شفق نيوز/ لم يكن 31 كانون الثاني/ يناير من العام 1987 تاريخاً عادياً في حياة الكورد ومسيرتهم النضالية الطويلة، مع رحيل إدريس بارزاني المفاجئ، والذي هو بمثابة أحد أبرز كاتبي الذاكرة الكوردية وسياسييها الأكثر نشاطاً وإيماناً برغم الموت الذي خطفه مبكراً.
وهناك ما يشبه الإجماع بين الكورد، على الدور الكبير الذي لعبه إدريس بارزاني، والد رئيس إقليم كوردستان الحالي نيجيرفان بارزاني، في بلورة القضية الكوردية ودفعها إلى الإمام، سواء بالعمل السياسي الدؤوب، وقاعات التفاوض الدبلوماسي، أو من خلال الكفاح المسلح والتضحيات.
ومنذ العام 1961 عندما حمل السلاح مع اندلاع الثورة الكوردية ومعركة هندرين، ومحادثات السلام في العام 1970 مع الحكم في بغداد، واتصالاته التنسيقية مع الإيرانيين، ومع الأمريكيين الذين فتح قناة التواصل الأولى معهم عام 1972، وثورة كولان التي ساهم في قايدتها بعد إعلان "اتفاقية الجزائر" مع نظام الشاه الإيراني.
ولهذا، يظهر إدريس بارزاني تارة بدور الدبلوماسي المفاوض، وتارة بلباس الكفاح المسلح، وهي تحولات لم تكن عبثية، وأنما تعكس إدراكه لمتطلبات كل مرحلة وامام كل تحدي، خصوصا عندما تكون عاصفة وتفرض مخاطرها على الكورد وقضاياهم وهو الذي كان يوصف بانه سواء من خلال حركته السياسية او العسكرية، يعكس مخزونا فكريا يؤهله للعب هذه الأدوار بجدارة.
وتتعدد الأوصاف والسمات التي تطلق على ادريس بارزاني، فهو نهل من إرث والده الملا مصطفى بارزاني، وهو لعب بكفاءة دوره في أيام السلم والحرب، وهو ممن اثرت بهم أيضاً الابادة البارزانية، وهو في الوقت نفسه "الدبلوماسي الكوردي الأول" فيما قام به من أدوار سياسية سواء في البيئة الداخلية للكورد وقواها السياسية والنضالية، او فيما يتعلق بالعلاقة مع أنظمة الحكم في بغداد وتحولاتها، او في العلاقة مع الايرانيين في طهران، او في واشنطن.
وهو أيضا من المؤمنين بفكرة "الثقة" التي تفتح الابواب للحلول والتسويات، تماما كنهج ابنه الان نيجيرفان في حركته السياسية ورؤيته للنجاح السياسي. وهو ايضا يتميز بنمط تفكيره الاكاديمي الطابع كما يروى عنه في كتاب "القاموس التاريخي: الكورد".
ويوصف إدريس بازراني ايضا بانه من "مهندسي" الجبهة الكوردستانية برغم ان قيامها اعلن بعد وفاته بشهور قليلة، وهي التي مهدت الطريق امام انتفاضة العام 1991.
كما يصفه كثيرون بأنه "البيشمركة الاول" وهو الذي خاض النضال المسلح في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وينقل عن احد العارافين بإدريس في تلك المراحل، انه كان مصرا دوما على استعادة الموروث النضالي الماضي لثورات بارزان ومدى الغنى المعنوي والاجتماعي للكفاح الذي كان يسير وفقا لمسارين متلاصقين وهما الفكرين العرفاني والتحرر القومي.
ولم يعرف عن إدريس بارزاني لا حياة الترف ولا الترفيه، ولا حتى منذ طفولته، ومنذ وعيه الاول كان منشغلا بهموم الكورد، وخصوصا النازحين منهم، وكان من العادي ان تراه يجالس القرويين بهدف الاستماع اليهم والاقتراب من معاناتهم ومطالبهم، ويتحدث بلهجتهم ومصطلحاتهم.
وتوفي إدريس بارزاني في 31 كانون الثاني/ يناير 1987 في بلدة سليفانا التابعة لمدينة أورمية في شرق كوردستان، ووري في الثرى الى جانب والده الزعيم التاريخي الملا مصطفى بارزاني في مدينة أشنوية.
وبعد انتفاضة العام 1991 وتحرير القسم الاكبر من ارض كوردستان العراق (جنوب كوردستان) أعيد جثمان ادريس بارزاني برفقة جثمان والده والأب الروحي للكورد مصطفى بارزاني الخالد في 6 تشرين الأول/ نوفمبر من العام 1993 الى كوردستان ليوارى جثمانهما الثرى في بارزان وليصبح مثواهما مزاراً ومرقداً يؤمه الآلاف من المواطنين سنويا.