علي حسين فيلي/ كل الجرائم التي ارتكبت ضد مكونات هذا البلد، لا تتحمل ذريعة ان يقال من اقترفها ولماذا اقترفها لأن الجريمة في هذا البلد لها جذور تاريخية ولكن معالجاتها مجهولة.
ازداد عمر ذكرى كارثة الابادة الجماعية (الجينوسايد) ضد الكورد الفيليين سنة اخرى، الا انه حتى مجلس الوزراء العراقي لم يصدر ولو بيانا كسولا، بل ان مسؤول هذا الملف في المجلس لم يصدر عنه مجرد تصريح بهذا الصدد!
اما فيما يخص الشارع، فان عشرات المشكلات اليومية والمستمرة التي سلبت الراحة من المواطنين الأحياء في هذا البلد فمن الطبيعي أن يكون الحديث عن مثل هذه الكوارث بشكل أقل.
برنامج عمل هذا الملف متخم بالمقترحات والقرارات منتهية الصلاحية؛ الاحصائيات بعد موت ويأس وتراجع أصحاب الحقوق تتغير ليست نتيجة لمساعٍ الاطراف المسؤولة. المشاركون في الاجتماعات الخاصة بملف الابادة الجماعية للكورد الفيليين داخل الحكومة ليست لديهم تلك الشجاعة ليقولوا ان هناك فكرا وسلطة خفية لا تسمح بتنفيذ اي مقترح او قرار مرتبط بهذه القضية.
في الوقت نفسه، وبعد 42 سنة لا يعرف ذوو الضحايا لحد الان الاسباب الرئيسة لكل تلك المعاناة التي تتلخص في سبب عدم عثورهم على اية اثار لرفات شهدائهم، عدا انه في ظل الذرائع المقولبة والدائمية للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، لا نسمع اية قراءة جديدة ومنطقية لأسباب قرار الإبادة الجماعية.
بمعايير المنطق فإن المواطن الذي يعيش في أوضاع معيشية واقتصادية جيدة، لا يفكر في الانقلاب وتخريب الأوضاع المستقرة التي يعيشها ليتعرض لهجمات التسليب والقتل الجماعي.
ان وجود كوادر فيلية داخل الأحزاب السياسية، كوجود اعضاء اي مكون مشارك في الحراك السياسي في هذا البلد، لا يتم تعريفه كتهديد اكبر من الاحزاب المعارضة للنظام السابق نفسها لكي يتم تغييب مئات الألوف من أبناء ذلك المكون وتشريدهم وتهجيرهم.
ان الحركة التحررية الكوردية انخرطت منذ عقود بعد تأسيس الدولة العراقية في صراعات مباشرة والاسلام السياسي ما بعد سقوط نظام الشاه في ايران ادخل الطائفية في خضم الصراعات والحروب ولكن المشكلات والكوارث المفجعة للكورد الفيليين بدأت مع بداية تأسيس الحكومة العراقية.
وكما كان منتظرا، في الذكرى 42 سنة لقمة هذه الكارثة، فإن الذين كان من المفترض أن يستقتلوا لإعادة الحقوق كانوا الغائب الأبرز، الغالبية المطلقة من الناشطين الفيليين بتجديد وفائهم للالتزام القومي والطائفي، لم يستطيعوا التأكيد على أن جميع مؤسسات الدولة والسلطات الحكومية والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية كانوا مقصرين جميعا.
في هذا البلد، فرص المظلومين لكي يعيشوا اعزة واحرارا في التعبير عن افكارهم صعبة جدا وقليلة، ولكن اي شعب او مكون يجب ان يعرِّف معاناته بشكل من الاشكال.
في نظر الجيل الحالي من الفيليين عندما لا يقام في عاصمة إقليم كوردستان نصب لذكرى شهداء الكارثة كرمز، فإن الأمر مدعاة للتساؤل؟!
عندما تسحب حكومة بغداد نفسها من الذكرى ولا تخطو مؤسسات الحكومة اية خطوة لمعالجة هذه المعاناة، فان الامر مدعاة للتساؤل؟!
عندما لا تسأل المحكمة الجنائية العليا عن نتائج تنفيذ قرارها لتعريف الجريمة كابادة جماعية، فهذا مدعاة للتساؤل؟! فماذا ننتظر عندما يكون كل ذلك من صميم واجب وتكليف تلك الجهات.
بعد مرور نحو 20 عاما من العهد الجديد في ادارة الحكم في العراق، تقوم مؤسسات الدولة توا بطرح مقترحات لشكل التعامل مع تلك القضية ومثيلاتها! من الطبيعي ألّا يستطيع مسؤولو الملف في مجلس الوزراء العراقي، وفي هيئة حقوق الإنسان، وفي وزارة الهجرة والمهجرين، و في وزارتي الداخلية والعدل، حتى الادلاء باي تصريح هذا العام وحتى أنهم لا يستطيعون في السنوات المقبلة استنادا على قواعد بيانات وإحصاءات ووثائق الحديث عن معالجة القضية، او حتى تحديد موعد لإغلاق الملف بشكل رسمي.
وفي عملية محو آثار الابادة الجماعية للكورد الفيليين "الجينوسايد" وجميع المكونات المظلومة المماثلة لم تتقدم حكومة بغداد ومؤسساتها الرسمية المسؤولة بخطوة تدرأ بها الخجل عن نفسها.