بعد المتابعة والاستطلاع، وبعد المشاركة في الدورة التدريبية التعاونية للبنية التحتية في التواصل المتبادل مع الدول العربية في هذه الأيام، وما سمعنا أثناء الدورة من الخبراء والسفراء وأساتذة الجامعة المختصين وأثناء زيارتنا الميدانية للشركات المختصين، وما شاهدناه من عرضٍ للأنشطة والخدمات والدعم والمساعدة للدول النامية والفقيرة، والمشاركة مع الدول المتقدمة للمشاكل والتحديات، وصلنا إلى أن الحزام والطريق عبارة عن:
اولاً: رؤية واضحة للتحديث على النمط الصيني الجديد.
ثانياً: إستراتيجية عميقة الجذور للتنمية المستدامة على مستوى الصين وللدول النامية المشاركة.
ثالثاً: إستشرافٌ للمستقبل لبناء مستقبل أفضل وآمن للبشرية.
نستطيع ان نقول إن هذه ثلاثية أبعاد للحزام والطريق تبدأ بالصين وتمرّ بالعالم النامي وتنتهي بالبشرية وما ستواجهها من المشاكل والتحديات. بما أنّ هذا المشروع فكراً وتصوراً وضرورةً مركزه وهدفه الإنسان سواء أكان الإنسان صينياً أو الإنسان في الدول النامية أو حتى في الدول المتقدمة فالنجاح اذن؛ مكتوب له وقد رأى النور على ارض الواقع وتجسَّد في مشاريعه المقدمة لغيره من الشعوب والبلدان، وفي المنتديات الثلاث الماضية مؤشرات لموضوعية هذا المشروع. إن مشروع الحزام والطريق يتجاوز الأنانية حسب ما خُطِّطَ له، وله طموح لتجاوز عبودية الأرباح وكذلك له معايير جديدة للقيم الإنسانية العليا العامة التي تجتمع عليها كل الشعوب بأديانها وقومياتها وخصوصياتها ومصالحها ومنافعها دون تجاوز على أحد، فالقيم المشتركة أكثر وأهم بكثير من بعض الخصوصيات أو المنافع والأرباح للأنظمة والحكومات.
"مبادرة الحزام والطريق خطوة لمستقبل افضل للعالم"
في حفل افتتاح الدورة الثالثة لمنتدى (الحزام والطريق) للتعاون الدولي أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى أن رحلة السنوات العشر أثبت ان البناء المشترك لـ(الحزام والطريق) خطوة على الطريق الصحيح وبداية لتاريخ جديد، حيث يتوافق مع متطلبات العصر وحاجة البشرية اليوم. تحقِق هذه الرؤية آفاقاً مشرقة وبالتعاون والفوز المشترك بين الصين والأطراف تُحَقق مستقبلاً جميلاً للبشرية.
"الخطوات الرئيسية لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية"
حسب قناعة الحكومة الصينية ورئيسها إن رؤية الحزام والطريق إحياءٌ لروح طريق الحرير وفق تطورات هذا العصر لإحياء روح جديدٍ للبشرية والتي تتمثل في السلام والتعاون والانفتاح والشمول والتعلم المتبادل والمنفعة والمصالح المتبادلة، وهذه كلها من أهم مصادر القوة للبناء المشترك، فهذا لا يتماشى مع المفهوم الصيني المتمثل في تحقيق السلام العالمي فحسب ، وإنما أيضاً يتوافق مع اتجاه العصر المتمثل في ضرورة مواجهة مشاكل العصر وتحدياتها بالسلام والتنمية والتعاون والتنمية المستدامة والفوز المشترك لجميع الشعوب والدول.
مشكلات عصرنا هذا يتجسَّد في الأمن والتنمية والأمن الغذائي والبيئة والحوكمة والفقر والتخلف وكلها تحتاج إلى رؤية استراتيجية إنسانية شاملة كرؤية الحزام والطريق حسب قناعة الصين وشركائها. ومن زاوية اخرى يرى الرئيس الصيني وشركاؤه أن هذه الرؤية تجعل من البشرية مركزاً ومستهدفاً لها -كما اشرنا اليها سابقاً- من حيث الأمن السياسي والاقتصادي والتقني والخدماتي بحيث تسعى للتقليل من الفوارق الكبيرة بين الشعوب كما وتهدف إلى شراكات بدلاً من التحالفات الاقليمية والدولية، وعلى هذا الاساس ان الحزام والطريق يدعو جميع الأطراف لتبني قيم إنسانيّة مشتركة لتحقيق التعايش السلمي والتعلم المتبادل بين الشعوب والحضارات من اجل بناء حضارة إنسانية جديدة ، إذن بهذه الرؤية وهذا التحديث الصيني النمط تسعى الجميع تشاركياً لخلق التوازن بين الحضارات وروح الحضارات والطبيعة وكذلك تسعى لخلق التوازن بين المبادئ والقيم والأرباح والمنافع.
