مغادرة الرئيس الأسبق محمد خاتمي موقع الرئاسة عام 2005 وصعود الرئيس محمود أحمدي نجاد ختمت مسارات الحركة الاصلاحية في ايران التي تزعمها محمد خاتمي ورعاها هاشمي رفسنجاني ، بصعود نجاد بدأ دور "المعتدلين " وهم الأقرب لدائرة المرشد الأعلى من الاصلاحيين، وحتى ذلك الوقت كانت الجمهورية الاسلامية تتمتع بسلطتين سياسية تتمثل ب (الدولة) رئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها، وأخرى دينية تابعة لتوجيهات مكتب المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي بما فيها مؤسسات دولة مثل الاذاعة والتلفزيون والقيادة العامة للقوات المسلحةوغيرها، إضافة لمؤسسات الحرس الثوري وغيرها .
علي صعيد العلاقات الدولية كانت ايران تتمتع بمرونة عالية وتبادل أدوار مابين تصريحات مكتب المرشد، ومايصدر عن الدولة ممثلة برئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية التي حققت العديد من النجاحات في ملف العلاقات الدولية ومنها ملف النووي والحوار مع 5+1.
إتساع صلاحيات المرشد الأعلى وخصوصا بعد التحديث في الدستور الايراني الذي حصل عام 1989 وتمتعه بصلاحيات مطلقة على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، كانت البداية لتأسيس مرحلة جديدة في إيران تسعى لاختزال السلطات جميعها في سلطة المرشد الروحي بعد فوز ابراهيم رئيسي في الانتخابات الأخيرة حزيران 2021، رئيسي الذي يحظى بدعم المرشد السيد الخامنئي يُنهي الأشواط السياسية لايران الاصلاح والاعتدال، لتدخل مرحلة التشدد والسلطة الأصولية وهي تلتأم مع سلطة المرشد مختزلة الصوتين الى سلطة واحدة، وبأهداف تشتغل على إحياء مفاهيم الثورة ومنطلقاتها الأصولية وسياسة تصديرها خارج ايران، بمعنى آخر التضحية بالدولة من أجل أحياء الثورة بعد أكثر من أربعين سنة من انتصارها في ايران !؟
لم يكن مجيء السيد ابراهيم رئيسي لرئاسة جمهورية ايران بالتحول الدراماتيكي المفاجئ ، بل تحصيل طبيعي لمنع الاصلاحيين والمعتدلين من الترشح والمشاركة بالانتخابات ماجعل التوقعات تأتي متطابقة مع النتائج، عملية انتخابية مفرّغة من روح التنافس أنعكس بجلاء تام بانخفاض نسبة المشاركة للجمهور الايراني الذي أصبح قسما ً منه بمواجهة أزمة أقصاء سياسي يمنعه انتخاب ممثليه في الدولة، أزمة تضاف لبقية الأزمات جراء الوضع الاقتصادي الصعب والحصار المفروض على ايران واسقاطاته السلبية المباشرة على المواطن الايراني .
الرئيس الجديد ابراهيم رئيسي المتحول من سلطة القضاء الى رئاسة الجمهورية دون خلفية سياسية تذكر ، سيجد نفسه مطالبا بأجوبة عديدة تتعلق بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة داخليا، وكذلك الأزمات في العلاقات الدولية واشتراك ايران بملفات عديدة كالملف السوري واليمني والعراقي والموقف من اميركا والدول الغربية، والعقوبات المفروضة على ايران والتي طالته شخصيا في أوقات سابقة، اسئلة ستبقى معلقة بانتظار ماتسفر عنه مفاوضات فيينا !؟
دمج الدولة باللادولة أو بالدولة العميقة في مرحلة ابراهيم رئيسي سوف يضع ايران على سكة واحدة تقود للتصادم مع الغرب، بينما كانت ايران تناور عبر دوائرها السياسية التابعة للدولة وتعقد لقاءات غير معلنة لخلق مناخات للحوار والمصالح المتبادلة ، مايجعل الأوضاع مترشحة لأزمة جديدة وانغلاق أكثر بالعلاقات الدولية .