عند تناول إصلاح الامن المناطقي من أين يبدأ الإصلاح بالأمن المناطقي؟ ليس هناك ترياق جاهز للإصلاح، وعندما ضع نصب الاعين اصلاح مركز الشرطة يلزمنا الكثير من البحث المفصل والموضوعي والجريء في ذات الوقت، فالحديث عن إصلاح مركز الشرطة يقتضي النظر إلى العلة، ونتناولها هنا كعناوين عريضة ما هو إلا فاتحة ومدخل لذلك.
مركز الشرطة هو الحجر الأساس في الكيان الشرطي، والطليعة الأولى من قوة الشرطة التي تتصل اتصالاً مباشراً بالمواطنين، وهو ركيزة من ركائز الأمن في المجتمع والخلية الفاعلة في أداء الواجبات الأمنية المطلوبة
مركز الشرطة منذ العشرينات من القرن العشرين استمر على ما هو عليه حيث انه يعمل وفقا لاختصاصه (المحافظة على النظام والأمن الداخلي، ومنع ارتكاب الجرائم، وتعقيب مرتكبي الجرائم والقبض عليهم، حماية الأنفس والأموال من أي خطر يهددها).
أن أسباب الخلل هي حصيلة تراكم أخطاء ومصالح اختلطت باجتهادات تكونت واستقرت عبر مراحل ما بعد 2003، فقد يكون للإصلاح استحقاقاته ووقته، ولكن بعد عام 2003 مرت بمراحل وكالاتي:
1- قوات التحالف كان احد اهدافها اعادة تنظيم مراكز الشرطة وكان عددها في بغداد آنذاك 52 مركز ، وباشرت بإعادة تأهيل ( البنى التحتية ، والهيكل التنظيمي ، وتدريب الكوادر الادارية ،) وجعلت بغداد 9 قواطع ، وكل مدير منطقة ترتبط به مباشرة (مراكز الشرطة وقاطع النجدة والدوريات والحلراسات وشرطة المرور والاستخبارات الجنائية ) وكانت الخطى نحو اهداف بان تكون في كل منطقه الامن الشامل او وحدة الامن المناطقي ، عندما كانت تشرف عليها الشرطة العسكرية.
2- عام 2004و2005 كان اهتمام الوزارة بالتشكيلات القتالية (افواج الدفاع الوطني ) اما ادارات مراكز الشرطة كانت تدار من قبل الشرطة العسكرية الامريكية ،والتي لم تمتلك رؤية جنائية واضحة عن العراق .
3-عام 2007 عند تشكيل عمليات بغداد وبحجة وحدة القيادة، فبعثرت ادارات المراكز ووحدتها، واقحمت بتقييدات نتيجة ظروف العنف التي كانت سائدة.
4-عام 2008 بدا فكرة باتريوس بتشكيل (مركز امني) في كل منطقة وبلغ عددها في بغداد اربعون مركز، وتوحد جهود الامن والخدمات من هذا المكان، هدفها طمأنة المدنيين من الاعتداءات المسلحة عنهم، واسداء الخدمات المدنية بذات الوقت.
5-عام 2009 توسعت التشكيلات واتسعت الاستحداثات لمركز الشرطة حيث ( بلغت 92 مركز في بغداد ) اي ضعفي ما كانت عليه في عام 2005 بدون دراسة وعشوائية وبدون أي تحديث لمعداتها
6- واستمر الحال بالانشطار والتفرد بالمهام ، لا سيما ان تفرد كل من هذه الأجهزة بعمله وابتعاده عن التنسيق مع الأجهزة الأخرى من شأنه أن يؤدي إلى ضياع الجهود أو تناقضها في بعض الأحيان ، كان يكون تنسيق العمل المناطقي بمكافحة الجريمة بين دوريات النجدة والاستخبارات الجنائية والامن الوطني واية جهة ، واصبحت الاجراءات ارتجالية لا تستند لأي اساس او دليل عمل واضح المعالم والعشوائية بالعمل هي السائدة بالأداء
هناك نقاط اساسية تضع نصب الاعين عند التفكير بإصلاح الأمن المناطقي :
اولا : ان نضع قياس لمعرفه الاداء الامني الحقيقي وقياس الإنتاجية للأمن في العراق هو مراجعه الحوادث المهمة الارهاب والقتل والاغتيال والخطف والمخدرات التي وقعت للأعوام من (2004 لغايه 2020) ومقارنتها مع ما مكتشف منها والاحكام الصادرة بحق الاشخاص المقبوض عليهم، وبالتالي يمكن قياس الاداء الامني المهني، وليس بالتصريحات التي كنا نشاهدها يوميا ، نجد تزايدا ولا يوجد انحسارا للجريمة وعند مراجعة للوثائق الصادرة من الداخلية او الامن الوطني لم نجد ما يشير الى اية دراسة ميدانية او نظرية مدونة لتحديد المشكلات التي تسبب في الميل إلى الانحراف والجريمة ، او جدول سنوي يحاسب الادارات التي اخفقت بالأداء ، او ندوة او اجتماع بشان الحد من الجريمة وقرارات مدونه وواجبة التنفيذ ، هناك فقط الثرثرة واللغو بالكلام ، بعيدة كل البعد عن الاجراءات الامنية المتبعة في العالم ، او في دول الجوار على الاقل ،او حتى في اقليم كردستان ، هذه العقلية التي تدير الامن بطريقة غريبه اصبحت صاحبة القرار، ولهذا اصبح العمل عشوائي بمنع الجريمة ، في حين منع الجريمة علم ومهارات تكتسب بالممارسة والخبرة ،وليس (بزيادة عدد الجنرالات ومنح الرتب )
