مشروعة هي الأسئلة التي تطرح هذه الايام عن جدوى بقاء دعاوى حسم موضوع الكتلة الأكثر عددا، التي قدمها الاطار التنسيقي، بعد ان ردت المحكمة الاتحادية في 25 كانون الثاني2022 دعواهم الأولى، التي تطعن في دستورية الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي.

عندما تتعمق قليلا في متابعة الأوضاع السياسية واختلاف المواقع بين اطراف الحكم، تجد ان رفع هذه الدعاوى ليس ناجما عن عدم فهم المواد الدستورية، ومدى تطابقها مع سير الجلسة الأولى لمجلس النواب التي عقدت نهار 9 كانون الثاني 2022، وانما لهدف واضح هو كسب الوقت، عسى وان تثمر اتصالات قادة الاطار التنسيقي مع السيد الصدر لأشراكهم جميعا في صفقة الحكم!

صحيح إن إشكالية إقرار الكتلة الأكثر عددا تبرز مع كل انتخابات، وتحتاج إلى تفسير دستوري حاسم في كل مرة. لكن في ما يخص الدورة الانتخابية الحالية، غدت المسألة محسومة لصالح كتلة التيار الصدري، التي فازت بأكبر عدد من المقاعد (74) كقائمة مُسجلة قبل الانتخابات. ومع محاولة الالتفاف عليها من قبل "الإطار التنسيقي" بتشكيل الكتلة الأكبر من تحالف يضم كتلا ونوابا فائزين وتقديم قائمة حملت تواقيع 88 نائباً، لم يتوان رئيس كتلة التيار الصدري في تقـدَيم قائمة لرئيس البرلمان المنتخب، تحمل تواقيع تفوق هذا العدد. وهكذا، سُجِّلتْ الكتلة الصدرية على أنها الكتلة الأكبر وحظيت بشرعيتها بعد تقديمها إلى الرئيس المنتخب، فيما لم يعاود "الإطار التنسيقي" تحديث قائمته للرئيس الحلبوسي.

وكان يمكن للأطار التنسيقي الاتعاظ برد المحكمة الدستورية المتوقع، والذي لا يحتاج الى فهم مختص بالقانون كي يستنتج الحكم ويترقبه، فان مهمات رئيس السن في الجلسة الأولى يحصرها الدستور العراقي بمهمتين لا ثالث لهما: الأولى هي إجراء بروتوكولي يتمثل في أداء أعضاء مجلس النواب المنتخبين القَسَم. والثانية انتخاب رئيس المجلس ونائبيه وفق المادة 54 من الدستور. كما ان صلاحية تسجيل الكتلة الأكثر عددا مناطة دستوريا برئيس البرلمان المُنتخَب.

يتضح بكل جلاء ان هدف الاطار من كل الدعاوى كان كسب المزيد من الوقت ليس الا، عسى ان ينفعهم في التفاوض مع السيد الصدر، خاصة وقد رافقت تقديم الطعون الى المحكمة الاتحادية في سير اعمال الجلسة الأولى ومخرجاتها، حملة إعلامية تحمّل الصدر مسؤولية "تصدع" البيت الشيعي، وتلوّح بضعف هذا البيت "امام البيتين الكردي والسني" اللذين بقيا موحدين! لكن هذا الادعاء المداهن لا يصمد امام الحقيقة الدامغة، حيث لا بيت كرديا او سنيا بقي موحدا.

ويبدو ان هذه الذريعة وغيرها لا تثني الصدريين حتى هذه اللحظة عن قراراهم عدم اشراك جميع اطراف الاطار بالحكومة، فهم يصرون على استبعاد المالكي من المشاركة، رغم استمرار الحملة الإعلامية التي وجدت أصداء ونوعا من التأثير في الأوساط الشيعية البسيطة، كالتخويف من اقتتال شيعي – شيعي، يأتي ضمن الحرب الإعلامية والنفسية بهدف أشراك الجميع في كعكة السلطة.

ان طغمة الحكم لم تُبال يوما باوضاع الناس، فهمّها المصالح الشخصية والحزبوية الضيقة، فيما فقراء العراق غير معنيين بصراع المتنفذين على السلطة. لقد ملَّوا هذه اللعبة السمجة. وهم وكل المواطنين يتطلعون الى فسحة من الهدوء والاستقرار والسلام والبناء والإعمار والتنمية وانهاء البطالة وتأمين العيش الكريم. وان ما ينتظره الناس فعلاً لا قولاً هو مكافحة الفساد والمحاكمة العلنية للفاسدين ومن بددوا ثروات العراق، وهو محاكمة القتلة اضافة الى حصر السلاح بيد الدولة وانهاء حالة الفوضى، وحماية العراقيين من بطش الإرهاب والسلاح المنفلت.