اتخذت حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم في الفترة التي سبقت انقلاب 8 شباط 1963عديدا من الاجراءات المتعسفة، التي خلفت الكثير من المرارة في اوساط جماهير الشعب. وكان من ذلك تضييقها على الحركة العمالية ومحاصرة قادتها، كما حصل للقائد النقابي علي شكر الذي جرى فصله من العمل، والقائد النقابي البصري هندال جابر الذي تعرض للاعتقال. كذلك محاربة الحركة الفلاحية، واضطهاد الحركة الطلابية، ومهاجمة حركة أنصار السلم ورئيسها عزيز شريف، والنيل من الحياة الحزبية، وإغلاق صحف الأحزاب التي انتقدت الإجراءات المذكورة.
وطبيعي ان هذا كله وفر مناخا مناسبا لتنفيذ المخطط الانقلابي.
اطلق الانقلابيون العنان لميليشيات الحرس القومي التي اسسها حزب البعث لضرب المعارضين وتثبيت الحكم، وتفاقم الارهاب المنفلت بعد اذاعة البيان رقم (13) المشؤوم الصادر عن مجلس قيادة الثورة، وهو الجهة التي نفذت الانقلاب وكانت مؤلفة من الضباط القوميين والبعثيين وابرزهم عبد السلام محمد عارف. وغدت صور القتل والتنكيل والاغتصاب ممارسات يومية يقترفها مسلحو الحرس القومي في مقراتهم وفي المعتقلات. وتكفي الاشارة هنا الى شهادة رشيد مصلح أحد رؤوس الانقلاب في كتاب "المنحرفون" حيث علق على ما ارتكبه الحرس القومي ومكتب التحقيق الخاص من جرائم بالقول "إن اليوم الذي شهد ولادة هذين الجهازين ليس من الايام التي تفخر بها البشرية، ولن يذكره التاريخ الا بشعور من الخجل والعار).
ومرت على شعبنا بعد انقلاب 8 شباط 1963 وعلى الحركة الاجتماعية بكل اشكالها والوانها ايام قاسية. فقد استشهد عدد كبير من المناضلين والناشطين، وصودرت الحريات وسحقت الكرامات وجرت انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. وترك ذلك اثره السلبي على انشطة وفعاليات الحركات الاجتماعية، التي تقلصت ساحاتها وقام الانقلابيون بملاحقة ناشطيها وعامة قادة ومنظمي الحركات الاجتماعية في سياق حملة تنكيل واسعة النطاق.
الا ان هذا كله لم يوقف كفاح القوى الديمقراطية من اجل انهاء الاوضاع الشاذة والتحول الى الحكم الديمقراطي، ولاطلاق سراح سجناء الرأي ونشطاء حركة الاحتجاج السلمية.
وسرعان ما نهضت حركة المقاومة الساعية الى القضاء على الفقر وتبعاته، والى تبني التعليم المجاني، ومكافحة البطالة، وتطوير الثقافة، وتحسين شروط الحياة، وتنشيط الاقتصاد، وتوسيع الممارسة السياسية. وانجذبت اوساط شعبية الى خوض النشاط الاحتجاجي, فلم يعد نشاط حركة الاحتجاج مقتصرا على النخبة التي برزت في هذا الجانب من النشاط.
ولم تقف الحركات الاجتماعية مكتوفة الايدي، ولم تنحن أمام الاستبداد والقسوة المفرطة ايام حكم عبد السلام عارف اللاحقة، بل حدثت اضرابات عمالية، ونشطت الحركة الطلابية التي امتازت بدقة تنظيم أنشطتها وتفعيل دورها وتوسيع نطاق عملها. ما مكنها في ما بعد من تحقيق نتائج كبيرة، كما حدث عام 1967عندما احرزت فوزا كبيرا فاجأ السلطات الحاكمة التي توهمت اندثار الحركة ودورها.
وهكذا يبقى الرهان على الحركات الاجتماعية في العراق في محله، خاصة الحركة الاحتجاجية المتصدية اليوم للمحاصصة والفساد، والمطالبة بالتغيير والاصلاح.