ثانيا : التشكيلات المناطقية الأمنية والاستخبارية ( الوضع الحالي الجزء لا يخدم الكل ) والتي تمارس مهامها في جغرافية مركز الشرطة ( ادارة المركز ، واستخبارات الداخلية ، ومكافحة الاجرام ، والشؤون الداخلية ، ومكتب المعلومات ، وجهاز الامن الوطني) إضافة الى الجهة الماسكة للأرض ، وقاطع النجدة وقاطع المرور وكلن يعمل وفق رويته بدون قيادة واحده للمنطقة بدون جهة مرجعيه تنسيقية ولا تربطهما روابط وتنسيق وتكامل
نستنتج من ذلك ان الامن المناطقي يعاني من المشكلات الاتية
لابد من الاخذ بنظر الاعتبار الحقبة التي تم بها اعادة بناء الأجهزة الأمنية بالعراق والظروف المحيطة بها بعد عام 2003، حيث كان هناك اندفاع غير مدروس لإعادة بناء الأجهزة في بيئة من العنف المتصاعد، وتحت ضغط القيود التي فرضتها المقاربة الامريكية المختلة وظيفياً لبناء المؤسسات والناتجة عن الافتقار إلى المعرفة المحلية ، وسرعة انضمام العناصر إلى هذه المؤسسات ، ومن جانب اخر هناك اجنده حاولت الأحزاب السياسية فرض الأشخاص المرتبطين بها تهدف بكسب الولاءات بالتعيين الاجمالي ممن يواليهم فكريا ، وتشكلت على الكم، وليس على النوع ، هذه العوامل مجتمعة جعلت من المؤسسات الأمنية غير كفؤه وصعبة التغيير، اضافة الى ان القادة العراقيون من جهتهم، فشلوا في معالجة الفوضى العارمة في القطاع الأمني.
1-غياب الهيكلية السليمة للإدارة والتنظيم مما ادى الى ردائه الخدمة
2-التعددية بالتشكيلات الامنية المتواجدة بالرقعة الجغرافية للمركز وغياب التنسيق بينهما
3-البنية التحتية للمنشاة والادارة وتوزيع القوة لا تتناسب مع العصر والمرحلة (غير ملائم للعصر)
4-عدم الوضوح بالسياسات والاجراءات
5-فوضى بأرشفة البيانات والمعلومات المناطقية
6-غياب التأهيل المهني الامني والاستخباري وتداخل المهام
وخلاصة القول
ولما كان تحقيق الأمن الداخلي من أولى أولويات الدولة الحديثة، لذا فان الطموح بتأدية الأجهزة الأمنية عملها بأسلوب عصري وحديث، وذلك بتغييرنهج الامن المناطقي بقيمها وآدابها وأسلوبها وسياساتها، وعصرنة الوسائل وتزويدهم بالمعدات والأجهزة التكنولوجية الحديثة، وتحديث مؤسساتها بأسلوب عصري وحديث من أجل اللحاق بركب التقدم لتمكنها من اداء مهام الامن، لا سيما ان كافة الموارد المادية والبشرية متاحة ،وبات من الضروري تكليف جهات وطنيه ليس لها مصالح سوى المصلحة العليا للوطن بأجراء التغييرات على الامن المناطقي ، وان يبدا الاصلاح افقيا وعموديا وتكون الاولوية افقيا
بتشكيل لجنة من ( برئاسة وزارة التخطيط / التطوير الاداري ، وعضوية واربعة ضباط شرطة متقاعدون ممن عملوا ضباط مراكز، واربعة ضباط مراكز بالخدمة حاليا احداهما من بغداد الكرخ والرصافة واثنان من المحافظات لاتقل خدمتهم خمس سنوات، ومدير تخطيط الوزارة ، وضابط من وكالة شوؤن الشرطة ، وضابط من الوكالة الادارية ، وضابط من استخبارات الداخلية ، وممثل من جهازالامن الوطني) مهام هذه اللجنة وضع الهياكل والمعايير والسياسات لهيكلة نموذج لوحدة الامن المناطقي كوحدة متكاملة نموذجي احداهما بالكرخ والاخر بالرصافة ، ليكونا قدوة ووفق قياسات زمنية تستبدل الاخرى تباعا ، والاشراف التطويري على تنفيذه خلال ستة اشهر منعا لتسويفه من قبل المتضررين والمنتفعين.