يبدو أن الدولة العراقية، وأأكد "الدولة" وبكل مؤسساتها حتى غير السياسية والخدمية، وليس فقط الحكومات والأحزاب، هي من "تتآمر" على العراقيين وليس نحن من "نتآمر" عليها كما يتم اتهام بعضنا بين وقت وآخر، فحيناً نكون عملاء للشرق، وتارة للغرب، وأخرى للجنوب، ورابعة للشمال، على الرغم من أن "تآمرنا الافتراضي" لا يضر الدولة لكوننا غير مطلعين على أسرارها ولسنا أصحاب قرار فيها ليكون "تآمرنا" مؤثراً، على العكس منها -الدولة- فتآمرها علينا مدمر وقاسٍ وموجع وأحياناً مميت.
بداية أوضح أنني لست ملماً بالأمور الإدارية الرياضية وغير الرياضية حتى، كما أنني لا أتبنى توجهاً سياسياً أنطلق منه لانتقاد الاتحاد العراقي لكرة القدم، بل أتحدث بـ"حرقة قلب" لأنني مشجع كروي وأعشق كرة القدم منذ كنت في العاشرة من عمري، لذلك أرى أن من حقي توجيه الانتقاد أو التعبير عن رأيي.
من المفترض أن مؤسسات الدولة الرياضية ولكونها ليست سياسية ولا خدمية ولا تتعامل بشكل مباشر مع الجمهور الرياضي، لا تقدم سوى ما يسرّ العراقيين ويمتعهم، لكن يبدو الأمر مختلفاً إذا ما رأينا التخبطات والخطوات والقرارات المخجلة والمذلة التي تصدر عن "أفشل" اتحاد في تاريخ كرة القدم العراقية -أتحمل شخصياً وصفه بالأفشل ولا تبعات قانونية على الجهة الناشرة لهذا المقال-، هذا بشكل عام ككيان أو مؤسسة، وبالتفصيل فقد أثبت رئيسه عدنان درجال فشله كرئيس للاتحاد، وفشله كوزير سابق -ونحمد الله أنه أصبح سابقاً-، وفشله كإداري، فتخبطات الرجل لا تنم إلا عن إنسان وجد نفسه في موقع ومسؤولية ليس أهلاً لها بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وكل ما صدر من قرارات أو خطط -إن وجدت- يتحمل تبعاتها هو شخصياً وأيضاً أعضاء اتحاد الكرة لكونهم على ما يبدو لم يعملوا بجد على ثنيه عن المضي بهذه التصرفات "الصبيانية".
تخبطات درجال واتحاده تبدأ من الدوري العراقي الممتاز لكرة القدم وصولاً إلى المنتخبات الوطنية، فأول شعار رفعه درجال وأيده فيه أعضاء الاتحاد هو "الاستثمار" وهي خطوة عظيمة ومطلب تطالب به حتى الجماهير الرياضية لكونه يحرر الأندية وبالأخص الفرق الجماهيرية من "استعباد" الوزارات لهذه الأندية من ناحية التمويل المالي، لكن فلنرى هل قرارات درجال واتحاده تصب في هذا الهدف؟.
في الموسم السابق للدوري العراقي الممتاز لكرة القدم 2021-2022 والذي كانت أغلب منافساته في فصل الصيف العراقي "الدائم" وحين بلغت درجات الحرارة أكثر من 50 درجة مئوية، لجنة المسابقات في اتحاد الكرة حددت مواعيد معظم المباريات في أوقات الظهيرة وتحديداً الساعات: الثانية، الثالثة، الرابعة، الخامسة نهاراً، وهي ذروة درجات الحرارة في العراق عموماً، وما زلت أتذكر التصريح المنفعل لطبيب أحد الفرق الجماهيرية وهو يقول "حتى الحيوانات ما تطلع بالشمس بهذا الوقت، في العالم إذا وصلت درجة الحرارة 38 يتم إلغاء مواعيد المباريات"، وبالإضافة إلى المخاطر الصحية على اللاعبين والجمهور، هناك أمر غفلت عنه هذه اللجنة "العتيدة"، وهو أن حتى عشاق الكرة يفضلون مشاهدة مباريات فرقهم المفضلة من المنزل أو المقهى تحت نسمات أجهزة التكييف وفقط المهووسين بفرقهم يخوضون مجازفة حضور المباريات على المدرجات، مما يعني أن الشعار الرنان للاستثمار ذهب أدراج الرياح لكون الحضور الجماهيري يكون محدوداً في ساعات الظهيرة بسبب الحرارة، وحتى في الشتاء أيضاً يكون محدوداً لكون نسبة كبيرة جداً من المشجعين يكونون في وظائفهم وأعمالهم أو دراستهم أو لصعوبة وصولهم للملاعب بسبب الزحامات المرورية المتزامنة مع نهاية الدوام الرسمي، باختصار توقيتات سيئة وغير مجدية وتحرم الملاعب من مئات الملايين من الدنانير موسمياً التي يمكن أن تمول وتخدم الأندية والرياضة، وتكررت هذه التوقيات التي أسمح لنفسي بوصفها "غبية" في الموسم الحالي 2022-2023.
