لم يقتصر احتفال الأول من أيار هذا العام على التظاهرة التي دأب الحزب الشيوعي العراقي على تنظيمها بالتنسيق مع النقابات العمالية وبالتعاون معها. وكان الاسهام الشعبي في التظاهرة لافتا كثيرا هذه المرة، حيث فاقت اعداد المشاركين مثيلتها في العام المنصرم. ويبدو ان السر وراء سعة المشاركة، هو مطلب العدالة في توزيع الأجور التي تشهد تفاوتا كبيرا بين حديها الأعلى والأدنى.
وتزامن مع التظاهرة الحاشدة التي انطلقت من ساحة الفردوس وسارت في شارع السعدون واستقرت في ساحة التحرير، قبل ان تتفرق غداة كلمة منظمي التظاهرة، تزامنت معها تظاهرة نظمها منتسبو مؤسسات الدولة ورفعت مطلب عدالة الأجور. وكانت هذه التظاهرة كبيرة، بل وبالغة السعة وملفتة في حماسة المشاركين فيها، ورائعة في تنظيمها، حتى ان ساحة التحرير ضاقت أمامها، وغصت بها حديقة الامة. كما شمل الحراك العمالي في عيد ايار وما رافقه من حراك شعبي طالب بالعدالة في الأجور، اغلب محافظات العراق.
ويبدو ان السر وراء هذا الحراك المطلبي الأول من نوعه، هو طغيان اللاعدالة في رواتب منتسبي الدولة، حيث تشهد الرواتب تفاوتا كبيرا بين الحد الأعلى والحد الأدنى، سواء بين الدرجة الاولى التي هي في اعلى سلم الرواتب وبين الدرجة العاشرة في اسفل السلم هذا من ناحية، او التفاوت الحاد بين رواتب الموظفين في الوزارات، خاصة الخدمية منها كالتربية والصحة والبلديات، رغم انهم يحملون الشهادة الدراسية ذاتها التي يحملها أقرانهم في الوزارات السيادية، كالنفط والخارجية وكذلك موظفي الرئاسات الثلاث.
اما اذا جرت المقارنة مع رواتب أعضاء مجلس النواب والوزراء والرئاسات الثلاثة، فان صراخ اللاعدالة يصل الى عنان السماء من شدة التفاوت، الذي لا يقبله أي نظام وضع العدالة والمساواة في فقرات دستوره.
ولسنا نحتاج تنظيرا طويلا كي نستنتج ان الفجوة الطبقية أصبحت هائلة ولا يقبلها صاحب ضمير، بل وتتنافى مع كل القيم الإنسانية، زاد من بشاعتها طغيان حديثي النعمة من الذين شكلوا طغمة الحكم، وكذلك رثاثة الفاسدين الذين لا يعني لهم اعلى راتب في الدولة شيئا، حيث بلغ ثراء البعض حدودا تخرج عن المعقول، وشكلوا اولغارشية تافهة، أقلية مترفة ومتنعمة وحدها بمال وفير خارج عن التصور. وقد وصل الاستهتار بهم حد تقديم احدث السيارات وارقى موديلاتها واغلاها الى بائعات الهوى في مواخيرهم الخاصة. فيما تعيش عوائل لا حصر لأعدادها على مكبات النفايات، وتسكن في العشوائيات البائسة.
ولقد سمعنا كثيرا عن لجنة الامر الديواني 24، القاضي بإعداد سلم رواتب موحد، لكن مصير هذه اللجنة لا يختلف عن مصير أية لجنة تتشكل بهدف التسويف، كسياق ابتكره الفكر السلطوي الذي يجيد الالتفاف على كل مطلب عادل يتصاعد صوت المنادين به ويشتد حراكهم.
لكن موضوع احقاق العدالة في سلم الرواتب، بعد ان رفعته هذه الجموع المتطلعة الى العدل والانصاف، هو مطلب آنيّ وملح ولا يمكن تسويفه، والا فسيكون احد العناوين الأهم للحركة الاحتجاجية الجماهيرية.