بدر اسماعیل شیروكي/ بعد الكثير من النقاش وعدد من الشكاوى معظمها من اطراف كوردية وبالضد من الكورد، أصدرت المحكمة الاتحادية العراقية أخيراً بتاريخ 21/2/2024 عدة قرارات غير قابلة للاستئناف في عدد من القضايا المتعلقة بإقليم كوردستان.
ان قرارات المحكمة الاتحادية وعلى الرغم من أنها في البداية تتحدث بالتشديد على النظام الاتحادي والاشارة الى اقليم كوردستان ككيان دستوري في إطار النظام الاتحادي للدولة العراقية، وتثمن قوانين اقليم كوردستان، وتحترم مكانة وكرامة الشعب الكوردي، وتذكّر الحكومة الاتحادية بالواجبات التي على عاتقها بشأن تأمين الجانب المالي للمحافظات والاقاليم، ولكنها (المحكمة الاتحادية) وفي مضمون القرار تضرب على وترين.
صحيح انها تلزم الحكومة الاتحادية من الجانب المالي ان تؤمن رواتب الاقليم، و لكنها في جانب آخر تقنن أصل الخلافات والمشكلات بين الحكومة الاتحادية في بغداد مع اقليم كوردستان، من خلال قرار قانوني تفرضه على كوردستان؛ ومثلما هو واضح فان قرار المحكمة يستهدف عدداً من المفاصل الرئيسة لكيان الإقليم.
الهدف الاول: جعل الإقليم تحت المساءلة وتشكك في الأرقام ونسبة السكان القاطنين في الإطار الجغرافي لحكومة اقليم كوردستان، وذلك عن طريق تقليص عدد مقاعد برلمان كوردستان، واهمال ونقض القرارات والقوانين التي أقرها البرلمان الكوردستاني العام 1992.
الهدف الثاني: ان قرار المحكمة الاتحادية، استهدف اتحاد ووحدة المكونات الاجتماعية والمناطقية والسياسية الكوردستانية، وفي الأساس فان من اسباب الاحتجاجات والشكاوى التي قدمتها بعض الجهات السياسية والمنظمات المهنية، هو عدم وجود رواتب، وواضح ان جميع أسباب عدم وجود الرواتب تتلخص في منع وعداء وتوسع الدولة المركزية، لذلك فمن هذا المنظور، يدعم قرار المحكمة الاتحادية ويساند آراء وتوجهات الحكومة المركزية وصراعاتها التي بنت استراتيجيتها على أساس تفتيت وتشتيت الصفوف ووحدة الشعب الكوردي.
الهدف الثالث: استهدفت المحكمة بشكل علني مبادئ الحرية وعملية التعايش الديني والعرقي في كوردستان كافة القائمة في هذه المنطقة منذ ثلاثة عقود وتعد إحدى النقاط المضيئة للتحول التاريخي بعد سقوط حزب البعث. وتنعكس التعددية العرقية والدينية في كوردستان في برلمان كوردستان، حيث يكون لجميع الأقليات والسكان غير الكورد ممثلين خاصين بهم في برلمان هذا الإقليم ويمثلون حقوق ومصالح شعبهم أو لغتهم أو قوميتهم أو دينهم.
والسؤال الأساسي هو ما إذا كان قرار المحكمة الاتحادية بحرمان القوميات والأديان من الحق في تمثيل موقفها ووجودها لأي سبب من الأسباب يشكل في المقام الأول تهديدا للمبادئ والحريات الأساسية لسكان أرض تضم جميع الأجناس، وناضلوا من أجلها لأكثر من قرن من الزمان.
وفي الواقع فإن وجود ثلاثة تقاطعات طائفية ودينية وعرقية كبيرة في عراق ما بعد البعث أدى إلى ظهور شكل من أشكال الثقافة السياسية غير المعاصرة، لكل منها أنصارها وقواعدها وجماهيرها الخاصة، وفي بيئة يبقى مستوى الثقة والمواطنة والانتماء في أدنى مستوى بين تلك الأجزاء المتشظية والشرائح الذين يجتمعون ويناقشون ويتقربون فقط من أجل تقاسم الثروة وتأمين المصالح وكسب المزيد. وفيما عدا ذلك، لا يعتبر أي طرف أن الدولة هي المرجع والقاضي ولا يعترف بها رسمياً.
وفي ظل هذا الوضع غير المتوازن، إذا لم نتعلم من تاريخنا الماضي، فما فائدة قراءة التاريخ وتسجيله؟ نحن الآن نعيش في وضع سياسي واجتماعي إذا انحنينا فيه أمام مؤامرات وبرامج المركز، فسيعود إلينا نفس سيناريو العام 1923 ولن يبقى هناك أي كيان للاقليم. وهو ما لا تستطيع الحكومة ولا المعارضة الصراع من أجله.
ظاهرا، يبدو أن المحكمة الاتحادية حكمت لصالح الموظفين الذين يتقاضون رواتب، لكن مشكلة الكورد ليست مجرد مشكلة رواتب.
لكي تخرج كوردستان بسلام من هذه الأزمة، من المهم أن تقوم القيادة الكوردية بمراجعة كامل تجربتها وعلاقاتها الداخلية والتوقف عند خطواتها الواحدة تلو الأخرى وإجراء التغييرات والإصلاحات التي تتوافق مع رغبات الجماهير الكوردستانية.
ترجمة: ماجد سوره ميري