يعد بيت العنكبوت من أوهن البيوت وأضعفها فما هو إلا خيوط رقيقة ينسجها بعناية فائقة لتكون مصيدة خطيرة للحشرات، لكنه في حقيقته لا يقوى أمام نفخة من فم طفل حتى يتهاوى ويطير في الهواء.
السيادة العراقية التي يتحدث عنها الجميع ما هي إلا بيت عنكبوت بل أضعف بكثير، فالعنكبوت يحرص كل الحرص على سيادة شباكه ولا يسمح لأي متطفل بدخولها إلا إذا كان فريسة، أما بيتنا العراقي فهو "خان جغان" لكل من هب ودب، وهنا لا أتحدث عن الانتهاكات العسكرية التركية والأميركية والإيرانية والإسرائيلية، ولا عن التجاوزات والتدخلات الدبلوماسية والسياسية من جيران السوء في الجهات الأربع ومن دول المنطقة والعالم، فهذه التجاوزات مفضوحة ومكشوفة ومسكوت عنها بخزي وعار من قبل الحكومات المتعاقبة منذ تسعينيات القرن الماضي ولغاية الآن.
ما يهمني هنا التدخلات السافرة بل "السافلة" من قبل ما يسمى بدول العالم المتحضر التي تدعي احترام سيادة الدول والقوانين والمواثيق والأعراف الدولية، وهي في الحقيقة لا تحترم حتى نفسها ولا شعوبها، فهي من باب تنادي بضرورة الالتزام بالمواثيق الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لغيرها من الدول، في حين أنها تتدخل بشكل واضح وفج في أبسط التفاصيل الداخلية للعديد من دول العالم التي ترى أنها تحت وصايتها، ومنها العراق.
جميع الدول التي لديها وجود دبلوماسي وعسكري في العراق، وتحديداً أميركا وأوروبا، لم تحترم بأي شكل من الأشكال السيادة العراقية المزعومة، بل أنها بلغت مرحلة من التدخل الفج الذي يضعها في موقف حرج أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لكن للأسف ما من مسؤول في هذه الحكومة ومن سبقتها من الحكومات يمتلك الشجاعة والرجولة والاحترام لنفسه على أقل تقدير ليقف بوجه هذه التدخلات.
وأكرر أنا لا أتحدث عن الانتهاكات العسكرية والسياسية والدبلوماسية، بل ما يعنيني هو تدخل سفراء دول الشر هذه في التشريعات القانونية، قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل تهافت العديد من سفراء دول الشر على مبنى مجلس النواب العراقي للحيلولة دون التصويت عليه، وكذلك الحال بالنسبة لقانون تجريم الشذوذ الجنسي والبغاء الذي لطم سفراء بعض الدول "لطم المعزايات" لمنع التصويت عليه في مجلس النواب، وأخيراً تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي أقام الدنيا ولم يقعدها، وأتمنى أن يقعدها على رؤوس وأنوف الرافضين لهذه التعديلات.
وللعلم أنا لا مع ولا ضد هذه التعديلات لأنني بالأساس لست إنساناً ملتزماً دينياً لكن ما يثير حفيظتي بل غضبي هو محاولة هؤلاء فرض آرائهم على شريحة واسعة في المجتمع العراقي تشكل غالبية ومنع هذه الأغلبية من ممارسة حقوقها الدستورية والقانونية سواء اتفقنا معها أم اختلفنا، فوفقاً للدستور العراق لكل إنسان الحق بممارسة طقوسه وعقائده فلماذا يحاول البعض حرمان غيره من ممارسة هذا الحق رغم أنه حق شخصي لم يتم فرضه على الآخرين؟، هذا أمر مستفز حقيقة ومثير للغضب.
سفراء دول الشر وأنظمتهم ينصبون أنفسهم أوصياء على الأمة العراقية ولا يكتفون بذلك بل أنهم يريدون أن يفرضوا علينا ما يرونه هم مناسباً بغض النظر عن تقبلنا أو حتى احترامنا لما يعتقدون به هم، ما شأنكم أنتم على أي مذهب أو دين أو قانون نتزوج أو نطلق، بل لماذا خرست أصواتكم منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي ولغاية الآن عن قانون الأحوال الشخصية النافذ على الرغم من أنه يعتمد الفقه الحنفي في الزواج والطلاق؟!.
تدخلات دبلوماسية، مارثون سفراء، زعيق منظمات دولية، ضخ صحفي هائل من المؤسسات الإعلامية وما يسمى معاهد الدراسات، نحيب ونعيب من قبل أدعياء المدنية، لكن الغريب قبل طرح هذه التعديلات لم نسمع صوتاً واحداً يستنكر العمل بقانون يفرض الزواج والطلاق والإرث وفق الفقه الحنفي، ووفق الديانات المسيحية والصابئية واليهودية والإيزيدية، كل هذه المسميات الدينية لم تستفزكم لكن مجرد كلمة "الجعفري" أثارت حفيظتكم وجنّ جنونكم؟، أنا أتفهم أن كلمة "الجعفري" تغيض وتثير جنون البعثيين والطائفيين لكن أنتم ما علاقتكم بهؤلاء، هل أنتم بعثيون وطائفيون أيضاً؟.
كلمة أخيرة أقولها للكتل والأحزاب التي تدعي الانتماء للمذهب الجعفري، إن رضختم لهذا التهريج البعثي الطائفي الغربي وتراجعتم عن تعديل قانون الأحوال الشخصية فلا يلومني أحدكم إذا لطمته بالنعل في حال تحدث بلسان الجعفرية والشيعة.