في مستهل شهر تشرين الثاني 2024 قال رئيس لجنة الاستثمار والتنمية النيابية حسن قاسم الخفاجي، أن هناك توجها حكوميا للإعلان عن عاصمة إدارية في بغداد. 

وبحسب قوله، ان "هذه العاصمة ستضم جميع الوزارات والدوائر"، مبينا ان "السوداني سيعلن عن هذه العاصمة وسيضع لها حجر الأساس وسيجري تنفيذها وتنجز في السنوات المقبلة".

فيما علق عضو مجلس محافظة بغداد عبد نجم العامري، على مشروع العاصمة الإدارية، بالقول انها ستكون خارج المدينة وتعمل على تقليل الزحامات، مشيرا الى ان مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، فكرة مطروحة منذ مدة طويلة، لكن الحكومات السابقة لم تنفذها، على حد قوله، ومنوها الى ان "الحكومة الحالية لديها جدية بتنفيذ هذا المشروع المهم خلال المرحلة المقبلة، لما له من أهمية"، مضيفا ان العاصمة الإدارية ستكون خارج المدينة السكنية والمكتظة بالسكان، أي ستكون في مناطق اطراف العاصمة، وسوف تضم اغلب مؤسسات الدولة من الوزارات وغيرها، وانها ستقلل من الزحامات في داخل العاصمة، كذلك سوف تسهل عملية مراجعة أي مواطن، كون جميع الدوائر والوزارات ستكون قريبة على بعضها، على حد وصفه.

والعواصم الإدارية الجديدة التي تنشأ في دول العالم وتطبقه دول كثيرة بمفهومه العام، هو مشروع ضخم يتضمن بناء مدينة جديدة بالكامل لتكون مركزا للحكم والإدارة بدلا من العواصم القديمة؛ وهذه العملية تشمل نقل جميع الوزارات والهيئات الحكومية ومقرات الرئاسة والبرلمان إلى العاصمة الجديدة، وإنشاء طرق وجسور ومحطات طاقة ومياه وصرف صحي وشبكات اتصالات جديدة، وبناء أحياء سكنية ومناطق تجارية وترفيهية لتستوعب السكان العاملين في الحكومة والمؤسسات الأخرى.

وكذلك تشمل العواصم الادارية، بناء مدارس ومستشفيات ومساجد وكنائس وحدائق عامة.

وفي العادة تنشأ العواصم الادارية لعدة أسباب منها تزايد السكان والتخفيف من الازدحام، إذ ان العاصمة القديمة غالبا ما تعاني من الازدحام الشديد، فالعاصمة الجديدة تساعد في تخفيف الضغط على البنية التحتية القائمة.

 والعاصمة الجديدة تمثل فرصة لبناء مدينة حديثة ذات تصميم حضري متطور، ويمكن أن تساعد العاصمة الجديدة في توزيع السكان على مساحة جغرافية أكبر، ويمكن أن تكون العاصمة الجديدة رمزا لتجديد الدولة وبدء مرحلة عصرية.

وعند الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، تبرز مسألة الاستفادة المثلى من المباني الحكومية القديمة في العاصمة السابقة، من ذلك تحويلها إلى مرافق خدمية، إذ يمكن تحويل بعض المباني إلى مستشفيات، مدارس، مراكز مجتمعية، أو حتى مكتبات عامة لخدمة السكان المحليين.

 كما يمكن استغلالها في الأنشطة الثقافية وتحويل بعض المباني إلى متاحف، قاعات عرض، أو مراكز ثقافية لإحياء التراث وتنشيط الحركة الثقافية.

 كما يمكن تخصيصها للمشاريع الصغيرة والمتوسطة بتأجير أو بيع بعض المباني بأسعار مخفضة للشركات الصغيرة والمتوسطة وحتى للأفراد لتشجيع ريادة الأعمال وخلق فرص عمل، كما يمكن تحويل بعض المباني الفخمة إلى فنادق أو مساكن فاخرة لجذب السياح والاستثمارات.

 ويمكن تخصيص بعض المباني للمؤسسات البحثية أو الجامعات لإجراء دراسات وأبحاث علمية كما يمكن بيع أو تأجير بعض المباني التي لا يمكن إعادة تأهيلها أو التي لا تتواجد حاجة ماسة إليها.

وفي العموم هناك عوامل يجب مراعاتها عند اتخاذ القرار بشأن بنايات مؤسسات الدولة القديمة من ذلك، الحالة الهندسية للمبنى، بتقويم حالة المبنى وتحديد ما إذا كان يمكن ترميمه وإعادة استغلاله أم أنه بحاجة إلى هدم وإعادة بناء، كما يتوجب مراعاة الموقع الجغرافي للمبنى من ناحية قربه من الخدمات والمرافق الأخرى، ويجب مقارنة تكلفة ترميم المبنى وإعادة استعماله بتكلفة بناء مبنى جديد؛ ويجب مراعاة الأثر البيئي لهدم المباني القديمة وبناء مبان جديدة.

