يوما بعد اخر، يتأكد فشل المشروع الطائفي الذي ارست معالمه القوى المتنفذة، الممسكة السلطة بعد عام 2003. وقد وجد هذا المشروع تعبيره سياسيا في إئتلافات طائفية، اعتمدت المحاصصة في تقاسم السلطة، ليسهل عليها البقاء وتأبيد وجودها فيها.
فقد عجز زعماء المحاصصة الطائفية عن تقديم اي منجز، وكان الاخفاق ملازما لأدائهم. وجعل مشروعهم الطائفي وحدة الشعب العراقي موضع تساؤل، فيما اصبحت وحدة العراق الوطن مهددة، وذلك وببساطة لان المشروع الطائفي يقسم المقسم، بسبب افتقاده قواعد العدل والانصاف، وقيامه على اسس الاستحواذ وتعزيز النفوذ والحزبية الضيقة والانانية. وهو بهذا لا تقتصر مفاعيلة المدمرة على الوطن والشعب، بل تطال كل مؤسسة تعتمد المحاصصة في بنيتها، سياسية كانت ام اجتماعية.
وحين لا يشعر عناصرها بالعدالة والانصاف، ويتحسسون اختلال المعايير، فمن المؤكد ان ينتابهم عدم الرضا والقلق، الامر الذي يولد نزاعات، تنتج عنها انقسامات وتشظ وتشرذم. لذلك نشهد تفكك الكتل والتحالفات والقوى الطائفية. ولم ينجُ حتى التحالف الوطني واطرافه من الانشقاقات، ولم تحمه منها اغلبيته البرلمانية، وسعة وجوده في مراكز السلطة. وامتدت الانقسامات كذلك الى القوى الممثلة فيه، كذا الامر بالنسبة للتحالف الكوردستاني، حيث يصعب على المرء ايجاد موقف موحد حول القضايا السياسية اليومية، دع عنك القضايا المصيرية. لكن التششت الاوسع كان من نصيب اتحاد القوى، بحيث لم يصمد مؤتمره الذي انعقد اخيرا في جلستين متزامنتين في بغداد واربيل، اكثر من خمسة ايام!.
في مقابل هذا ينشغل التيار المدني الآن في توحيد قواه ضمن اطار واسع، يشمل القوى والتنظيمات المدنية والشخصيات المستقلة، الليبرالية واليسارية. وذلك بعد ان قام بتحليل علمي للواقع، اوصله الى حقيقة ان اساس ازمة النظام الشاملة يكمن في بنيته الطائفية، ووضع في ضوء هذا رؤية تنطلق من مغادرة المحاصصة وبناء دولة المواطنة، الدولة المدنية - دولة الحريات والحقوق والضمانات الاجتماعية. وقد نشط في هذا الجانب، واسهم في حركة الاحتجاج السلمية التي بينت فشل وعجز المشروع الطائفي، وتحدى قدرته على تحقيق اي منجز لصالح الشعب. اما الملاحظة النقدية التي تطال التيار المدني في هذا المجال، فهي البطء والرتابة في الخطوات العملية الملوسة لبناء تحالفه الموعود.
ان ما يترقبه كل مناصري الدولة المدنية، ومعهم كل القوى التي تستشعر الخطر المحدق الناجم عن المحاصصة والفساد والعنف المنفلت، وبضمنها قوى الاصلاح والتغيير والاعتدال من كل الاتجاهات، هو رؤية مبادرة ملموسة تضيء مصابيح الامل، وتفتح افاق التصدي الناجح للمخاطر التي تواجه وطننا اليوم ووستواجهه غدا وبعد غد.