة الحركة الاجتماعية في العراق. ويعود ذلك لاسباب عدة، منها سوء الاوضاع المعيشية، وارتفاع خط الفقر، وتصاعد نسبة البطالة، واستمرار الفساد، وغلاء الاسعار، ما يسبب السخط الشعبي وعدم الرضا العام، وهذا احد سمات الحركة الاجتماعية في العراق، ويشكل هويتها.

واللافت ان ذلك هو ما لم تلتفت اليه اغلب التحالفات السياسية. فالعديد من القوى لم تضع القضايا الاجتماعية، سيما تلك التي تمس المعيشة والكرامة كأولوية في برامجها، وفي تركيبة تحالفاتها.

انشغلت التحالفات بموضوعة الهوية بشكل اساس، وهناك من تبنى طرحا شكليا لتجاوز ازمته، وسمى تحالفه بالعابر للطائفية، وكأن ذلك تحصيل حاصل عندما يضم التحالف شيعياً بهويته الطائفية وسنياً بهويته الطائفية في تحالف انتخابي واحد! بينما التحالف العابر للطائفية هو التحالف الذي يناهض الطائفية السياسية،  وترتكز رؤيته على مفهوم المواطنة، ويعمل على مغادرة منهج المحاصصة الطائفية. وهكذا أطر الصراع بالهويات، ما يسهل وقوع بعض القوى المدنية في الفخ.

ان التركيز على الهوية المدنية، ونسيان المحتوى الاجتماعي للصراع، الجاري بين طغمة فاسدة، تحتل قوى الاسلام السياسي حصة الاسد فيها، و بمشاركة مجموعة فاسدة من ذوي التوجهات المدنية تحاصصت الحكم، وبين اغلبية تكتوي بنار العوز والفقر والمرض والامية، وهي الاغلبية المغلوبة على امرها التي تتكون من اتجاهات اسلامية وكذلك مدنية.

هكذا اذا، فجذر الصراع الاجتماعي هو اقتصادي، ومن أساسه تتشكل الطبقات الاجتماعية، حيث المتنعمون بالثروة والنفوذ الذين يغطون جشعهم بهويات زائفة، ويمتصون عبر المحاصصة اموال الدولة وثرواتها، فيما يتركون الطبقات والشرائح الاجتماعية محدودة الدخل والفقراء والمهمشين من الارامل والايتام وما اكثرهم، يعانون الحرمان.

ولا ريب في ان مـن لا يبصر التفاوت الاجتماعي الصارخ الذي يشهده العراق، ولا يضعه في حسابه وهو يحسم خياراته السياسية، لا يستطيع ادراك كون الصراع الاجتماعي ضرورياً، بل واساسي في إحداث التغيير..