سأل الابن أباه: كم سننتظر حتى تُصرف الرواتب؟
أجابه الأب: حتى بداية الشهر يا بني.
فسأله الابن من جديد: إذن مع بداية الشهر تنتهي المشكلة؟
ابتسم الأب بمرارة وقال: لا يا بني، لا… الرواتب لا تُصرف، لكننا سنتعلم كيف نعيش بلا راتب.
هذا الحوار البسيط بين أب وابنه من إقليم كوردستان يختصر أزمة ممتدة منذ سنوات، حيث تحولت الرواتب إلى حلم مؤجل وحق منقوص، وكأن المواطن يطلب منّة لا استحقاقاً.
المفاوضات المطوّلة بين المركز والإقليم تشعل الجدل الإعلامي في كل مرة، لكنها لم تدفئ البيوت ولا تنعش الحياة اليومية. والحقيقة الواحدة الآن، أن أزمة الرواتب أكبر من قدرة الحكومتين على معالجتها، حيث تغيب الإرادة السياسية الجادة التي تمزج بين الحلول الاقتصادية والسياسية والأمنية والاحترام المتبادل.
في بلد تُعقد فيه اجتماعات يومية بلا نتائج، وتتناوب فيه الأطراف الأخرى على التدخل، يصبح انتظار العدالة ضرباً من الوهم. فالعدالة ليست مجرد نصوص جامدة، بل روح تبعث الحياة في القانون وتمنحه معناه.
من الطبيعي أن يُطلب من الإقليم الالتزام بواجباته وأن يلمس المواطن التغيير الإيجابي في حياته، لكن بالمقابل ما يجري اليوم هو سياسة "العقوبة الجماعية". وصحيح أن ظاهر سياسات بغداد ليست كتلك العدائية التي كانت في السنوات السابقة، لكن ليس هناك اختلاف في نتائجها. هذه السياسات لن تسرّع سوى من انهيار نظام التعايش السلمي المشترك.
على الضفة الأخرى، ما زالت التقارير الدولية تضع العراق ضمن الدول الأكثر فساداً، حيث أُهدرت مئات المليارات خلال العقود الماضية. ومع ذلك، لم يُحرم موظفو الوسط والجنوب من رواتبهم يوماً، فيما يُترك موظفو كوردستان، وهم أكثر من مليون إنسان، لمصير غامض، في حين تخشى الحكومة الاتحادية مجرد المساس برواتب عشرة ملايين مستفيد تابعين لها.
قرارات بغداد لم تعد محض قرارات مالية، بل تعكس قناعة أعمق بأن هذا الإقليم لا يستحق البقاء. وتأخير الرواتب لا يختلف عن قطعها، فالنتيجة واحدة، إنهاك المجتمع وضرب استقراره.
وإن لم يتضح بعد حجم الأضرار الكاملة التي خلفتها الأزمة المالية، إلا أن ما هو جلي أن كوردستان هو المكان الوحيد الذي يعاني من هذه السياسات، وأن المواطن البسيط فيه يبقى المتضرر الأكبر، يدفع ثمن الصراعات السياسية والقرارات العقابية.