لما قرر المصريون بعد 1952م إتمام الجلاء البريطاني عن مصر حاولت بريطانية إثارة العداء بين شعبي السودان ومصر قائلة " كيف يطلب المصريون جلاء الاستعمار البريطاني وهم مستعمرين للسودان " ففوت عليهم فرصة الوقيعة جمال عبدالناصر بأن مكن السودان من ممارسة الحكم الذاتي عام 1953م تمهيدا لإجراء السودان حق تقرير المصير بحرية تامة وتحت إشراف دولي بعد ثلاث سنوات بأن يختار الاستقلال التام، أو البقاء مع مصر ، وعلى اثر ذلك اختار السودان الاستقلال بحرية تامة وبكل سهولة ويسر ،وعاش الشعبان المصري والسوداني جارين طيبين متعاونين متحالفين ، هذه تجربة عقلية قديمة مرّ عليها أكثر من 60 سنة، فهل تستطيع حكومة بغداد أن تتقمص هذه العقلية مع شعب كوردستان المتمتع بالحكم الذاتي منذ 26 عاما .
فقد زار وفدا من إقليم كوردستان بغداد مؤخرا لبحث إجراء الاستفتاء المزمع إجراؤه في 25 من سبتمبر المقبل ، إيمانا منهم بأن الحقوق تنال بالطرق السلمية الحضارية وروح التعاون والحوار والرغبة الصادقة لحل كافة القضايا العالقة بين حكومتي الإقليم و الحكومة الاتحادية والثقة في أمكانية نجاح الجار الجاد والصريح في الوصول إلى نتائج ايجابية على نحو يضمن تحقيق المصالح المشتركة وتمتين العلاقة الأخوية بين الجانبين ، حيث ابلغ الوفود الكوردي رئيس الوزراء حيدر العبادي بان الشعب الكوردستاني وصل إلى القناعة بإجراء الاستفتاء من أجل تحقيق الاستقلال لأنه غير مطمئن على مستقبلية في العراق ، ولا يزال لديه قلق ومخاوف من اندلاع الحروب مجدداً ، وهو يعلم علم اليقين إن الإقليم أصبح يتمتع بالاستقلال الاقتصادي والسياسي إضافة إلى البيشمركة التي أبلت بلاً حسنا في حربها ضد داعش وان حكومة الإقليم بدأت تتخطى الأزمة التي عصفت بها وما عمله رئيس وزراء الإقليم نيجيرفان بارزاني من عقد الاتفاقيات مع الشركات العمالقة كروز نيفت الروسية كان أخرها عقداً جديداً ممثلة بوزارة الثروة الطبيعية في إقليم كوردستان مع شركتين نفطيتين هما دي . إن . أو . النرويجية . وشركة جينل انرجي التركية على زيادة حصتها من أجمالي الإيرادات مقابل تسوية الديون المترتبة على إقليم كوردستان .
إن ما تحقق في كوردستان انجازات في مجال الأمن والأمان و التطور العمراني والاستثمارات الكبيرة التي تزداد يوما بعد يوم في الإقليم وما صمود الإقليم حكومة وشعبا إمام الحصار الذي استخدامه المالكي والحروب القذرة التي شنها داعش و الأزمة التي مرت على حكومة الإقليم وهلم جره ، كانت النتيجة تعاطف و زيادة الدعم الدولي لكوردستان والعلاقات الدبلوماسية القوية التي بنتها القيادة الكوردية مع دول العالم وخاصة الإقليمية منها ، كل هذا الصمود والسياسية الناجحة لقيادة الإقليم ، يؤكدون إيمانهم بالاستقلال والخلاص من دولة لا تمت بأي صلة بمفهوم المواطنة والتعايش السلمي والحقوق والحريات .
لا جل ذلك وبعد فشل كل محاولات الإقليم وقيادته من ترتيب الأوضاع مع بغداد ، سيذهب إلى تنفيذ إرادة شعبه في الاستفتاء بأسلوب حضاري يعتمد على التفاوض والحوار مع بغداد وهذا ما دعت إلية قيادة الإقليم بغداد والأمم المتحدة وكل العواصم الأوربية ودول الجوار والولايات المتحدة وبقية الحلفاء والأصدقاء.