(خوش آدمي وما يبوك)، هو التكنوقراط كما عَّرفه مواطن بسيط في احد البرامج التلفزيونية، وذلك عندما كثر تداول هذه الكلمة وتركز الحديث عنها، وكأنها الحل السحري والبديل عن المسؤولين غير الكفوئين، وما اكثرهم، حيث فاضت بهم دوائر الدولة ومؤسساتها، بعد ان فرضتهم المحاصصة الطائفية والاثنية. حقا انه تعريف ذو دلالة عميقة، يستجيب لرغبة المواطنين في رؤية مثل صالح بعد ان ساد الخراب، ويلبي حاجة البلد لإنسان حريص ونزيه وامين على اموال الشعب يتحمل المسؤولية بشرف ونزاهة وقدرة على الادارة.
وهكذا هناك من يعرف المدني بالشخص الذي (لم تتلطخ ايادية بدم العراقيين ولم تتلوث جيوبه بمال الفساد)، ذلك بعد ان تكاثر ادعياء المدنية، من قبل رموز المحاصصة والفساد الذين نهبوا ثروات البلد وبددوا امكاناته. وتجدهم اليوم يسارعون بتأسيس واجهات سياسية بعناوين مدنية، استعدادا للانتخابات القادمة، في محاولة محسوبة لسرقة بريق التيار المدني، والاستحواذ على اصوات الناخبين الذين سئموا التحالفات الطائفية، وعزموا على اختيار البديل، وذلك بعد انحسار التأييد الشعبي لرموز المحاصصة والفساد. هي محاولة مدروسة لقطع الطريق على خطوات التيار المدني التنظيمية الملموسة.
لم يكن تعريف المواطن البسيط، آنف الذكر للتكنوقراط دقيقاً، هو ليس كما تعرفه القواميس السياسية والمناهج العلمية، لا علاقة بين التكنوقراط والنزاهة، لا يعني التعريف كذلك ان التكنوقراط لا يحمل اتجاهاً فكرياً، او ليس له ميل سياسي و انتماء حزبي. انما اراد الموطن في تعريفه ان يعبر عن الرغبة برؤية الشخص المناسب في المكان المناسب، بعد ان مَّل رؤية الفاشلين في ادارة المؤسسات الحكومية، في وقت ضياع المعايير الصحيحة في تبوء المناصب العامة. كذا الامر بالنسبة لتعريف المدني كما مر ذكره، فالحاجة باتت ضرورية كي يتصدر للمسؤولية شخصيات تحرص على الدم والمال العراقي، بعد تفشي الارهاب والعنف والتخندق الطائفي واتساع ظاهرة الفساد وازدياد عدد المفسدين.
جاءت افراح العراقيين بخبر اعلان الانتصار العسكري على داعش، من جانب استبشاراً بالخلاص من دوامة القتل والتهديد وعدم الاستقرار، ولرؤية بلدهم قويا قادرا على التصدي للإرهاب، ومن جانب اخر، تطلعهم الى بدء المعركة ضد الفساد التي طال انتظارها، حيث يئس المواطن من رؤية اي خطوة حقيقية للتصدي للفساد، اذ عبر المواطنون مرارا بان حملة التصدي للفساد لا تتعدى التصريحات الاعلامية، هدفها ذر الرماد في العيون. اذ لم تصل الملاحقات القانونية ابعد من حدود صغار الفاسدين، او الذين هربوا خارج العراق بعد ان ازكم فسادهم انوف المواطنين، وانفضحت صفقاتهم، بحيث يستحيل تغطيتها. لم تصل الحملة لغاية الان حتى الى تخوم رموز الفساد، الماسكين بالسلطة التي توفر لهم الحماية والحصانة.
الاخطر في الامر هي المحاولات الحثيثة لرموز المحاصصة والفساد لتصدر المشهد السياسي مرة اخرى، هذه المرة عبر اطر واحزاب وحركات وتحالفات مدنية مزعومة، مدنية الاسم والشكل طائفية المحتوى. الحذر من ان تنطلي الحيلة على كل (خوش آدمي وما يبوك)، وينتظم في احزاب وقوائم وتحالفات الفاسدين ويصبح واجهة لها.