بلا شك وتلك حقيقة معروفة في نفوس الكثير من جمهورنا الكروي ممن شاهد مباراتنا الأخيرة في كأس آسيا في دولة قطر بمختلف توجهاتهم الثقافية وانتماءاتهم الفكرية وعواطفهم النبيلة تجاہ بلدهم، كان في ظاهرہ يتمنى الفوز على الفريق الآخر لبلوغ الدور شبه النهائي، ولكن في دواخل عقله كان يتمنى العكس؛ حفظاً لماء الوجه ليس إلا وأن لا تنعطف الأمور إلى ما هو أسوء... وكي تعود حالة الهدوء إلى طبيعتها وتُكبح جِماح الفتن والمماحكة التي حصلت بين جمهور الفريقين في صفحات التواصل الاجتماعي من تنمر وإساءات بالألفاظ وتنابز بالقيم والأخلاق، جُلَّ من تناولوها هم من ضيّقي الأفق وقصيري النظر، كما طبّل لها ضيوف بعض البرامج التلفزيونية الرياضية الذين لا يمتلكون الروح الرياضية وفكرة تقبّل الخسارة بشكل سوي.
ومع أمنياتنا للفريق الأردني بالصعود للمباراة النهائية وحصد كأس البطولة كفريق عربي شقيق، نقول: ماذا سيجري لو أن الفريق العراقي فاز في هذه المباراة الجدلية الفاصلة...؟
فمدينة الدوحة العاصمة غصّت بجماهير عراقية غير مسبوقة وربما الأكثر بين جماهير الفرق الأخرى، صدرت من بعضهم بقصد أو بغير قصد تصرفات شائنة، لا تليق بسمعة وتاريخ العراق ولا بتاريخ الكرة العراقية، كانت مثار سخرية وتندّر من الجميع، ومثله الجمهور الآخر الذي لم يقل سوءًا في تهكّمه واستسخارہ، بعيداً عن الأهداف السامية للعبة... وربما هذه الحالة أحدثت غروراً في نفسيّة اللاعبين، كانت سبّباً آخر في تلك الخسارة إضافةً إلى الإجحاف الواضح من حكم المباراة. فالمعروف عن جمهور الفريقين إنهما جمهور مسالم ونموذجي، لم يبلغا في تصرفاتهما مبلغ الجمهور الإنكليزي المعروف بشغبه وتعصّبه حد الجنون والعنف في هذا المضمار.
ولو أن الفريق العراقي فاز، فما الذي سيجري في بغداد وباقي المدن من هرج في شوارعها ومرج في أحيائها من احتفالات زائفة تخرج عن المألوف وتخرج عن حدود السيطرة، اعتدنا عليها سابقاً في هكذا مناسبات، وكم من حوادث مؤسفة ستقع وضحايا ستسقط لا ذنب لهم...؟
ولو أن الفريق العراقي فاز، فكم بندقية كلاشنكوف ستخرج من مخابئها وتطلق عياراتها الهوجاء إلى عنان السماء لتسقط على رؤوس الأبرياء من غير ميعاد، ضحايا وضحايا آخرين...؟
ولو أن الفريق العراقي فاز، فكم من سياسي ومسؤول سيخرج علينا ويتبجّح بتبرعات عينية ومكافئات مالية وهميّة وأرقام فلكية للاعبين، سيقدّمها لا من جيبه الخاص بل من بيت المال العام لأغراض دعائية، بينما جمهورہِ الأقرب في ضورٍ وجروح...؟
ولو أن الفريق العراقي فاز، فماذا سيتلقّى الجمهور العراقي المقيم في الأردن من ردود أفعال وسلوكيات لا يُحمد عليها وكلمات لاذعة وجِراحات غير متوقعة، لا تُقدّم ولا تؤثّر من نتيجة المباراة، كما حدث عام 2007...؟
فالحمد لله... ثم الحمد لله... خسرنا بطولة كروية يمكن تعويضها في بطولات لاحقة، ولم نخسر مواطن تُزهق روحه بلا مُبرّر، وثروة وطنية لا تعوّض...!