كان من بين اكبر مهازل ادارة الانتخابات السابقة، تأخير اعلان نتائجها مدة تصل الى اكثر من شهر. وخلال ذلك، وكما يتندر المواطنون، كانت صناديق الاقتراع تشهد عمليات تفريخ وتناسل وضمور: تزداد اصوات هذه الكتلة، وتتراجع اصوات تلك، ترتفع وتنخفض اصوات المتنافسين بقدرة صاحب السطوة في مفوضية الانتخابات. الكل يخسر الا الذين لديهم مفوضون يحرسون اصوات احزابهم. فالفائز هو من يمتلك امتدادا عميقا في جسد المفوضية.
واصبح التشكيك في المفوضية وفي نتائج الانتخابات موضوعاً لا جدل حوله. فحتى العاملون في ادارتها لا يستطيعون اخفاء حجم التلاعب بنتائج الانتخابات. واذا كان التبرير الرسمي غير المقنع هو السائد في تصريحات المفوضية، فان الجلسات الخاصة تشير الى غير ذلك.
لا مجال هنا للتطرق الى طرق ووسائل وتقنيات التزوير، لكني اتوقف فقط عند اعلان النتائج. كما ان المجال لا يسمح بذكر المرشحين الذين بُلّغوا قبل اعلان النتائج بفوزهم، لكن لم تُعلن اسماؤهم كفائزين عند الاشهار الرسمي للنتائج.
لم يخلُ تقرير مهني من تقارير منظمات مراقبة الانتخابات، دولية كانت ام محلية، من توصيات تشير الى اهمية تسريع اعلان النتائج. وقد اعلنت المفوضية قبل اكثر من سنة عن تعاقدها مع شركة اجنبية، لشراء اجهزة تسريع النتائج. وانطلق الجدل واسعا حول العقد والشفافية فيه، واشتد الصراع بين من يريد اضفاء الصدقية على عمل المفوضية، وبين من لا تهمه الصدقية بقدر اهمية ضمان فوز الكتلة التي عينته في المفوضية.
اخيرا حسم الجدل وتقرر شراء اجهزة تسريع النتائج. ونظمت المفوضية ورشا للتعريف بتقنيات الجهاز، ولم تستثن من ذلك المعارضة الشعبية التي طالبت بإصلاح المنظومة الانتخابية، كي تشرح لها عمليا اهمية الجهاز. ونظمت حملة مدافعة الكتل البرلمانية كي تحصل على دعم قانوني ومالي للتعاقد على الجهاز. وبعد جدل واسع صاحبه تشكيك في نوايا شراء الجهاز اكثر من التشكيك في أهمية الجهاز، حصلت المفوضية على الدعم اللازم. وأقر مجلس النواب قانون التعديل الثاني لقانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم ( 45) لسنة 2013، حيث تم تعديل المادة ( 38) لتكون كالاتي: "تجري عملية الفرز والعد باستخدام جهاز تسريع النتائج الالكتروني ويتم تزويد وكلاء الاحزاب السياسية بنسخة الكترونية من استمارات النتائج واوراق الاقتراع في كل محطة من محطات الاقتراع".
وشاركت ممثلية الامم المتحدة ( يونامي) في حملة الاقناع بأهمية تسريع نتائج الانتخابات، باعتبار ذلك يسهم في اضفاء الصدقية على نتائجها.
الا اننا، وبعد هذا كله، نفاجأ بسماع ما يفيد، ان في خطة المفوضية العدول عن استخدام جهاز تسريع النتائج!
لماذا؟ هل لارضاء المتنفذين الذين يريدون البقاء متشبثين بكراسي السلطة، ويخشون الا يتاح لهم الوقت الكافي للتلاعب بنتائج التصويت وتزويرها؟
اننا هنا نضع المفوضية ومجلس النواب امام مسؤولياتهما الوطنية والاخلاقية، ووجوب توضيحهما الاسباب التي تدعوهم الى استبعاد جهاز تسريع النتائج؟ ومن يقف وراء ذلك؟ ولمصلحة من؟
ان كان الامر يتعلق بالتقنيات، فيجب محاسبة الشخصيات التي تعاقدت على شراء الجهاز محاسبة صارمة!
وان كان يتعلق بتدقيق عمل الاجهزة، فيمكن للمفوضية اجراء اختبارات، وتوسيع عينة الاختبار، واشراك الرأي العام ووكلاء الكيانات السياسية المتنافسة ووسائل الاعلام، كذلك اشراك منظمات المجتمع المدني، وبالأخص منها شبكات مراقبة الانتخابات.
علينا ألا ننسى تصريحات المفوضية وهي تؤكد ان "اللجان الفنية في المكتب الوطني انهت اعداد المواصفات الفنية لأجهزة تسريع اعلان النتائج، وقد صادق مجلس المفوضين عليها وعلى الحاجة الفعلية دراسة الجدوى لهذا المشروع الحيوي والكبير".
لا بديل عن الاسراع في اعلان النتائج. وهناك منذ هذا اليوم حتى يوم الانتخابات مدة كافية لمعالجة كل نقص وثغرة. فالوضع في الانتخابات لا يتحمل فساداً جديداً.
اخيرا نذّكر المفوضية بتصريحاتها حول جهاز تسريع النتائج وقولها انه "سيعزز ثقة الناخبين وشركاء العملية الانتخابية من الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة بالشأن الانتخابي ووسائل الاعلام، بعمل المفوضية. وبالتالي سينعكس ايجابا على مجمل العملية السياسية في البلد من خلال هذه الاجهزة التي تعمل المفوضية جادة على ادخالها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، حيث ستتمكن (هذه الاجهزة) من اعلان النتائج خلال ساعات بعد الانتهاء من عملية الاقتراع".