يقول الرئيس الليبي الراحل «معمّر القذّافي»: «مَن تحزّب خان». هي عبارة قاسية تنخر في جسم الحركة الكوردية في غربي كوردستان المحتلّ من قبل سوريا، ذكرتها هنا، ليس نداءً للعودة إلى قراءة الكتاب الأخضر للقذافي؛ وإنما هي محاولة للفت النظر إلى واقع سياسي راهن، بلغ ذروة الرداءة والخطورة والتشرذم الجحيمي، والحلّ غائب ومسجون في جيوب القادة المتحزّبين، أولئك الذين يرفضون التنازل عن العروش ومنح القروش، وإلا لفرغت الكروش.

يبدو أن مسلسل الاستغلال والفساد الذي يُدار تأليفه وتصويره وإخراجه – خلف كواليس طاولات التجارة – لبعض المتنفّذين والمستفيدين من الأحزاب الكوردية بات يتفاقم بشكل كارثي ويزداد تأثيراً سلبياً على حياة اللاجئين، الكورد بشكل خاص والسوريين عامة في إقليم كوردستان «أيّ المصطلحين أصحّ كوردياً: اللاجئون أم النازحون؟»، هذا الفساد والاستغلال المتفّشي لا يريد الانفكاك عنهم، والنقطة المأساوية أنه لا حلول ناجعة في الأفق.

إن استغلال آلام وحاجات اللاجئين الإنسانية باتت ظاهرة مرعبة تقلق وتهدّد حياة الكثيرين منهم، فكل حزب سياسي «الأحزاب المعنية هي أحزاب كوردية سورية» موجود في إقليم كوردستان قام بتعيين مسؤول مباشر من أعضاء لجانه الفرعية أو المنطقية أو المركزية عن الزيارات والإجازات، وغالبية هؤلاء المسؤولين مرتبطين – سرّاً أو خلف الكواليس – بشبكة من التجّار والمهرّبين والمستفيدين، والذين بدورهم لهم أزلامهم وسماسرتهم، بين المخيّمات والمدن والمحافظات، حيث يقبضون من كل زائر ينوي السفر أو الرحيل مبلغ مالي عشوائي، يقدّر بين (100 – 200) دولار أمريكي، دون أيّ رادع أخلاقي أو نضالي أو قومي، متناسيين بشكل مطلق أنهم لا يختلفون عن تجّار الحروب والتنظيمات الإسلامية والعسكرية المتطرّفة التي دمّرت المدن الكوردية وهجّرت ساكنيها.

 

ففي الوقت الذي تنفّسوا فيه الصعداء بعد أن تخلّصوا من حروب تنظيم داعش على غربي وجنوبي كوردستان وعموم سوريا والعراق، وقعوا ضحية الإهمال من قبل الأحزاب الكوردية العاملة في إقليم كوردستان، والتي من المفترض أن تحمل همّهم على الأرض لا على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض صحفها الورقية، خاصة وأن لكل حزب خفافيشه ونسانيسه.

 

الناس – اللاجئون هنا في إقليم كوردستان يعانون حسرة مؤلمة وحيرة كبيرة، فالذي لا يملك «الوساطة الحزبية» يضيع في خبر كان، أو لنقل يبقى حرفاً لا محل له من المعادلة الحزبية – السرطانية، فقضية زيارات اللاجئين وإجازاتهم إلى مناطقهم في غربي كوردستان قضية إنسانية وحسّاسة ولا يجب الاستهانة بها، وغالبية الأحزاب الكوردية يتلاعبون بها، دون أدني احترام لأسس ومبادئ النضال والإنسانية، هي قضية لا تقلّ أهمية عن القضايا السياسية والقومية الكوردية، والتي تتركّز حول ثلاثة محاور أساسية:

 

المحور الأول: استغلال حاجات اللاجئين مقابل مبلغ مالي:

فالمهرّبون وبعض المتنفّذين والمستفيدين من الأحزاب الكوردية الفاعلة ضمن المجلس الوطني الكوردي وخارجه، ممَن يرتقون تحت صفة عضو لجنة فرعية – منطقية – مركزية يستغلّون حاجة الناس إلى الخروج من إقليم كوردستان في زيارات إنسانية، أو إجازات رسمية بقرار من الحكومة، فإما أن ينتظر اللاجئ موعده المنسي، أو يتذوّق الذل والإهانة، أو أن يدفع مبلغ من المال لسماسرة الأحزاب وأزلامها، ويتراوح بين (100 – 200) دولار مقابل الحصول على إجازة أو زيارة.