وللاستفادة من المباني القديمة فوائد كبيرة منها، الحفاظ على التراث اذ تسهم في الحفاظ على التراث المعماري والهندسي، وتقلل من التكاليف المطلوبة لبناء مرافق جديدة، وان تنشيط الاقتصاد المحلي  يخلق فرص عمل ويشجع الاستثمار.

ويلفت المتخصصون الى ان الاستفادة من المباني الحكومية القديمة بعد الانتقال إلى العاصمة الجديدة يتطلب تخطيطا دقيقا ودراسة متأنية لكل مبنى على حدة. يجب أن يكون الهدف هو تحقيق الاستفادة القصوى من هذه المباني بما يخدم مصالح الناس ويعزز التنمية المستدامة.

وبرغم التوجيهات الحكومية السابقة، بنقل بعض المؤسسات إلى أطراف بغداد فإن هناك تعثرا في تنفيذ هذه التوجيهات بسبب عدم توافر البديل المناسب وتقادم البنى التحتية والخدمية بأطراف العاصمة، وهو ما يدعو إلى إعداد مخططات استراتيجية من أجل خلق مدينة عمرانية جديدة تكون مدينة إدارية تخفف المركزية الحكومية في العمران القائم حاليا، بحسب باحثين.

وينقل عن أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي قوله، ان الأهمية الاقتصادية في نقل الحكومة مؤسسات بغداد إلى خارج الحدود الإدارية تكمن في أنه يخلص بغداد من الفوضى الحاصلة فيها حاليا نتيجة هجرة الملايين إليها بعد عام 2003 من محافظات متعددة، وبروز نحو 1000 مجمع عشوائي في داخل العاصمة يعيش فيها أكثر من 3 ملايين شخص، على حد قوله، وأوضح ان أهمية قرار كهذا تتمثل في تفكيك الاختناقات المرورية التي تؤثر في الحركة التجارية والاقتصادية سلبا.

ووفق السعدي فإن نقل المؤسسات يسهم أيضا في تحفيز التنمية الاقتصادية في المناطق الجديدة، مما يؤثر بدوره في الاستثمار وخلق فرص العمل، فضلا عن توفير المساحات الحضرية، اذ يؤدي نقل المؤسسات إلى إفساح المجال لمشاريع سكنية وتجارية جديدة في داخل المدن.

ورأى السعدي، ان اهمية اقامة عاصمة ادارية جديدة لبغداد، لا تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي، بل هناك أيضا مزايا اجتماعية تتمثل في تحسين الحياة اليومية للسكان عن طريق تخفيف الازدحام وتحسين البيئة الحضرية، وأيضا توزيع الخدمات بصورة أفضل، إذ يسهم توزيع المؤسسات في تحسين توزيع الخدمات الحكومية بصورة أكثر عدالة، ناهيك عن تحفيز التنوع الثقافي للمجتمع.

وبشأن تعثر المشروع يرى السعدي، أن الأزمة المالية ليست العائق الوحيد أمام تنفيذ المشروع، بل أيضا أن عدم تواجد إرادة سياسية قوية لإنجازه هو سبب ودافع رئيس يعطل تحويل المخطط إلى واقع على الأرض، لكون المشروع استراتيجيا يحمل كثيرا من الإيجابيات ويخلو من نقاط الضعف، فتنبثق ارادت سياسية متعارضة تؤدي الى عرقلته وتعطيله، بحسب قوله.

وفي استطلاع لآراء بعض سكان بغداد بشأن انشاء عاصمة ادارية جديدة، اجمعت الاغلبية على انه مشروع كبير وضروري ويخفف كثيرا من معاناتهم لدى مراجعة الدوائر الحالية، و من الزخم المروري؛ ودعا "قيس" وهو طالب في كلية التربية الى تحويل التعاملات في المدينة الجديدة الى الاساليب الالكترونية وربطها بالشبكات الرقمية بحسب تعبيره؛ ولا يخلو الامر من التشكيك اذ يقول "حسام" عامل على الحاسب في احد "مولات" بغداد: لقد سمعنا بمشاريع كثيرة ولكنها سرعان ما تختفي بسبب السرقات او الفساد على حد قوله، متطرقا بالحديث، الى مشروعي مترو بغداد والقطار المعلق، التي يشكك بالنجاح في انجازههما بسبب ما يرى انه تكالب "السياسيين الفاسدين" على الاموال المخصصة لهما، ولغيرها من المشاريع، حتى قبل الشروع في التنفيذ، بحسب تعبيره.