صادق الازرقي/ تعد الغوارق في المياه العراقية في جنوب البلاد مشكلة كبيرة تعوق حركة السفن وتسبب تعطيل الملاحة البحرية التي تعد في غاية الاهمية، لاسيما مع الاعلان عن البدء بتنفيذ مراحل "طريق التنمية" الذي ينطلق ابتداء من تلك المياه، نظرا لأهمية البحر التجارية فضلا عن استغلاله بصفته وسيلة رخيصة للنقل، يطمح اليها السكان للتنقل بين الموانئ العراقية وموانئ دول العالم.
والسفن الغارقة في مياه شط العرب وخور عبد الله تعود إلى اوقات متعددة من الصراعات والحروب التي شهدتها المنطقة، لاسيما الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)؛ ففي هذه الحرب، جرى قصف كثير من السفن والزوارق مما أدى إلى غرقها في تلك المياه. تسببت هذه الغوارق في تعطيل الحركة الملاحية بشكل كبير، اذ تراكمت الترسبات وأصبحت العوائق تمنع السفن الكبيرة من المرور.
وحتى شهر أيار 2024 لازالت كثير من تلك الغوارق ترقد في المياه من دون معالجة جذرية، بحسب تصريحات المسؤولين.
ويقول خبير الحدود والمياه الدولية جمال الحلبوسي ان بعض الغوارق المتواجدة في المياه الإقليمية تتواجد مشكلة في انتشالها، اذ أنها تقع في خطوط حدودية مع الكويت في خور عبد الله، ومع إيران أيضا، كما أن انتشال هذه الغوارق بحاجة الى تخصيصات مالية وجزء من هذه التخصيصات ينبغي أن يكون من موارد الموانئ، بما معناه أن إدارة الموانئ ينبغي أن تأخذ بنظر الاعتبار عملية صيانة الممرات من المخلفات وتخصيص مبالغ كافية لذلك، على حد قوله، مشددا على ضرورة القيام بمعالجة صحيحة لهذه الغوارق والحد من التأثير البيئي وتأمين المرور الآمن للبواخر والسفن في المياه الإقليمية العراقية.
وتمثل مشكلة الغوارق في شط العرب وخور عبد الله تحديا رئيسا يعوق تطوير الموانئ مثل ميناء المعقل، الذي يعد من أقدم الموانئ في الخليج العربي؛ وان استمرار تواجد هذه السفن الغارقة يحد من قدرة الميناء على استقبال السفن الكبيرة، مما يعرقل النشاط الاقتصادي بشكل ملحوظ.
وتحاول الحكومة العراقية بالتعاون مع الجانب الإيراني العمل على إزالة هذه الغوارق وتنظيف الممرات المائية من الترسبات، هذا التعاون يتطلب تنسيقا كبيرا بين الجانبين نظرا لأن بعض الغوارق تقع في المياه المشتركة بين العراق وإيران، وكذلك تلك المتواجدة في المناطق الحدودية بين العراق والكويت مثل خور عبد الله.
ويشدد الخبراء على ان جهود إعادة التأهيل تشمل دراسة منح عقود لشركات عالمية متخصصة في إزالة الغوارق وتنظيف المياه، حيث أن هذه الخطوة تعد ضرورية لاستعادة النشاط الملاحي والاقتصادي في المنطقة.
ولم يتم الانتهاء بالكامل من إزالة جميع الغوارق في المياه العراقية حتى الآن؛ وبرغم الجهود المبذولة من قبل شركة الموانئ العراقية ورفع عدد من الغوارق التي كانت تعوق الملاحة البحرية، لا زال هناك عدد من الغوارق المتبقية التي تُعطل الملاحة وتؤثر على البيئة البحرية.
وتستمر الجهود لتنظيف الممرات البحرية، ولكن العملية معقدة وبحاجة إلى تخصيصات مالية كافية وإدارة فعّالة للموانئ لضمان استمرار عمليات الإزالة وتقليل الأثر البيئي لهذه الغوارق بحسب الخبراء.
ويحظى العراق بموقع استراتيجي هام، بإطلالته على الخليج العربي الذي لا يعد ممرا مائيا فحسب، بل منطقة غنية بالنفط والثروات الطبيعية، فيما يعد حلقة وصل بين قارتي آسيا وأوروبا، وبخاصة بعد بروز الصين كقوة اقتصادية كبيرة، وتسليط الأنظار على العراق بعد الإعلان عن مشروع طريق التنمية الذي يربط الشرق بالغرب.
ويمتلك العراق موانئ تجارية ضخمة تتمتع أحواضها والممرات المائية الموصلة إليها بأعماق متوسطة، وتتمتع هذه الموانئ بقدرات وإمكانيات متميزة وطاقة خزنية ضخمة برغم قصر طول الساحل العراقي الذي يبلغ 29 ميلا بحريا، قياسا بسواحل الدول المجاورة للعراق، إلا أن الغوارق المنتشرة في المياه العراقية تشكل عائقا أمام دخول السفن إلى الموانئ باطمئنان.