"الصين والدول النامية"
بما أن الصين تحسب نفسها من الدول النامية فقد وجب على نفسها دعم الدول النامية والفقيرة عن طريق المشاريع في كافة المجالات والقطاعات وخاصة مشاريع البنية التحتية واللوجستية وحسب حاجة تلك الدول وبضوابط ومعايير علمية ، والتاريخ شاهد على خطواتها ومبادراتها من سنة 1958 إلى عام 2024.
"الحزام والطريق خلال السنوات العشر الماضية"
خلال هذه السنوات عملت الصين مع جميع الأطراف على تطوير التواصل في بناء البنية التحتية وتحديد القواعد والمعايير على أساس تعزيز وتقوية الترابط بين الشعوب من البلدان المشاركة للرؤية في كافة المجالات ويشير الرئيس الصيني إلى بعضها ويفصلها الخبراء الصينيون، ومنها:
التواصل في البنية التحتية: ففيما يتعلق بالتواصل في البنية التحتية فقد تم بناء وتشغيل مشروعات رئيسية وعلى سبيل المثال انشاء سكك حديدية بين جاكرتا وباندوغ وميناء بيرايوس.
وفيما يتعلق بالتواصل السياسي وقَّعت الصين اكثر من مئتين وثلاثين وثيقة تعاون بشأن البناء المشترك مع أكثر من مائة وخمسين دولة وثلاثين منظمة دولية، وأقامت ثلاث دورات من منتدى الحزم والطريق للتعاون الدولي، وأنشأت أكثر من عشرين منصة تعاون في مجالات متخصصة.
وكذلك فيما يتعلق بالتواصل والترابط التجاري فقد بلغ إجمالي حجم الاستيراد والتصدير بين الصين والدول المشاركة في الحزام والطريق إلى أكثر من تسعة عشر ترليون دولار من عام 2013الى عام 2022، وفي هذا المضمار أقامت الصين خمس دورات من معرض الصين الدولي للاستيراد ووقَّعت واحداً وعشيون اتفاقية بشأن التجارة الحرّة مع ثماني وعشرين دولة ومنطقة.
وفيما يتعلق بالتمويل وهي من الحوائج الأساسية للنشاط الاقتصادي والتجاري فقد تمَّ مبادرة الصين تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار للبنية التحتية وصندوق طريق الحرير وبهذا شكّل نظاماً استثمارياً وتمويلياً مستقراً ومستداماً وطويل الأجل ويمكنه التحكم في المخاطر فالأخير ضمان مهم للمستثمر. وفي المجالات السياحية والثقافية والتعليمية والإعلامية ومراكز الفكر هناك تواصل وترابط وبهذا شّكِّلَ نمطٌ جديد ومزدهر في التواصل والعلاقات.
وأما بخصوص السيطرة على العقبات المرتبطة بالبنية التحتية والتطوير الصناعي في الدول النامية تمَّ تنفيذ مشاريع تعاون مشترك لتحسين القدرة الإنتاجية، وهذا يساعد تحسين الظروف المحلية ودخلْ المواطنين وحياتهم في الدول المعنية وكذلك يؤدي إلى خلقِ وظائف وفرص عمل وإيرادات وتحسين القدرة على تطوير الذات للمواطنين
"الحزام والطريق والعولمة والحوكمة والشعوب"
رؤية الحزام والطريق تقف أمام الاتجاهات الايدولوجية المضادة للعولمة كما تقف ضد الهيمنة وفرض الارادة على الشعوب والحكومات، وبهذا الموقف يسعى للبناء المشترك لتوسيع الطلب الكلي العالمي ومشاركة وتوسيع فرَص التنمية مع العالم، وكذلك ايجاد حلول لتحقيق النمو العالمي بشكل مشترك وبمنافسة تكاملية بدلاً من ممارسة الصراع الصفري، كما وتسعى لتشكيل نمط التنمية العالمي المتجسّد في التوازن والتنسيق والشمول والتعاون والفوز والنجاح والازدهار، وهذا يعني ان الصين وبهذه الرؤية قد تطور دورها ووجودها وحضورها إلى مواقع القيادة والريادة العالمية.
