نجحنا حتى الان في تفويت الفرصة على رموز وقوى الفساد وإعلامه في محاولاتهم جرنا الى ساحة معركة اخرى، غير ساحة صراعنا الاساسية مع منظومة الفساد، التي تمكنّا من فضحها ومحاصرتها، وركزنا على وجوب فتح ملفات الفساد. هذه الساحة التي شهدت هزيمتهم الاخلاقية، وبينت زيف ادعاءاتهم، وتم فيها سحب البساط من تحت كل خطاباتهم الكاذبة عن نصرة المظلوم واقامة العدل والحكم بالانصاف. وتكشفت للقاصي والداني جرائم نهبهم المال العام عبر صفقات الفساد والمشاريع الوهمية، ومن خلال الرواتب والامتيازات الفلكية، اضافة الى تبديدهم ثروات الوطن، واستحواذهم على الممتلكات العامة، ووضع أياديهم على قصور الطاغية واطيانه.
لقد بانت هزيمتهم الفكرية والسياسية والاخلاقية حين لم تبق لهم حجة مقنعة، وتراجعت مقبوليتهم، وهبط نفوذهم، وتقلص رصيدهم، ولجؤوا الى الدسيسة والمراوغة والمحاولات البائسة للظهور كمدافعين عن القيم والاخلاق والدين، واضعين انفسهم حراسا للمقدس.
وقد كررنا مرارا اننا نحترم المتدينين وعقائد الناس وشعائرهم، وان المعركة التي نخوضها واضحة، عنوانها مجابهة الفاسدين والتصدي للفساد والتخلص من الطائفية السياسية، وتثبيت حقنا كمواطنين في الامن والخدمات، وفي الحريات والحقوق وضمانات المعيشة والعمل والسكن والطبابة والتعليم. كما كررنا ان هدف احتجاجنا لم ولن يكون الدين والمتدينين، وانما هو موجه ضد من يستخدمون الدين غطاء لسرقة المال العام، وستارا للاستئثار بالسلطة.
لطالما حاول الفاسدون جرنا الى ساحة الجدل حول الدين، لا حبا بالدين ذاته، فمن يسرق (بيت المال) لن تجد في قلبه ايمانا بدين ولا هم يحزنون. وقد نجحنا في تجنب محاولاتهم الفاشلة، وتمسكنا بحقيقة ان صراعنا معهم لا يتعلق بقضايا الآخرة ويوم الحساب، وانما يدور حول موارد بلدنا واستهتارهم بسيادته وفتحهم ابوابه مشرعة لاطماع الدول الاقليمية والقوى الدولية ولتعبث به كما تشاء.
اننا ندرك ان الفاسدين لم يستسلموا او يقرّوا بهزيمتهم، وانهم يواصلون تشبثهم بالسلطة، ويستمرون من خلالها في اشاعة الفساد، ويضاعفون مكتنزاتهم من السحت الحرام، الى جانب ما يتوفرون عليه من حصانات تحميهم من الملاحقات القانونية على جرائمهم الشنيعة، ومنها جرائم الفساد التي زكمت الأنوف ولا يمكن ان تبقى مسكوتا عنها.
ونحن ندرك ان سعارهم سيتصاعد عبر حملات التشويه والتسقيط والتهديد والخطف والاغتيال، الى جانب استغلال بعض المنابر من قبل "وعاظ السلاطين"، وتكرار المعزوفة المشروخة باتهام القوى المدنية وشخصياتها بالعمالة تارة وبالالحاد تارة اخرى، واستغلال فتاوى التكفير، متغافلين عن حقيقة ان الفكر التكفيري هو الظلام بحد ذاته، هو فكر العاجز، كما انه ارهاب فكري، والارهاب هو الارهاب.
اننا ندرك ان الايام المقبلة ستشهد مواجهة غير عادية بين المدافعين عن اموال الشعب وممتلكاته، وبين النهّابين من كل الاصناف، ونحن على ثقة من ان جبهة الفساد في انحسار، وانها جبهة الخزي والعار ولم تشرف يوما ولا تشرف من يكون في صفوفها.