من تخبطات درجال واتحاده أيضاً دوري المحترفين "الافتراضي"، هذا الدوري الذي تم استنساخ معاييره وضوابطه من بعض الدول الخليجية والأوروبية، وهنا يبدو بوضوح أن درجال واتحاده لا يعيش الواقع العراقي إطلاقاً، فبالنسبة لدول الخليج هي دول غنية حكوماتها "تغدق" على الأندية والرياضة ولذلك كل فرقها الكروية مستوفية لشروط ومعايير الدوري الاحترافي، أما الدول الأوروبية فأنديتها تمتلك ثروات ربما تعادل أو تفوق الميزانية السنوية لبعض الدول، في حين الأندية العراقية والفرق الجماهيرية التي من الممكن أن تشكل مصدراً مالياً لموازنة الدولة ما زالت تستجدي وتتوسل الوزارات والحكومات وأصحاب رؤوس الأموال فقط لتأمين رواتب اللاعبين والكوادر التدريبية الزهيدة، فعن أي دوري احترافي يتحدث درجالنا واتحاده الفذ؟!.
أما على صعيد المنتخبات العراقية فيكفي أن نذكر القارئ والجمهور الكروي بأن المنتخب الأول تم تغيير مدربيه ست مرات خلال أشهر معدودة (كاتانيتش، ادفوكات، بيتروفيتش، عبد الغني شهد، راضي شنيشل، كاساس) ولا خلاف على أن لكل مدرب فكره وتخطيطه التدريبي واختياراته وتقييمه للاعبين، قد يقول البعض أن كاتانيتش تمت إقالته من تدريب المنتخب قبل تولي "اتحاد درجال" المسؤولية، وأذكرهم بأن عدنان درجال ويونس محمود كانا من أشد الناقدين والناقمين على كاتانيتش وكان عليهما إعادته لقيادة المنتخب لكونه قضى فترة طويلة مع اللاعبين وهو الأنسب لخوض ما تبقى من منافسات التأهل إلى كأس العالم 2022 في حينها.
أما اختيارات درجال واتحاده للمباريات الودية للمنتخب العراقي فقد كانت أقرب للتوسل والاستجداء والدليل الإهانة التي وجهها وفد المنتخب الكوستاريكي للاتحاد العراقي والجماهير العراقية والعراق عموماً رغم أنه قبض مسبقاً نصف مليون دولار من أجل أن يتكرم ويتواضع ويتحنن علينا لمواجهة منتخبنا ودياً في البصرة، وكان ما كان من إهانة وإذلال واحتقار حتى أن محافظ البصرة أسعد العيداني كتب غاضباً "لا أقبل إهانة العراق بهذه الطريقة وليذهب وفد منتخب كوستاريكا من حيث والى حيث".
درجال أثبت أنه لا يختلف عن غيره من السياسيين الذين لا هم لهم سوى تقاضي رواتب مليونية دسمة للغاية ترفع نسبة الكولسترول في الدم، ومناصب تمنحهم هيبة زائفة لتعوض عن شيء في نفوسهم، ومواكب ترافقهم أينما حلوا، ويبدو أن الرجل منشغل بالكرسي أكثر من كرة القدم.