شفق نيوز/ انتقدت صحيفة "الجارديان" البريطانية، وزارة الموارد المائية في العراق لتقصيرها في التعامل مع تداعيات الجفاف الذي يضرب أراضي البلاد الخصبة ويحولها إلى صحراء قاحلة، مع عواقب مدمرة على حياة المزارعين الذين يشكلون 18% من السكان.
واستهلت الصحيفة البريطانية تقريرها، الذي نشرته اليوم الأربعاء، باللغة الإنجليزية، وترجمته وكالة شفق نيوز، بالقول إن الأرض الخضراء تتحول الى صحراء قاحلة في منطقة الهلال الخصيب في العراق، بسبب شح المياه، فيما يؤدي نظام الري الذي يبلغ عمره 8 آلاف عام، بالإضافة إلى سوء الإدارة، الى تفاقم آثار الجفاف وموت المحاصيل ونفوق الماشية.
وتناول التقرير البريطاني حكاية المزارع عبدالهادي مزهر الذي كان يحفر بئرا في مزرعته، بعمق 16 مترا في الأرض، لكن برغم هذا العمق لم تظهر قطرة مياه واحدة، مشيرا الى ان العراق شهد موسم صيف جاف، إلا أن عائلة مزهر المتواجدة في هذا المكان منذ اربعة اجيال وتعيش على زراعة القمح والخضروات وتربية الأبقار، تعتبر أن هذا العام كان استثنائيا بشكل خاص.
ونقل التقرير عن مزهر (35 عاما) قوله ان "الارض الخضراء تحولت إلى صحراء قاحلة. لا اذكر انني شاهدت شيئا كهذا خلال حياتي".
ولفت التقرير إلى تراجع بمستوى النصف المياه في نهري دجلة والفرات، حيث كانت ازدهرت حضارات بلاد ما بين النهرين القديمة على ضفافها قبل 8 آلاف.
وأشار التقرير البريطاني إلى أن المسؤولين الحكوميين يقولون ان السبب وراء ذلك هو انتشار مشاريع السدود المائية في المنابع في تركيا وإيران المجاورتين، ما يمثل مشكلة طويلة المدى لكنها تتفاقم في ظل سوء ادارة الموارد المائية والتراجع المتزايد في كميات الأمطار المتساقطة.
وبعدما ذكر التقرير أن العراق يعتبر الدولة الخامسة الأكثر تعرضا لازمة المناخ، وبانها في الوقت نفسه دولة غنية بالنفط بحيث إنها تحقق إيرادات بقيمة 10 مليارات دولار شهريا، الا انه اشار الى انتشار الفساد وفشل الحكومات في الاستعداد للتعامل مع ما يحذر الخبراء من أنه آت.
ونقل التقرير عن مهندس المياه العراقي نذير الأنصاري، وهو أستاذ في جامعة لوليا السويدية، قوله إن "المسؤولين لا ينظرون الى مستقبل البلد، وان كل ما يهمهم هو مدى استفادتهم من المناصب التي يشغلونها"، مضيفاً أن "الاشخاص الذين تولوا وزارة (الموارد) المائية، لا يتمتعون بالخبرة".
واعتبر الأنصاري، ان تساقط الامطار في العراق سيتراجع بنسبة 15-20٪ خلال القرن الحالي، وهو ما يعني ان المياه في نهري دجلة والفرات ستنخفض بنسبة تصل الى 73٪، وهو ما ستكون له تداعيات خطيرة على مستويات المياه الجوفية.
الا ان التقرير البريطاني اعتبر أن العواقب كانت مدمرة بالفعل على المزارعين الذين يعتمدون على مياه الأنهار، فعلي سبيل المثال، لم تحقق محاصيل مزهر خلال هذا العام النجاح المأمول، ما جعل عائلته المؤلفة من 13 فردا، بلا مداخيل مالية، وأجبره على البدء ببيع ابقاره الهزيلة مقابل مبلغ بسيط مقارنة بسعرها المعتاد.
ونقل التقرير عن مزهر قوله، ان "المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق الحكومة لتؤمن البنية التحتية.. ليس هناك تخطيط ولا دعم للمزارعين."
وبحسب التقرير فقد تدهور قطاع الزراعة طوال عقود بسبب الصراعات ونقص الاستثمار والاحتباس الحراري، في حين كانت هوامش أرباح المزارعين تتراجع بسبب زيادة تكاليف النفقات وأسعار الواردات الزراعية، مضيفا ان الحكومة العراقية وبدلا من لجوئها الى تطوير قطاع الزراعة، عمدت إلى تخفيض مساحة الأراضي المخصصة للزراعة بمقدار النصف العام الحالي في إطار تعاملها مع ظاهرة الجفاف، وهو ما يمثل ضربة مؤلمة للقطاع الزراعي الذي يشغل 18٪ من العراقيين.
ولفت التقرير إلى أن مزرعة مزهر تقع الى الغرب من مدينة بابل القديمة، التي نشأت امبراطوريتها خلال الألفية الثانية قبل الميلاد من خلال توسيع الملك حمورابي لشبكات الري خلال الحقبة السومرية، مضيفا ان العراق ما زال يعتمد على وسائل الري ذاتها.
وفي هذا الإطار، قال الأنصاري أن تقنيات الري المستخدمة حاليا والتي كانت تستخدم منذ 8 آلاف سنة، فإن معدلات خسارة المياه، مرتفع جدا.
واوضح التقرير ان مياه الري تتدفق عبر شبكة من القنوات المفتوحة، مما يؤدي إلى زيادة نسب التبخر عندما تتخطى درجات الحرارة 50 درجة مئوية خلال فصل الصيف. ويتابع التقرير أن المزيد من خسارة المياه تحدث عندما تصل المياه الى الحقول، اذ ان المزارعين يستخدمون تقنيات الاعتماد على فيضان المياه، بدلا من الري بتقنية التنقيط أو الرش الاكثر دقة وتوفيرا.
ويعود التقرير إلى مزرعة مزهر حيث ذبلت المحاصيل بما في ذلك العشب المخصص لاطعام الماشية، مشيرا إلى ان إحدى البقرات كانت هزيلة لدرجة انها لم تكتف من الوقوف بينما كان عجلها يستجدي الحليب الذي ليس بمقدورها انتاجه.
وقال مزهر مشيرا الى بقرته "انها الضحية الاولى، الا انني أتوقع المزيد بحلول نهاية الصيف".
ولان مزهر ليس قادرا على تحمل أكلاف العلف، فإنه عمد إلى بيع 11 من أبقاره البالغ عددها 17 مقابل أقل من 20 دولارا لكل منها، رغم أن سعر الواحدة يبلغ عادة ما بين 800 و 1000 دولار.
وختم التقرير البريطاني بالاشارة الى ان شح المياه تسبب في تفاقم التوترات القديمة بين المزارع الواقعة على قنوات الري، حيث تدور اتهامات بان تحويل المياه يتم بدرجة أكبر مما هو مقبول، ويقول مزهر الذي يشتكي من سوء التعامل مع مزرعته في هذا الموضوع، انه "لا توجد رقابة من جانب الحكومة لفرض عقوبات على الذين يفرطون في استهلاك المياه".
وخلص التقرير الى القول انه عشرات الآلاف من الناس في جنوب العراق نزحوا بالفعل بسبب شح المياه، حيث لجأ كثيرون إلى المدن المزدحمة التي تواجه قلة بالوظائف والخدمات وهو ما يثير الاضطرابات.
الا ان "مزهر" يرفض حتى الآن التخلي عن المزرعة ويقول "هذه ارض اجدادي."