شفق نيوز/ في كتابه الجديد تحت عنوان "كيف قوضت وكالة الاستخبارات المركزية" سلطة الولايات المتحدة، يستعرض البروفيسور البريطاني رودري جيفريز جونز سلسلة من الأحداث التاريخية حول العالم والتي تورطت فيها واشنطن منذ نحو 300 سنة، للتدخل الخارجي وتخطيط المؤامرات والعمليات السرية والانقلابات والاغتيالات، منذ التحرش عسكريا بحاكم امارة طرابلس الليبية، وصولا الى الانقلاب الإيراني وغزو العراق.
وقدمت صحيفة "الغارديان" البريطانية قراءة في كتاب المؤلف البريطاني، ترجمتها وكالة شفق نيوز، والمؤلف هو أستاذ فخري في التاريخ الامريكي في جامعة ادنبرة وسبق له ان نشر ثلاثة كتب اخرى حول عالم الاستخبارات.
"كوارث وانقلابات"
وأشارت الصحيفة الى ان كتابه الجديد تضمن اضخم عمليات وكالة الاستخبارات "سي اي ايه" واكبر كوارثها من الانقلابات التي كانت ضالعة فيها في ايران الى غواتيمالا، وحملاتها السرية الثقافية والسياسية لمواجهة الشيوعية في اوروبا الغربية في الخمسينيات من القرن الماضي، وصولا الى دورها في اسلحة الدمار الشامل التي لم تكن موجودة في العراق، وعمليات التعذيب خلال حرب الرئيس الاسبق جورج بوش على الارهاب.
وذكر التقرير البريطاني ان الكتاب يضم عددا لا يحصى من الحكايات المذهلة ويعزز استنتاجاته القاسية بأدلة حول التأثير النهائي لاعمال الاستخبارات المكلفة، مشيرا الى انه تبين ان "افتتان" الولايات المتحدة بالتجسس الباهظ التكلفة، يعود الى حقبة الرئيس جورج واشنطن الذي تمكن من اقناع الكونغرس في العام 1990 بإنشاء "صندوق طارئ للعلاقات الخارجية" لكي يتاح له ان يدفع نحو 40 الف دولار للجواسيس الامريكيين.
وبين انه بمرور ثلاث سنوات فقط على انشاء هذا الصندوق، تضخم حجم هذا الصندوق السري ليصل تمويله الى مليون دولار، وهو ما يمثل نسبة هائلة تبلغ 12% من الميزانية الاتحادية.
عملية طرابلس
ويوضح الكتاب ان المحاولة الاولى لـ"تغيير النظام" الاجنبي، وقعت بعد ذلك برئيسين فقط، عندما واجه الرئيس توماس جيفرسون القراصنة الذين كانوا يهددون خطوط الشحن الامريكية قبالة سواحل شمال افريقيا، وقام جيفرسون بتمويل محاولة عسكرية للاطاحة بحاكم ولاية طرابلس والذي كان قد تم تحديده على انه "المحرض الرئيسي" على ارتكاب هذه الجرائم البحرية.
ويكشف الكتاب ان وزارة الخارجية الامريكية أبقيت خارج هذه العملية العسكرية، فيما تولى 10 من ضباط وجنود البحرية الامريكية جيشا يضم 400 "متمرد"، ساروا بهم "لمسافة 500 ميل عبر الصحراء الليبية"، وهو تحرك حقق الهدف المطلوب منه، اذ اضطر حاكم طرابلس الى القيام بمبادرات من اجل السلام.
"الوحدة يو-1"
وفي الكتاب ايضا، يستعرض المؤلف البريطاني البدايات البيروقراطية لوكالة المخابرات المركزية الحالية، الى جهاز "الخدمة السرية" الذي انشيء في اخر مراحل عهد الرئيس الاسبق ابراهام لنكولن في العام 1865، وذلك من خلال "الوحدة يو-1" التابعة لوزارة الخارجية لاداء مهمات جمع المعلومات الاستخبارية خلال وقت السلم. كما يربطها الكتاب بمكتب التحقيقات الفيدرالي (الاف بي آي) الذي تأسس بقيادة ادغار هوفر بعدما كلفه الرئيس الاسبق فرانكلين روزفلت بتنسيق المعلومات الاستخباراتية حول امريكا اللاتينية.
ويقول الكتاب ان مكتب "اف بي آي" كان في ذروة نشاطه في تلك الفترة "يدير 360 عميلا في المنطقة".
ويلفت الكتاب الى ان التحول في مهمات التجسس الامريكية جاء عندما قرر الامريكيون انشاء "مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS)"، وذلك بهدف تنسيق نشاطات التجسس الجارية خلف خطوط العدو، من بلغاريا الى الدول الاسكندنافية خلال الحرب العالمية الثانية.
ويكشف الكتاب ايضا ان ويليام كولبي الذي سيصبح لاحقا مدير وكالة "سي آي ايه"، قاد في نيسان/ ابريل العام 1945، قوة من "مكتب الخدمات الاستراتيجية"، وفجر جسرا حيويا في النرويج، في اطار عمليات احتفت بها "هوليوود" من خلال افلامها.
