توضيح ضروري لمن لا يعرف وظيفة الادعاء العام العراقي، مهام هذا الجهاز متعددة لكن الأهم بالنسبة ليّ وللمواطنين أيضاً هو دور ووظيفة وواجب الادعاء في تبني القضايا التي لا يتبناها شخص أو جهة معينة، أي بمعنى أدق الدفاع عن الحقوق واستردادها وتحقيق العدالة للمغلوبين على أمرهم إذا جاز التعبير.
هذا الدور الدفاعي للادعاء العام العراقي لا نراه ولا نلمس له أي حضور، فهل سمعتم أو قرأتم يوماً أن الادعاء العام تبنى قضية مواطن مظلوم ارتكبت بحقه جريمة أو جرى التعدي على حقه أو تمت الإساءة إليه؟، بالنسبة ليّ لم أسمع ولم أقرأ عن ذلك رغم أنني أعمل في الصحافة منذ 20 عاماً.
من الضروري الاطلاع على الإطار التشريعي والقانوني لهذا الجهاز، وهو قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017
المادة 1
أولاً: يؤسس جهاز يسمى جهاز الادعاء العام ويعد من مكونات السلطة القضائية الاتحادية يتمتع بالاستقلال المالي والاداري ويكون مقره في بغداد.
المادة 2
يهدف هذا القانون إلى ما يأتي:
أولاً: حماية نظام الدولة وأمنها والحرص على المصالح العليا للشعب والحفاظ على أموال الدولة والقطاع العام.
وأتمنى على القارئ الكريم العزيز أن يدلني على قضية واحدة أو مبادرة واحدة من الادعاء العام أخذ دوره والتزم بواجبه في حماية نظام الدولة وأمنها ومصالح الشعب وحفظ المال العام.
هل بادر الادعاء العام لحماية نظام الدولة عندما انتهكت تركيا وما زالت السيادة العراقية بل أنها قتلت عراقيين في محافظة دهوك بقصف مدفعي استهدف أحد المصايف؟.
هل قام الادعاء العام بمطالبة الحكومات المتعاقبة برفع دعاوى قضائية في المحاكم الدولية ضد الدول التي كانت ترسل لنا الإرهابيين علناً وبعلم الأنظمة الحاكمة؟.
هل طالب الادعاء العام هيئة النزاهة بالتحقيق في قضية الأمانات الضريبية المعروفة بـ"سرقة القرن" وغيرها من السرقات والاختلاسات والفساد المالي والإداري؟.
نعود لقانون الادعاء العام:
ثانياً: دعم النظام الديمقراطي الاتحادي وحماية أسسه ومفاهيمه في إطار احترام المشروعية واحترام تطبيق القانون.
هل قام الادعاء العام بأي دور لدعم النظام الديمقراطي وحماية أسسه ومفاهيمه من الهجمات المتوالية على العملية السياسية في العراق بعد العام 2003 من قبل أنظمة خارجية وجهات داخلية؟.
ثالثاً: الإسهام مع القضاء والجهات المختصة في الكشف السريع عن الأفعال الجرمية والعمل على سرعة حسم القضايا وتحاشي تأجيل المحاكمات بدون مبرر لاسيما الجرائم التي تمس أمن الدولة ونظامها الديمقراطي الاتحادي.
وفي هذه النقطة لا أريد تسمية وتشخيص الأفعال الجرمية التي حدثت وتحدث علناً ويتم تصويرها وتوثيقها وبثها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لأنني حقيقة أخشى أن ذكرت فعل جرمي أو شخص قام بفعل جرمي أن يقوم الادعاء العام بالقيام بواجبه للمرة الأولى ضدي وأكون أول مثال تطبيقي لتنفيذ مهام الادعاء العام.
خامساً: الإسهام في رصد ظاهرة الإجرام والمنازعات وتقديم المقترحات العلمية لمعالجتها وتقلصيها.
من حقي أن أسأل متى ساهم الادعاء العام في رصد الإجرام والنزاعات وما هو دوره فيما يجري في جميع المدن العراقية يومياً؟.
سادساً: الإسهام في حماية الأسرة والطفولة.
متى ساهم الادعاء العام في حماية الأسرة والأطفال، وهل لديه أي دور حتى وإن كان تنظيري بخصوص التهديد الأخلاقي المتمثل بالفانشيستات، واليوتيوبر، والتيكتوكر، وغيرهم مما يُطلق عليهم جزافاً "مشاهير" والحقيقة هم أشخاص أقرب إلى الوباء الاجتماعي الخطير الذي يجب اجتثاثه؟.
بل المصيبة الكبرى أن وزارة الداخلية والتي شكلت لجنة مختصة بـ"المحتوى الهابط" والسلطة القضائية تحكم أحكاماً مضحكة وغير رادعة نهائياً والدليل أن بعض هؤلاء يُسجن وينهي محكوميته ويعود لنفس ما تمت معاقبته عليه وتتم معاقبته ثانية ويعود لنفس الفعل حتى اعتاد على السجن.
السلطة القانونية والسلطة القضائية لا تضع عقوبات رادعة لهؤلاء الذين يهددون ويضربون الأسرة العراقية من الداخل وعندما يريد أحدنا حماية أسرته وأطفاله من هؤلاء الوبائيين تتم محاسبته ومعاقبته من قبل القانون والقضاء، أي بمعنى لا القانون يحمي الأسرة وليس يُسمح لرب الأسرة بحماية أسرته، فأين دور الادعاء العام هنا؟.
وللأمانة فأن هيئة الإعلام والاتصالات كان دورها أكبر وأوسع وأنشط بكثير من الادعاء العام فقد منعت العديد من الشخصيات من الظهور في وسائل الإعلام بسبب تصريحاتهم المسيئة، وحتى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات دورها أفضل من الادعاء العام فقد قامت باستبعاد العشرات من المرشحين بسبب تصريحات طائفية أو مسيئة لفئات اجتماعية واعتبرتها مخالفة انتخابية وأقصتهم من قوائم المرشحين.
سابعا: الإسهام في تقييم التشريعات النافذة لمعرفة مدى مطابقتها للواقع المتطور.
أين دور الادعاء العام في تقييم التشريعات والقانونية العقابية ومدى مطابقتها للتطورات الإجرامية الجارية في بلادنا، هل قام الادعاء العام بمطالبة مجلس القضاء الأعلى بتشديد العقوبات على تجار المخدرات ومروجيها، بدلاً من الأحكام الحالية التي لا تتناسب مع خطورة هذه الجريمة، بل هل اقترح الادعاء العام إلغاء العقوبة على متعاطي المخدرات بهدف تشجيع المتعاطين على التعاون مع الأجهزة الأمنية أو التوجه إلى مراكز معالجة الإدمان دون خوف من السجن؟.
حقيقة أن لا أرى في الادعاء العام العراقي سوى حلقة زائدة لا فائدة لها وعبئاً مالياً على كاهل خزينة الدولة لا أكثر.