استهداف السفن التجارية الاسرائيلية من قبل الحوثيين في اليمن يعني انتقال الحرب الى مياه البحر الأحمر وباب المندب، وهنا إتساع نوعي للحرب، أي حرب تجارية عسكرية تستدعي من اسرائيل والقوات الأمريكية المتواجدة في النطاق الاقليمي الاشتراك فيها وإيقاف مصادرها لأنها تمس عصبا ً مهماً بالاالم، وأعني به الشلل التجاري وتهديد ناقلات النفط في التطور السياقي الأمر الذي يجعل شتاء العالم أكثر قسوة من العام الماضي حين توقف الغاز الروسي ويهدد بتطورات خطيرة قد تؤدي لتدمير شامل لليمن الفقيرة أصلا ، وبعض دول الخليج المصدر الرئيس للنفط في الشرق الأوسط .
تطور نوعي ينقلنا للحديث عن نجاح الاستراتيجية الايرانية بإمتلاكها مساحات مرنة لاستعراض قدرتها على إعاقة القوة العسكرية الامريكية الأولى بالعالم، بعد أن فتحت جبهات تمتد بأهم دول الشرق الأوسط جيوسياسيا ، من اسرائيل وأنفاق غزة وسطوح مدن فلسطين الى جنوب لبنان وجولان سوريا الى فصائل العراق التي صارت توجه عشرات الضربات لتواجد القوات الامريكية التي زرعت نظاما شريكا لكن التمدد الايراني حصد مازرعته امريكا بتمدده الولاء لايران ، كذلك وصولا لشواطئ البحر الأحمر وبحر العرب بعد البحر المتوسط .
تلك معطيات افرزتها أحداث شهرين من حرب غزة التي أعادت للأذهان توقع دخول العالم في حرب عالمية ثالثة ومازال قائما ًبعد شهرين من أحداث 7 اكتوبر 2023 وإنفتاح الحرب على آفاق أكثر تخريبا ً للمدن والبشر في إبادة لم تشهد مثيلا لها حروب الأرض كافة.
خطوط ردع ايرانية تتمثل في خمسة جيوش عربية تمتد على مراكز الشرق الأوسط حتى جنوب الخليج النفطي ، بعضها محترفة للقتال وأخرى عبارة عن ميليشيات متحركة بحدود مفتوحة بدءا من طهران حتى شواطئ الأبيض المتوسط غربا وبحر العرب والبحر الأحمر جنوبا والجنوب الغربي ، خطوط تعويق ايرانية بكلف قليلة وتسليح متيسر لكنه قادر على تهديد بوارج وسفن حربية وأخرى تجارية وحاملات طائرات وغيرها مما تمتلك قوات البحرية الأمريكية من وسائل اتصال وتقنيات متطورة جدا ، وكل ذلك يحدث دون مسؤولية قانونية تقع على ايران لأن ماحدث ويحدث بعيدا عن أراضيها ولم تتبن َقرارا رسميا بالحرب، أي تأخذ دور الموجه والمتفرج والداعم الإعلامي واللوجستي الذي يحدث بالغاطس الإجرائي وغير المنظور لكنه محط اتهام امريكي اسرائيلي معلن .
استراتيجية ايران تنجح عبر مسالك عقائدية تؤلف جماعات وميليشيات وفصائل مسلحة غير رسمية، تعمل خارج الغطاء القانوني للدول والمساحات التي تتموضع فيها ، وهذا بحد ذاته يمثل مشكلة بأوجه متعددة للولايات المتحدة الامريكية واسرائيل في واحد، وتتقاطع مع الاستراتيجية الامريكية التي تملك أعلى مستويات التجهيز والإعداد القتالي والماكنة الحربية الهائلة، مايعرضها للإحراج والهزيمة إذا ماتعرضت لخسائر كبيرة خصوصا ً في قطعاتها البحرية أو اعداد القتلى في المواجهات ، ووفق المعيار الامريكي فأن تكلفة اعداد وتسليح الجندي الامريكي تبلغ ارقاما ً كبيرة مقارنة بالمقاتل الحوثي أو الغزاوي او المنتمي للفصائل والميليشيات الأخرى .
ايران لاتريد خوض حرب مباشرة لأنها سوف تتعرض لتدمير لاتستفيق منه إلا بعد قرن من الزمن، وتجربة العراق ماثلة أمامها، بل هي ترغب في حرب استنزاف ومشاغلة طويلة الآماد الزمنية وفي بيئات مختلفة، بهدف تحقيق أكبر قدر من الخسائر بالجانب الامريكي في حرب تخوضها بالإنابة عنها ميليشيات وجيوش تترابط عقائديا مع ولاية الفقيه حتى إذا تطلب الأمر أن تخسرها في غزة أو اليمن أو سوريا، المهم أن تكون ايران بعيدة عن لهيب الحرب ودمارها الأكيد ،ومن هنا ليس من اليسير أن نتوقع نهايات قصيرة لهذا الصراع المسلح ، إلا في حال انتقلت الحرب لمركز القوة الدافعة وليس جيوش الإنابة، وهذا ماتسعى وتعمل على تحقيقه في توسعت الحرب وانتقالها للمصدر الممول الرئيس ،مستفيدة من تواجد القوات الامريكية وحلف الناتو ودعمهما لاسرائيل في حربها واحتمالية توسعها . والأيام حبلى بالأحداث .