تصدر العديد من الدراسات باللغة الإنجليزية عن الادب العربي الحديث ، اخترت من بينها عرض كتاب : الشعر العربي الحديث في المشرق بعد عام 1945 للدكتور عدنان عباس رئيس قسم اللغة العربية سابقا في جامعة آدم مكسيموفيتش في بوزنان / بولونيا. والكتاب دراسة قيمة تناول  فيها المؤلف الشعر العربي  في الشرق الأوسط منذ أواسط القرن العشرين .

ويشمل الفصول الاتية:

  1. تطور الشعر المرسل

  2. بعض ملامح الشعر الحديث

  3. تطور الشعر المنثور

  4. الاتجاهات الرمزية ، الواقعية والسريالية

  5. الرمزية في الشعر العربي الحديث 

  6. الأسطورة والرموز الدينية

  7. الأماكن والمدن

  8. المنفى ، الوجود والإنسانية في شعر بلند الحيدري

  9. دراسة في شعر بدر شاكر السياب

  10. القلق في شعر نازك الملائكة

  11. التصوف في شعر عبد الوهاب البياتي

  12. الحزن والامل في شعر صلاح عبد الصبور

  13. ادونيس ، الرمزية والغموض والواقعية 

  14. امل دنقل ، المرارة والموت 

  15.  الفولكلور والشعر الفلسطيني الحديث

  16. الشعر الكلاسيكي والشعر الحديث في تراث الجواهري 

اما مقدمة الكتاب فتؤكد على تحليل تطور الشعر العربي الحديث وظهور مختلف التيارات فيه ويشير المؤلف د. عدنان عباس الى كتابه في اللغة البولندية الذي سبق وان درس فيه الشعر العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ، بينما خص هذا الكتاب لتطور الشعر العربي الحديث في المشرق منذ النصف الثاني للقرن العشرين ( أي بعد عام 1945).

وفي تبيان أسباب تخصيص هذه الدراسة يذكر سببين:

الأول : ان التغيير الرئيس في الشعر العربي حصل في المشرق العربي ويتضح ذلك في ظهور الشعر الحر وشعر التفعيلة وقصيدة النثر .

والسبب الثاني يكمن في حاجة الشعر العربي الى دراسة خاصة بالمغرب العربي لغزارة الإنتاج الشعري وسعة المساحة التي يجب ان تغطيها الدراسة .

يبين المؤلف تركيزه على الاتجاهات الرئيسة في الشعر العربي وتحليل مجموعة كبيرة من النصوص الشعرية التي تمثل الاتجاهات الشعرية في الموضوع والشكل وتعنى بالشعراء المشهورين الذين يمثلون الاتجاه المعاصر للشعر الحديث.

وسنتناول ماجاء عن المنفى في الفصل الخاص بالشاعر بلند الحيدري لنلقي عليه الضوء كنموذج لما جاء في الكتاب من دراسات .وهو بالاساس ورقة بحث قدمت في جامعة كراكوف / بولونيا عام 2004

المنفى في شعر بلند الحيدري 

ولد بلند في مدينة السليمانية عام 1926 لاسرة كردية ميسورة الحال لها مكانة في العلم والادب ، وكان في شبابه يكتب باللغة الكردية ولكنه فيما بعد تحول الى الكتابة بالعربية ، وساهم انتقال اسرته الى بغداد والعيش في كنف اسرته الارستفراطية الى تنمية اهتماماته الادبية والفنية ، وما لبث ان تخلى عن نمط عيش اسرته المترفه واختار العيش من عمله في مختلف الاعمال ، وكان ذلك تحت تاثير الافكار اليسارية التي تأثر بها حتى اصبح عضوا في الحزب الشيوعي . وكانت له صداقات مع الادباء امثال عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي  وعبد الوهاب البياتي والفنانين المشهورين  فائق حسن وجواد سليم .

مارس  بلند فن الرسم اضافة الى ان زوجته دلال المفتي كانت رسامة هي الاخرى . كما نشر عدة كتب نقدية واصبح رئيس تحرير مجلة العلوم الفصلية و مجلة آفاق عربية .

بعد الحرب العالمية الثانية حدثت تحولات جديدة في حياته فاهتم بالمدرسة الواقعية والماركسية فكانت واضحة في قصائده وديوانه المعروف ( خفقة طين ) الذي صدر في بغداد عام 1946. وديوان اغاني المدينة الميتة وقصائد اخرى ، بغداد 1951

وفي بيروت نشر ديوانه خطوات في الغربة عام 1965 . اضافة الى كتب اخرى .

عام 1963 اعتقل بعد انقلاب  8 شباط . وفيما بعد غادر العراق الى بيروت ثم الى لندن حيث مات ودفن هناك عام 1996.

يـعـد بلند الحيدري من الشعراء الرواد للشعر الحر لانه نشر ديوانه : خفقة طين  عام 1946 .و يتضمن قصائد  حديثة  تعد من الشعر الحر . ثم اصدر عددا من الدواوين منها :اغاني المدينة الميتة، بغداد 1951، خطوات في الغربة، بيروت 1965 .

ديوان خفقة طين  هو اول ديوان يضم بين دفتيه قصائد شعر حر  قبل قصيدة نازك الملائكة  ( كوليرا ) ، وقصيدة بدر شاكر السياب : هل كان حبا .

لم ينل بلند الحيدري ما يستحق من مكانة بين الرواد وبرزت اسماء نازك الملائكة والسياب والبياتي . 

المنفى موضوع مألوف في شعر بلند ، فهو عاش في بيروت ولندن وتبدو الام المنفى  في قصيدته خطوات في الغربة :

من ألف ميناء أتيت 

ولالف ميناء أصار

وبناظري ألف انتظار

لا ....ما انتهيت ُ

,,,,,,

فاذا الحياة / كما تقول لنا الحياة

يـدٌ تلوح في رصيف

لايعود الى مكان 

وفي قصيدة له بعنوان : كانوا أربعة :

إن مـت ُ هنا ..في الغربة ...في المنفى 

إن مـتُ غدا 

فسيحمل شاهد قبري : هذا وطني

هذا من أجلك يا وطني 

وفي قصيدة متى يا ايها الوطن؟  يتساءل بلند :

متى يا أيها الوطن ُ؟

سأرجع من منافيك 

سأرجع من منافيه

لندرك موتنا فيه

متى يا أيها الوطن ؟

ويتناول الدكتور عدنان عباس قصائد اخرى لها دلالات على معاناة الشاعر في غربته ومنفاه ، اضافة الى عناوين اخرى تكشف سعة افاق الشاعر بلند مثل الواقعية في شعره والتصوف ورموزه .

....................................................................

Adnan Abbas, Poetry of The Arab East After 1945,Poznan 2015