كما ان الحزام والطريق يقدم حلولاً لتحسين الحوكمة العالمية عن طريق جمع القواسم المشتركة الكبرى للتنمية المشتركة للبشرية ففي هذا السياق تلتزم الصين بالحوار بدلاً من المواجهة وهدم الجُدران والحواجب بدلاً من بناء جُدُر وحواجبَ جديدة، وتعمل للاندماج بدلاً من الانفصال والشمول لاستيعاب الجميع بدلاً من الاستبعاد، وفي هذا الشأن ايضاً تؤكد الصين حسب هذه الرؤية ادراج المزيد من اهتمامات ومطالب الدول النامية في جدول أعمال الحوكمة العالمية وفق قواعد ومعايير جديدة للتعامل مع المشكلات والتحديات التي تمرُّ بها العالم والدول النامية والتي ستواجهها في المستقبل.
"الحزام والطريق والبناء المشترك العالي الجودة"
من اجل الجودة العالية المشتركة للجميع ستدعم الصين ثمانية جوانب بما في ذلك:
شبكة الترابط الشاملة ودعم الاقتصاد العالمي المفتوح وإجراء التعاون العالمي وتعزيز التنمية الخضراء وابتكار التقنيات والتبادلات بين الشعوب والحوكمة النزيهة وتحسين آلية التعاون الدولي.
"الحزام والطريق وآلية تشاركية للتصدير إلى الصين"
الصين تُقِرّ وتحسبُ نفسها من الدول النامية مع أنها هي أكبر مصنع للعالم وهي اكبر سوق لاستيراد لجميع الدول اذاً فهي الأولى للتصدير عالمياً، ولكن ومع ذلك وحسب رؤية الحزام والطريق سوف تفتح للدول المشاركة ( قناة خضراء) للتصدير إلى الصين عبر المنصات التجارية مثل معرض الصيني الدولي للاستيراد والتجارة الإلكترونية، فهذا يعني ان الصين لا تريد ان تحتكر السوق الصيني بل يفتح اسواقها لجميع الدول والشركات لعرض منتجاتها.
"حذاقة الصين في التعامل مع منظمة التجارة العالمية وشركات متعددة القوميات
بعد حادثة 11 سبتمبر عام 2001 أتاحت الفرصة للصين للدخول إلى منظمة التجارة العالمية كعضو فاعل ، وحصلت بذلك التلاحق بين الشركات والأسواق الصينية مع الأسواق العالمية وخاصة أسواق الدول الغربية، فبدأت الصين بالتحرك والنشاط على الأسواق تدريجياً وفق معايير وضوابط تحمي الأطراف.
وأما بخصوص كيفية تعامل الصين مع الشركات المتعدية القوميات أو الجنسيات ، فقد تعامل بحذر وذكاء ووفق معايير خاصة بعد الدراسة الواقعية للسوق الصيني المستقبلي، فقامت الصين بوضع استراتيجية خاصة لكيفية التعامل مع هذه الشركات للحماية الذاتية والتعاون المشترك والمصالح المشتركة وحماية التوازن وعدم حصول الخلل في العمل والأيدي العاملة الصينية وأخيراً تواجد هذه الشركات أدت إلى إغناء الصينيين سوقاً وخبرةً في كافة المجالات.
"العراق ومبادرة الحزام والطريق"
فعلى لسان وكيل وزارة الخارجية العراقية حيث يقول؛هذه المبادرة تهدف إلى تفعيل دور العراق. فالعلاقات العراقية الصينية تجاوزت 56 خمسة وستين عاماً، والعراق تجدد علاقاتها الاقتصادية بالانضمام لمبادرة الحزام والطريق عام 2015 من خلال انشاء خط سككي وخط بريٍّ سريع ومحطات اقتصادية متكاملة بطول 1200 كم وبكلفةٍ مالية تصل إلى 17مليار دولار لربط ميناء الفاو الكبير في البصرة بالحدود التركية وتقدّر وارداتها السنوية ب 4 مليار دولار سنوياً، ولدى الحكومة العراقية رؤية بأن تنقل قطارات عالية السرعة البضائع والمسافرين بسرعة تصل إلى 300كم في الساعة بالإضافة إلى مد خطوط إلى مراكز الصناعة المحلية والطاقة، فعلى هذا الاساس يطمح العراق إلى مزيد من التعاون والتواصل والترابط مع الصين والدول المشاركة .وأخيراً نشكر مركز AIHOالتابعة لوزارة التجارة الصينية لإشراكنا في الدورة التدريبية للتواصل والبنية التحتية.
محمَّد رؤوف محمَّد وزير تجارة أسبق في حكومة اقليم كوردستان العراق مشارك ومتدرب في الدورة التعاونية للبنية التحتية في 4/7/2024-18/7/2024