يتصاعد الرفض الشعبي لمشروع المحاصصة والفساد، بسبب ما انتجه من خراب عمَّ جميع مجالات الحياة، وتجلى بمختلف الاشكال. وتم التعبير عن هذا الرفض بطرق متنوعة، ليس آخرها التظاهرات التي انتظم خروجها كل يوم جمعة في ساحة التحرير وسط بغداد، وفي مراكز المحافظات الاخرى.
وفي اثناء هذا اتسع السخط والغضب الشعبيان وعدم الرضا عن اداء المسؤولين وبلغ مستويات لم يسبق لها مثيل. ومن ذلك رفض زيارة هذا المتنفذ او رمز المحاصصة ذاك، لهذه المحافظة او تلك المؤسسة، حيث يقابلون بازدراء المواطنين وسخريتهم، فيما تلاحقهم اصوات الرفض الى المدن والعواصم الاجنبية. وقد غادرَنا هتاف (هلا بيك هلا)، لتحل محله هتافات الرفض واهازيج الاستهجان.
وهذا كله يدل على ان حركة الاحتجاج لا تنحصر في ساحات التظاهر. وربما كان هناك من يعتقد ان تظاهرات الجمع من كل اسبوع لم تعد كافية للتعبير عن الغضب على الخراب الذي حل بالبلاد، وانعكس وبالا على حياة الناس ومعيشتهم. فالمواطن العراقي غدا محتجا ومواظبا على الاحتجاج في وجه رموز الادارة السياسية، كونهم لم يقوموا بأبسط واجباتهم. لذا لم تعد مفهومة محاولات المتنفذين الوصول الى المواطنين في وقت لا يحملون فيه شيئا يبشر بغد افضل، بل يتكرس يوما بعد اخر اليقين بان المتنفذين هم السبب الرئيسي في ما وصلت اليه اوضاع المواطنين المزرية، وفي اتساع حجم المعاناة التي يئنون تحت وطأتها.
وتبعا لهذا نشهد انحسار تقبل الشارع العراقي لرموز مشروع المحاصصة والفساد، الامر الذي جعلهم يتحدثون عن الدولة المدنية في محاولة مداهنة هدفها اعادة تسويق أنفسهم، وهذه المرة باسم المشروع المدني مرة وباسم مشروع الاصلاح والتغيير مرة اخرى. لكن من غير الممكن ان تنطلي لعبتهم على شعبنا بالسهولة ذاتها هذه المرة. فعلى عكس المرات السابقة خبِر الشعب الاعيبهم، وادرك حيلهم وطرق تلاعبهم بمشاعر بسطاء المواطنين.
نعم، ليس كل من يتحدث عن التغيير مهتماً حقا بالتغيير الذي ننشده، والمتمثل في تغيير نظام المحاصصة واستبداله بنظام يعتمد المواطنية في اساسه. فهذه الرؤية غير واردة عند المتنفذين، الذين وجدوا في المحاصصة واعادة انتاجها فرصتهم في الوصول الى السلطة والاستحواذ على المناصب، التي تعني لهم المواقع الرسمية والوجاهة والامتيازات والصفقات.
ان من كان وما زال يتحمل مسؤولية في ارساء نظام المحاصصة والفساد، لا يمكن ان يتحول في ليلة وضحاها الى حامل للمشروع المدني ومروج له، وهو في الوقت ذاته يقف ضد تعديل القوانين التي تسهم في الخروج من نفق المحاصصة والفساد، ومنها قانون الانتخابات على سبيل الحصر.
ان للمشروع المدني انشطته المعروفة ووقفاته الشجاعة في الدفاع عن المواطنة والعدالة والانصاف، كما ان له وجوهه التي لم ولن تنجر الى ساحة الصراعات الطائفية، ولم ولن تتلوث بالفساد.