وانت تراجع فترة تنابز ومشاحنات رموز الطائفية وخطاباتهم المتقابلة، تقفز في ذاكرتك تصريحاتهم النارية المتطرفة، التي تنضح كراهية وحقدا وسموما، وقد خنقت الأجواء العامة واشاعت التوتر.
هذا الذي يدافع عن أفعال داعش الاجرامية ويبرر تجاوزاتها الشنيعة ويستقوي بها على مؤسسات الدولة الامنية، يقابله الآخر بخطاب طائفي مقيت، مغلف بدفاع مزعوم عن الوطن.
وقد نشب اثر ذلك صراع كريه ظاهره دفاع كل متنفذ منهم عن مصالح المكون الذي ينتمي اليه وعن استحقاقاته، لكن جوهره ينطوي على المصالح الشخصية والحزبوية الضيقة والذاتية الأنانية.
انها معارك "ديكة" غاياتها معروفة ولا تخفى على اللبيب، وهي الامساك بالسلطة والتمترس فيها بذريعة الدفاع عن المكون، وتصعيد وتيرة الصراع وشحن الاجواء، مسببين القلق للمواطنين والخشية من إشعال معارك لا ناقة للشعب فيها ولا جمل. صراعات يرافقها ارتفاع اصوات صقورهم وابواقهم، حتى يضيق المجال امام صوت العقل الذي يحاصر بالضجيج. والمفارقة انهم حين يشتد صراعهم الطائفي، تتكثف اجتماعاتهم خلف الكواليس، حيث تبرم الصفقات ويفتح باب الفساد على مصاريعه.
وعندما تُراجع المعارك الصورية والمهازل التي رافقتها، وصلافة من وصلت بهم القباحة حد التغزل بداعش، مقابل مزايدة الطرف المقابل حتى القرف بالدولة، تلاحظ ان الطرفين كثيرا ما يصوران صراعهما الزائف بصورة صراع الدولة مع اللادولة، فيما الوقائع تفضح نواياهم، وقد خبرت الناس مساوماتهم على الحق وعلى الوطن وحتى لقمة الشعب.
لكل ما تقدم يجري التأكيد ان عودة بعضهم بالطريقة التي تمت بها وبالسرعة التي جرت بها، وفي لحظة تفاقم مأزق الانسداد السياسي، ماهي الا صفقة هدفها تهيئة الأجواء للضد النوعي، ولخلق توازنات اخرى وكسر اطر تحالفية. فهي خطوة هدفها اشعال تنافس محموم على كعكة السلطة. وقد اكدت ذلك تغريدة احدهم على حسابه في تويتر حيث قال: "بعدما عانت الأنبار من مشاريع التطرف والإرهاب وتحولت إلى مرحلة الهيمنة والديكتاتورية وتكميم الأفواه والفساد، نعلنها من بغداد أن هذه الأفعال ستواجه بردة فعل لن يتوقعها أصحاب مشاريع التطبيع والتقسيم، ومن سرق حقوق المكون، وعلى من يدّعي الزعامة أن يفهم ان هذه هي الفرصة الأخيرة".
هكذا اذا تنكشف معالم الصفقة، وان أي ادعاء غير ذلك تطلقه طغمة الحكم، هو مجرد هراء. فقد خبرنا المتنفذين وخطوطهم الحمراء ضد بعضهم، والتي تتحول في لحظة ومن دون حياء، الى خطوط خضراء سالكة ما دامت تحفظ مواقعهم في السلطة.
ولا نظن ان عودة هؤلاء كانت دون تنسيق مسبق، بغض النظر عن شدة بيانات استغراب البعض من قرار العودة واستنكارهم له، وبغض النظر عن المعلومات الدقيقة بشأن قضية كل منهم، ومدى تورطه بشكل ملموس في الإرهاب، مع ان تصريحات بعضهم ما زالت ماثلة في المواقع الالكترونية، وتشكل ادانة دامغة.
ان من الضروري كشف المعلومات للرأي العام، لان القضايا التي اتهموا بها تخص الوضع العام. فدعم الإرهاب والترويج له جريمة لا تخضع للمساومة. والإرهاب جريمة كبرى لا تسقط بالتقادم.
اما اذا كانت بعض الشخصيات قد ظلمت تعسفا، ففي هذه الحالة تتوجب محاكمة الظالم وإنزال اشد العقوبات به، جزاء ما ارتكب.