والمنفذ المائي العراقي الوحيد في محافظة البصرة، فيه ثمانية موانئ هي: أم قصر التجاري الشمالي، وأم قصر التجاري الجنوبي، وخور الزبير، وأبو فلوس، والمعقل، والبصرة النفطي، وخور العمية النفطي، وميناء الفاو الكبير الذي لا زال قيد الإنشاء.
وفي تصريحات جديدة في منتصف أيار 2024 قال المتخصص بدراسة المياه الإقليمية مالك المالكي، أن “الغوارق المتواجدة في المياه الإقليمية منتشرة في بداية شط العرب وصولا إلى خور عبد الله، وبحسب إحصائية قسم الإنقاذ البحري هناك 113 غارقا مختلفا”.
ويضيف المالكي، “لغاية الآن لا توجد حلول فعالة برغم أن الدولة قد تعاقدت مع كثير من الشركات، لكنها لم تتمكن من انتشال تلك الغوارق، فمثلا توجد ناقلتيّ النفط الضخمتين العراقيتين، الرميلة، وعين زالة، وكلاهما غرقتا في عام 1991 في مياه خور عبد الله بين جزيرتيّ بوبيان و وربة الكويتيتين، وكانتا محملتين بالنفط حين جرى قصفهما في ما أطلق عليه في حينها (حرب الناقلات) بين العراق وإيران”.
ويشدد على أن هذه الغوارق تمثل مصدر تلويث لمياه البحر، ولغاية الآن لم تتمكن الحكومات العراقية المتعاقبة من انتشالها برغم تواجد شركات كفؤة متخصصة بهذا المجال لكن المحسوبيات تعرقل ذلك، على حد قوله.
وكان المتحدث باسم الشركة العامة لموانئ العراق أنمار الصافي، قد أوضح في شباط من عام 2022، ان قسم الإنقاذ البحري هو المسؤول عن انتشال الغوارق سواء كانت داخل مياه شط العرب أو المياه الإقليمية أو في الأجزاء الأخرى من المياه البحرية في خور عبد الله، وخور الزبير، وقناة شط العرب، لافتا إلى أن هذا القسم يضع سنويا خطة لانتشال الغوارق في ضوء الأهداف المسجلة والأماكن المحددة على وفق توقيتات زمنية.
ويقول سكان من المنطقة ان مدة السبعينات من القرن الماضي ما قبل الحرب العراقية الايرانية شهدت أوج ازدهار البواخر التجارية العابرة لشط العرب، وكانت البواخر تصل يومياً إلى قضاء أبي الخصيب أقصى جنوبي العراق، ويقدر عددها بنحو عشرين باخرة في اليوم، تحمل البضائع إلى الميناء ثم ينقلها عمال الشحن لاحقاً إلى محافظة بغداد، متطرقين الى الهواء العليل ونقاوة المياه المليئة بالأسماك في حينه، بحسب تعبير ابو مرتضى أحد سكان المنطقة.
ويقول بحزن ان الحروب دمرت كل شيء فالقنابل أغرقت البواخر وجعلت منها خردة تزن مئات الأطنان مهملةً ومرميةً في شط العرب تلوث المياه بما تسربه من وقود وما تتسبب به من هلاك للبيئة الحيوية.
وكانت الشركة العامة لموانئ العراق قد أعلنت في آذار 2023 عن استمرارها برفع الغوارق والمخلفات البحرية من مياه شط العرب والقنوات الملاحية، وذلك لتأمين حركة السفن والقطع البحرية فيه، فيما يقول السكان ان العملية تأخرت كثيرا برغم مرور أكثر من 20 عاما منذ التغيير في 2003 مستدركين يفترض بعملية التخلص من الغوارق ان تجري بسرعة لاسيما مع الاعلان عن التوقيع على طريق التنمية.
وفي 19 أيار 2024 أعلن إعلام وزارة النقل / إعلام موانئ العراق، ان قسم الإنقاذ البحري التابع للشركة العامة لموانئ العراق نفذ عملية نوعية برفع غارق بحري (لنج) من مياه شط العرب؛ وأشار المدير العام لموانئ العراق فرحان الفرطوسي إلى ارتفاع مستوى انتشال القطع البحرية من مياه شط العرب والقنوات الملاحية البحرية، مبينا ان إدارة الشركة العليا تعد عمليات انتشال الغوارق البحرية ركيزة مهمة في عملها كون هذه القطع البحرية مضى زمن طويل على غرقها وهذا يسبب ضررا بيئيا فضلا عن عرقلة الملاحة البحرية.