مكتب الخدمات الاستراتيجية
ويتابع الكتاب ان مرحلة "مكتب الخدمات الاستراتيجية" كانت تشكل فصلا تعليميا مهما "لعدد كبير من جواسيس امريكا ما بعد الحرب"، الا ان الجانب السلبي لهذا النجاح في زمن الحرب، اعطى بعض الجواسيس الاحساس الزائف بالعصمة والقدرة المطلقة والخروج عن الالتزام بالنهج الاكثر هدوءاً والاكثر تفكيرا المطلوب من وكالة استخبارات حديثة.
عمليتان "كارثيتان"
وبحسب الكتاب، فإن مثل هذه المشاعر قادت نحو اكثر عمليتين للاستخبارات المركزية الامريكية كارثية خلال الخمسينيات من القرن الماضي، تمثلت الاولى بالاطاحة برئيس الوزراء الايراني محمد مصدق الذي اثار غضب رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل من خلال قراره تأميم شركة النفط الانجلو-ايرانية البريطانية.
وتابع الكتاب ان البريطانيين "جندوا" الرئيس الامريكي ايزنهاور كشريك لهم وسرعان ما تمت الاطاحة بمصدق، مضيفا انه عندما نصب البريطانيون والامريكيون محمد رضا بهلوي ملكا مطلقا على ايران، "كان الامر مشابه لفيلم معكوس للثورة الامريكية، حيث يعود الملك البريطاني جورج الثالث الى السيطرة" على الولايات الامريكية.
واشار الكتاب الى انه بعد الاطاحة بمصدق في ايران، فان وكالة "سي آي ايه" استهدفت جاكوبو اربينز الذي كان اول رئيس منتخب ديمقراطيا لغواتيمالا، وكان قد اعلن تأميم ممتلكات "شركة الفاكهة المتحدة"، لكي يوزع عائدات التأميم على الفلاحين في بلاده.
ولفت الكتاب الى ان خطوة رئيس غواتيمالا كانت "كارثية" لان وزير الخارجية الامريكي جون دالاس، وشقيقه الين الذي كان مديرا لـ"سي آي ايه"، كانا من المتعاملين في مجال المحاماة سابقا مع "شركة الفاكهة المتحدة".
واضاف ان مصير رئيس غواتيمالا تقرر بعد وفاة الزعيم السوفييتي جوزف ستالين في اذار/ مارس عام 1953، وقررت الولايات المتحدة تخصيص 2.7 مليون دولار لـ"تغيير النظام" في غواتيمالا.
وقال مؤلف الكتاب ان "سي آي ايه" تكون بذلك قد ابتكرت في عهد ايزنهاور "ما قد يكون اول برنامج امريكي للاغتيال على الاطلاق كأداة رسمية للسياسة الخارجية".
وتمكن الدكتاتور كارلوس كاستيلو ارماس الذي نصبته الولايات المتحدة، من قتل جميع خصومه بحلول العام 1957، وهكذا فانه تمت زعزعة استقرار غواتيمالا بالكامل منذ ذلك الحين.
وذكر الكتاب ان دور "سي آي ايه" في هاتين الواقعتين، محجوبا عن عامة الناس لسنوات عديدة، وظل ينظر اليها حتى اواخر الخمسينيات من القرن الماضي، على انها نجاحات كبيرة لدرجة كبيرة حتى ان وكالة "سي آي ايه" ربما اصبحت تشعر بثقة مزيفة ازاء الواقع بالكارثة الكبرى التالية، اي الغزو الفاشل لكوبا في خليج الخنازير.
"الشعوب غير الأوروبية لا حق لهم بالاختيار"
ثم في العام 1973، عندما شاركت "سي آي ايه" في الانقلاب ضد الرئيس التشيلي سلفادور الليندي، كان هذا التكرار الجديد لسياسة امريكا غير المعلنة في جميع انحاء العالم بعد الحرب العالمية الثانية "الشعوب غير الاوروبية غير مسموح لها باختيار ما يوده كثيرون منهم الحصول عليه، اي القليل من الاشتراكية والقليل من الرأسمالية، الى جانب الديمقراطية".
ويعتبر الكتاب ان المفارقة في ان هذه الثلاثية كانت في الواقع ما تبنته الولايات المتحدة لنفسها.
وختم تقرير "الغارديان" بالقول ان الكتاب يضم العديد من الصفحات التي تتناول دور "سي اي ايه" في كارثة فيتنام، وصولا الى عدم استعداد وكالة المخابرات هذه للوقوف في وجه نائب الرئيس الاسبق ديك تشيني وحلفائه "الصقور" عندما روجوا للادلة المضللة عن اسلحة الدمار الشامل في العراق.
وخلص الى القول الى ان الاستنتاج الاكثر اهمية الذي توصل اليه مؤلف الكتاب، ان وكالة المخابرات "اطلقت برنامج عمل سري برهن على انه بمثابة كارثة تتطور تدريجيا، وهو ما من شأنه ان يبعد غالبية دول العالم، ويدمر ادعاء امريكا بالقيادة الاخلاقية".