 

تقول المدرّسة «ر . ب»، وهي من أهالي مدينة كوباني، والتي زارت مع عائلتها شقيقها المقيم في إقليم كوردستان، طارحة حلولاً بسيطة: «المطلوب أولاً إلغاء مسألة الدُّور – الترتيب؛ هذه حدود فتحت رسمياً بين دولتين، ولو أنها تخالف القوانين الدولية، وطالما أن الزيارات مسموحة، فيجب عدم تواجد تلك المسألة التي تحوّلت إلى إشكاليات معقّدة، تماماً مثل بوّابة إبراهيم الخليل بين إقليم كوردستان وتركيا، وعلى الأحزاب ألا تتدخّل؛ لأن المحاصصة أنتجت محسوبيات ورشاوي ووساطات، وانتشار ظاهرة السماسرة والشبّيحة الحزبية، وبالتالي تفشّي الاستغلال والفساد بصورة رهيبة».

 

توضّح: «يجب أن يكون لأهالي كوباني أوراقهم في شبّاك خاصّ بهم، ولأهالي قامشلي أيضاً شبّاكهم الخاصّ؛ بسبب فرق المسافة والبعد بين المدينتين، أيّ هناك فرق بين أن تصل بساعتين أو تصل بثماني ساعات. وتوجد نقطة مهمّة جدّاً أود طرحها، وهي أن هناك قرار جديد يتم تطبيقه داخل حدود الإقليم، حيث على الزائر أن يستأجر – مجبراً – سيّارة خاصّة "TAXI"، ولا أعلم إن كانت تابعة لأحزاب سياسية من روجآفا أو لمديرية المعابر، أو أنت مضطرّ أن تدفع على كل فرد من أفراد عائلتك مبلغ وقدره (10) دولار كغرامة. فعندما ذهبنا، كان أخي قد أحضر معه سيارة أجرة، وكنا ستة أشخاص، ولم نذهب بسيارات الأحزاب، فأجبرنا أن ندفع (60) دولار عنوة».

 

بدوره يقول «ع . س . ر»، وهو لاجئ يعيش في إقليم كوردستان، رفض الكشف عن اسمه، معلّلاً في أن أصحاب التقارير الكيدية الكاذبة لا يحترمون حرية الآراء ولا الديمقراطية: «لا أعرف مَن المسؤول عن استغلال حاجات اللاجئين من الإجازات والزيارات وغيرها، لكن الجميع هنا يعلم أن قطع تذكرة الزيارة تلزم وساطة حزبية لكي تحصل على موافقة سهلة وسريعة. فأهالي منطقة الجزيرة لديهم وساطة حزبية أكثر فاعلية من أهالي كوباني وعفرين، أما إذا كنت لا تملك أيّ وساطة، فستنتظر ثلاثة شهور على الأقل، أو ربّما أكثر».

 

ويرى أن الحل الأنسب لمسألة الزيارات والإجازات، وتفادياً لألا تُهان كرامات الناس هو بيد السيد «شوكت بربوهاري»، مدير معبر سيمالكا الحدودي، أو حزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة السيد مسعود بارزاني، وأنه بإمكانهم سماع آراء الناس عن ظاهرة «خال وخارزي، أو الوساطات الحزبية»، مضيفاً: «للأسف عندما نتكلم عن هذه الظاهرة فإن أعضائهم يخرجون في وجهنا، ويقومون بتكذيب الخبر، لتصل الأمور في بعض الأحيان إلى اتهامات وتخوينات وكتابة تقارير كاذبة، وإرسالها إلى جهات حكومية».

 

المحور الثاني: توزيع الحصص بين الأحزاب:

هم يقولون أن المجلس الوطني الكوردي هو الجهة الشرعية التي تمثّل الكورد في سوريا، فيما قضية إجازات وزيارات دخول وخروج الناس من غربي كوردستان إلى إقليم كوردستان (والعكس) هي بيد بعض المتنفّذين والمستفيدين والمدعومين من حزب أو حزبين، الذي أو اللذان يديران هذا المجلس خلف الكواليس، والذي – رغم هشاشة مواقفه وغياب مشروعه السياسي – إلا أنه لا زال يمثّل نصف أو ربّما غالبية الشعب الكوردي؛ لمواقفه القومية الثابتة ومناضليه الشرفاء وعدم لطخ يديه في هدر الدماء وتغيير ديموغرافية المناطق الكوردية وتشريد أهلها.

 

وحيال هذه الشرعية أو القضية الإنسانية هناك أسئلة تطرح نفسها، والتي تحتاج إلى إجابات موضوعية وواقعية وصادقة، ممَن يحملون الهمّ الكوردي وآلام الناس اليومية الراكدة في المستنقعات الحزبية:

  • أين هي شرعية المجلس الوطني الكوردي؟
  • أين دور ومسؤولية مكاتبه الاجتماعية والإنسانية...، من قضية الإجازات والزيارات؟
  • لم المجلس الكوردي يستلم هذا الملفّ فقط إعلامياً، وفعلياً الملفّ بيد الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا؟
  • لم قادته يتماطلون – تحت حجج واهية وغير منطقية وحتى غير أخلاقية – في عقد مؤتمره، والوقوف على قضاياه الكثيرة والمعقّدة؟

 

«رائد أحمد»، لاجئ مقيم في مدينة السليمانية، يؤكّد بكل جرأة وشجاعة أن موضوع الزيارات من إقليم كوردستان لغربي كوردستان يتم عن طريق وساطات حزبية، وأن اللاجئ الذي يريد تسجيل اسمه في الزيارة يحتاج عندئذ إلى وساطة، أو الانتظار لشهور حتى تتم له الموافقة، أو ربما طلبه يُهمل ويُنسى نهائياً.

