من المؤسف أن تتحول أكبر المآسي الإنسانية في العصر الحديث إلى مناسبةٍ للخطابة والانتصارات الوهمية.

في الوقت الذي تُسحق فيه غزة تحت القصف، وتُدفن آلاف العائلات تحت الركام، تخرج حماس ومن يدور في فلكها ليعلنوا “الانتصار” وكأنهم حرروا فلسطين من البحر إلى النهر!

لكن أي نصرٍ هذا الذي يأتي بعد أكثر من خمسين ألف قتيل وجريح؟

أي نصرٍ ذاك الذي جعل مليونَي إنسانٍ مشردين في الخيام، بلا مأوى، بلا دواء، بلا مستقبل؟

هل باتت البطولة تُقاس بكثرة الضحايا لا بتحقيق الأهداف؟

ولعلّ أكثر ما يثير الألم قبل الغضب هو أن تصف قيادة حماس هذه الكارثة بأنها “خسائر تكتيكية”!

أي تكتيكٍ هذا الذي تُقاس به حياة الأطفال ودموع الأمهات؟

هل أصبحت دماء المدنيين مجرد أرقام في جدولٍ عسكري؟

حين تتحول المأساة إلى “تكتيك”، يفقد الإنسان معناه، وتتحول المقاومة إلى لعبةٍ حسابية لا مكان فيها للضمير.

لقد حولت حماس غزة إلى رهينةٍ دائمة لمغامراتها السياسية والعسكرية.

قرار الحرب عندها لا يخضع لمصلحة الشعب، بل لحسابات التنظيم وارتباطاته الإقليمية ومصالح قياداته المقيمة في الفنادق الفارهة خارج القطاع.

حين يموت أهل غزة في صمت، تواصل أبواقها الإعلامية تسويق الوهم وتحويل المأساة إلى خطاب دعائي رخيص، يستهلك دماء الناس لتلميع صورة سلطةٍ تتغذى على الكارثة.

إن من يتحدث باسم غزة اليوم لا يمثلها بل يختطف صوتها.

فالشعب هناك لا يبحث عن “نصرٍ” جديد فوق أنقاضه بل عن حياةٍ آمنة وكرامةٍ مفقودة.

لقد تحولت “المقاومة” إلى سلطةٍ بوليسية داخلية، تمنع السؤال، وتكمم الأفواه، وتتعامل مع النقد كخيانة.

أما الخارج، فيُسمح له أن يتغنى بالشهادة والجهاد، بينما لا يسمع أنين الجياع ولا يرى وجوه الأيتام التي أطفأها الخوف والرماد.

غزة لا تحتاج إلى من يعلن انتصاراتها عبر الشاشات، بل إلى من يوقف نزيفها، من يعيد بناء إنسانها قبل حجارتها.

لقد آن الأوان للفلسطينيين والعرب والعالم أجمع، أن يفصلوا بين القضية العادلة وبين من اختطفها لمآرب حزبية ضيقة.

فالقضايا الإنسانية أسمى من أن تُختصر في تنظيمٍ أو رايةٍ أو شعار.

في النهاية، من حق غزة أن تُسأل:-

هل هذا هو “النصر” الذي وُعدتنا به؟

نصرٌ بلا وطن وبلا بيوت وبلا أطفال؟

إنها المأساة حين تُسمّى الهزيمة “نصراً”، وتُعلَن الكارثة “إنجازاً”، وتُبرَّر الفواجع بأنها “خسائر تكتيكية”.

فأي عقلٍ يقبل أن يكون ثمن التكتيك أمةً بأكملها؟