اسماعيل بيشكجي وصالح القلاب..وثالثهما عمار الحكيم الخارج من جلاب اجداده .
قد يتسائل القاريء ما وجه المقارنة بين هذه الشخصيات الثلاث ومالذي يجمعهم وهم من مشارب فكرية وسياسية مختلفة لا مشتركات بينها ؟ وهذا الكلام صحيح .. غير ان هناك قاسما مشتركا يجمعهم , يمكن من خلاله تكوين فكرة واضحة عما (تعانيه) وما (تتميز) به النخب السياسية والفكرية في المنطقة . في اتخاذ المواقف من منطلق المباديء العامة التي يؤمن بها الانسان , او من منطلق انتهازية المواقف وهزالها , وذلك من خلال رؤيتهم للملف الكوردي في المنطقة وتعاملهم معه . ودعونا نخوض في مواقف الشخصيات الثلاث هذه ولنبدا باسماعيل بيشكجي ومن ثم موقف الشخصيتين الاخريتين .
فمنذ ان ظهر السيد اسماعيل بيشكجي ككاتب ومفكر تركي لم يدخر جهدا في التاكيد على تاييده للقضية الكوردية في وقت كان الفكر الاتاتوركي القومي المتطرف يطغي على تركيا , ودفع ثمن ذلك سنينا كثيرة من عمره بين السجون التركية وبين النفي خارجها , ومع ذلك فقد بقي ثابتا على مواقفه تلك رغم ان الوضع الكوردي لم يكن بالشكل الذي يمكن تفسير مواقفه بانها كانت مدفوعة الثمن من قبل الكورد . ولا يزال السيد بيشكجي مستمرا لغاية اليوم في الدفاع عن حق الكورد في نيل كافة حقوقهم المشروعة في اجزاء كوردستان الاربعة .
اما فيما يتعلق بعمار الحكيم وصالح القلاب فهما يمثلان النخب العربية بتوجهاتها المختلفة التي تلعب فيها الخلفية الفكرية ومصالحها دورا كبيرا في اتخاذ المواقف بعيدا عن ثوابت المباديء والفكر الانساني . فالاول يمثل الخط الاسلامي المهادن لايران انطلاقا من الفكر المذهبي , والثاني يمثل القوميين العرب المناهضين لكل ما هو ايراني في المنطقة ولكل ما لا يتطابق تماما مع توجهاتهم العروبية .
ان موقف الطرفين هو موقف جدلي بامتياز , فحينما كانت الاحزاب الشيعية تؤيد التوجهات الكوردية في العراق كان القوميون العرب يعارضون تلك التوجهات بشدة , وعندما بدات الاحزاب الشيعية تعارض التوجهات الكوردية كما هو الحال الان , بدا القوميون العرب يؤيدون التوجهات الكوردية بكافة تفاصيلها , بالاعتماد على جدلية السلطة والمعارضة . اي ان مواقفهما لم تكن يوما نابعة من رؤية حقيقية للموضوع الكوردي ولا تنطلق من قناعاتهم المبدئية بالحقوق الكوردية , بل من مصالحهم الفئوية والحزبية .. والمفارقة الاغرب ان مواقف المعسكرين لا تستند الى رؤية الواقع العراقي الداخلي كحالة وطنية وانما تعتمد على توجهات الموقف الايراني في المنطقة , وبذلك شهدنا مؤخرا تصريحات لعمار الحكيم تعارض استقلال كوردستان , ومواقف منقطعة النظير لصالح القلاب تؤيد قيام دولة كوردية .
وهكذا انقلب صالح القلاب على افكاره القديمة بينما فقد عمار الحكيم حكمته السابقة في موضوع ينبغي ان تكون المباديء هي من تتحكم به وليست المصالح والاهواء . وهو الفرق بين الفكر الانساني الحر الذي يحمله اسماعيل بيشكجي وبين الفكر الانتهازي المقيت الذي تعاني منه النخب العربية اسلامية كانت ام قومية . رغم ذلك .. فكما كنا نشكر عائلة الحكيم على مواقفها السابقة من الكورد فاننا نشكر مواقف السيد صالح القلاب الحالية التي تؤيد القضية الكوردية مؤمنين بمقولة ( ان ياتي متاخرا خير من ان لا ياتي ابدا) .
ان تصريحات عمار الحكيم الاخيرة المعارضة لاستقلال كوردستان شكلت صدمه حقيقية للشارع الكوردي الذي كان يكن تقديرا خاصا لعائلة الحكيم , واثبتت بان الفتوى التي صدرت من جده محسن الحكيم في منتصف ستينات القرن الماضي بتحريم قتال الكورد كانت فتوى سياسية هدفها الوقوف بوجه الحكومة العراقية اكثر من كونها فتوى دينية تنبع من ايمان راسخ بمشروعية النضال الكوردي , ولو كانت النخب الشيعية هي من تحكم العراق حينها لما صدرت هذه الفتوى من محسن الحكيم بل اجزم انه كان سيفتي بالجهاد الكفائي ضد الكورد .
مشكلة النخب السياسية العربية انها ( شاطرة) في كسب الاعداء , فرغم المؤشرات التي تدل على ان الحالة الكوردية في المنطقة في تصاعد مستمر , الا انهم يصرون على معاداتها رغم ان الملف الكوردي لايشكل خطرا على الامن العربي بشكل عام , وبدلا من استثمار التطورات الجديدة في المنطقة لتدشين علاقات طبيعية متينة مع الكيانات السياسية الكوردية المستقبلية ( سواء كانت اقاليم او دول) نرى ان شخصا مثل عمار الحكيم يبدا في معاداتها , محاولا شيطنتها , والقول بان كل الدول تعارض قيام دولة كوردية ما عدا اسرائيل .. والسؤال الذي نريد توجيهه الى عمار .. ما ذنب الكورد ان كانت اسرائيل تبدع في كسب الاصدقاء وانتم تبدعون في كسب الاعداء ؟ العلة ليست في قيام دولة كوردية ولا بتاييد اسرائيل لها , بل العلة في ان احدى وعشرون دولة عربية لا تملك البعد السياسي الذي يدفعها للترحيب بالدولة الكوردية منذ الان خاصة وان العراق لا يعتبر الان دولة عربية بل ضيعة ايرانية بامتياز .
نحن ككورد نرحب بالموقف الاسرائيلي ونرحب بنفس الوقت بالقوميين العرب ان كان فيهم من يؤيد حقوق الشعب الكوردي , املين من الدول العربية ان تحذوا حذو اسرائيل في هذه القضية , لا ان يدفعها ايرانيوا العراق (امثال عمار الحكيم وغيره) للوقوف ضد قيام الدولة الكوردية واضافة الكورد منذ الان الى قائمة اعداء الامة العربية دون مبرر .