 

يسرد رائد قصّة والده، مشيراً إلى قضيتي الاستغلال والإهمال: «سجّلت اسم أبي؛ ليزور جدّي المريض في كوباني، والذي كان على فراش الموت، وأخبرنا السيد أحمد عباس المعروف باسم (أبو آزاد) وهو المسؤول عن الزيارات بمخيّم (باريكا) بمحافظة السليمانية عن الوضع والظرف، وحتى أنني زوّدته بتقارير جدّي الطبّية، ليجيبنا بأنه سيتصل بنا خلال أيام، ولاحقاً سنتوصّل إلى حقيقة كذبه ونفاقه، فتركناه، وذهبنا لمكان آخر. عملنا وساطة في حزب آخر، ليصل أبي إلى كوباني قبل وفاة جدّي بعشرة أيام، وبعد انقضاء خمسة أشهر من العزاء يتصل أبو آزاد بأبي قائلاً (ما تروح تزور أبوك المريض). يا للمصيبة!».

 

المحور الثالث: أين حكومة إقليم كوردستان من هذا الفساد والاستغلال؟

الناس، ولأنها موجوعة وخائفة فهي تلوم – سرّاً – حكومة إقليم كوردستان بالتقصير وحتى التواطؤ، وتطالب بضرورة أن يستلم ملفّ الزيارات منظمات مدنية اجتماعية، أو هيئة رسمية تابعة لإحدى وزارات إقليم كوردستان، وأن يكون الموعد «الدُّور – الترتيب» حسب تاريخ التسجيل، مع مراعاة الحالات الإنسانية والطارئة التي يكون لها الأولوية.

 

حيث يقول «عزيز سعدون»، وهو لاجئ سابق في إقليم كوردستان: «العيب من جَمَاعتنا، فحكومة إقليم كوردستان فتحت الأبواب أمام مكاتب ومراكز الأحزاب الكوردية، ومنحتهم السلطة والنفوذ؛ لخدمة أهلهم وحلّ مشاكلهم، ولكن جماعتنا يستغلون مناصبهم للفائدة الشخصية أو العائلية أو الحزبية وليس لخدمة الناس. فالمسؤولية تقع أولاً على عاتق حكومة الإقليم، ولكن العيب الكبير يقع على عاتق مَن هم منّا».

 

«أعتقد أن الحلّ الأنسب هو القيام بزيارات مؤلّفة من شخصيات ناطقة وفاعلة من المتضرّرين إلى رئيس إقليم كوردستان السيد نيجيرفان بارزاني، أو رئيس حكومته السيد مسرور بارزاني، أو إلى الزعيم مسعود بارزاني، وتوضيح الأمور لهم وشرح معاناة أهلنا، فالصورة لا تصل كاملة لهم، وأصلاً مَن يجتمعون معهم هم نفسهم من الأحزاب، وبالتالي لا يتحدّث أحد عن المشاكل التي تواجه الناس معهم».

 

ويبقى السؤال الذي يشغل الضمائر الحيّة والمتضرّرين، كيف السبيل لوقف استغلال اللاجئين مالياً وحزبياً مقابل تأمين الزيارات والإجازات لهم؟ أين حقّ اللاجئ الفقير الذي لا علاقة له بالسياسة ولا بالأحزاب؟ ما الحلّ المناسب لوضع حدّ حقيقي لمسألة المحاصصة والمحسوبيات والوساطات؟ أين هي حكومة إقليم كوردستان من هذا الفساد والاستغلال الذي يُمارس ضد اللاجئين والمتفشّي على أرضها؟ ولماذا لا تتدخّل؟ والأهم أين دور المثقّف من هذه الظاهرة التي تكبر يوماً بعد يوم دون أن يكون له رادع فعلي ما؟

 

أخيراً، وكي يعلم الجميع، هو أن الناس محتارة وخائفة من أن تصرخ في وجه مستغليها وجلّاديها، وتحتجّ على الأخطاء الفاضحة، وتتظاهر سلمياً ضد المقصّرين والمسؤولين المعنيين، تحسّباً من الاتهامات الجاهزة، ومآلات ظاهرة خطيرة تُعرف اليوم بظاهرة «الشبّيحة الحزبية»، حيث روى بعض الناس على أن هناك قياديين كورد رواتبهم لا تتعدّى الخمسمائة دولار، ويقومون بشراء أراضي ويبنون عليها بيوتاً تكلفتها تتجاوز الأربعين ألف دولار، متسائلين عن مصدر هذه الأموال.