شفق نيوز/ رسمت مجلة "ناشيونال انترست" الأمريكية مشهدا معقدا للتشابكات العراقية-الايرانية-الامريكية، مقترحة على واشنطن تناول "حبة الدواء المر" لان ايران هي بمثابة جار حتمي للعراق لا يمكن تجنبه، داعية صناع السياسة في واشنطن الى الاقرار بذلك وألا يركزوا على تفكيك قبضة ايران، وانما العمل على إضعاف نفوذها، حتى لو انسحبت القوات الأمريكية من العراق.
وبداية؛ قال التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ إن احدى النتائج الاستراتيجية الاكثر اثارة للسخرية والسلبية لغزو العراق العام 2003، للقضاء على نظام صدام حسين البعثي، هو تعزيز قوة إيران، وهي خصم لأمريكا أكثر قوة بكثير، مضيفا أنه رغم الأهداف الامريكية المعلنة حول رؤيتها للعراق، الا ان "قبضة إيران على العراق تعززت" من خلال الميليشيات الساعية الى طرد الولايات المتحدة والقوات الاجنبية الاخرى من البلد والمنطقة.
وبالاضافة الى ذلك، ذكر التقرير أن الصراع في غزة أصبح ساحة لوكلاء إيران الإقليميين، بما في ذلك الفصائل العراقية المسلحة، لمواجهة الولايات المتحدة واسرائيل عسكريا، وهو ما جعل العراق عرضة لخطر الانجرار إلى صراع أوسع وقدم لواشنطن خيارات تبدو غير محببة.
وبعد استعراض لتاريخ علاقة قادة جماعات المعارضة العراقية بإيران منذ الثمانينيات، بما في ذلك شبكة الميليشيات الوكيلة التي توسعت في مرحلة الاحتلال الأمريكي للعراق، ثم بعد ظهور تنظيم داعش، والتي تلاها تشكل قوات الحشد الشعبي التي تضم فصائل مسلحة تعمل كوحدات عسكرية في القتال بينما تنخرط بشكل علني في السياسة العراقية من خلال الانتماء الحزبي والعضوية في "الإطار التنسيقي".
واشار التقرير الى انه رغم مواجهتها العديد من التحديات والانتكاسات منذ العام 2018، إلا أن قوات الحشد الشعبي أظهرت قدرتها على التكيف والتغلب على القيادة الضعيفة والانقسامات الداخلية والهزائم الانتخابية وخسارة التأييد الشعبي، كما تحملت الضغوط الناتجة عن اغتيال قائدها ابو مهدي المهندس وراعيه الإيراني قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020، والإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
واعتبر التقرير أن الحشد الشعبي عزز موقعه داخل الدولة، وانجز نتائج مثيرة للإعجاب لمرشحيه في انتخابات المحافظات في كانون الأول/ديسمبر 2023، ووسع قدراته الاقتصادية، وقام بتنويع مصادر إيراداته، مشيرا الى ان الحشد الشعبي حاليا، يعكس نموذج الحرس الثوري، وهي نتيجة تنسجم مع أهداف إيران الاستراتيجية.
وبعدما قال التقرير ان العراق دفع ثمنا باهظا لدعم إيران للميليشيات وتوسيع نفوذها، بما تسبب في زيادة التوترات الطائفية واضعاف الحكومة المركزية، وفي ظهور معسكرين مؤيد لإيران وآخر مؤيد للولايات المتحدة، اعتبر التقرير ان النفوذ الايراني استدرج العراق الى صراعات اقليمية، وحوله الى ساحة معركة بالوكالة للتوترات.
وبرغم ذلك، قال التقرير إن "ايران هي الجارة التي لا يمكن تجنبها، حيث ان اقتصادها مرتبط باقتصاد العراق ومستقبلها مرتبط بشكل لا ينفصم معه، في حين ان العراق ليس بإمكانه تحمل العلاقات المتوترة مع إيران".
وبعدما لفت التقرير الى ان النفوذ الايراني الكبير لإيران من خلال صادراتها من الغاز للعراق، اوضح ان قضية واردات العراق من الغاز أصبحت متشابكة مع العلاقة العدائية بين الولايات المتحدة وإيران، في ظل خضوع مشتريات العراق للعقوبات المالية الامريكية، في حين تضطر واشنطن الى دوريا الى مراجعة العقوبات ومنح اعفاءات للمدفوعات العراقية لصالح ايران، لان انقطاع التيار الكهربائي يثير الاستياء بين العراقيين، بينما قامت حكومة محمد شياع السوداني في آذار/مارس الماضي بتمديد عقد العراق لشراء الغاز الطبيعي من إيران لمدة خمس سنوات اخرى، وهي خطوة من المحتمل ألا تثير الإعجاب من جانب واشنطن.
وفي حين اشار التقرير الى اتفاق العراق والولايات المتحدة حول الاستثمار في البنية التحتية للطاقة واستغلال الغاز العراقي المشتعل واستخدامه لانتاج الطاقة محليا وتقليل الاعتماد على إيران، قال التقرير ان المشروع الامريكي ثنائي الأهداف، والمتمثل في الدفع من أجل استقلالية العراق في مجال الطاقة وعزل إيران، "يبدو أنه لن يتحقق إلا بعد مرور سنوات".
المعضلات الأمريكية
وذكر التقرير أن التفاقم الحاد في التوترات الاقليمية ازاء الحرب التي شنتها اسرائيل على غزة، كان سببا في اثارة المزيد من التساؤلات حول جدوى الوجود العسكري الأميركي الذي استمر عقدين من الزمن في العراق.
وفي حين تناول التقرير الهجمات التي تعرضت لها القوات الامريكية في العراق وسوريا، بما في ذلك هجوم الأردن في يناير/كانون الثاني الماضي، والغارات الانتقامية التي نفذتها واشنطن ضد فصائل عراقية، ثم التوصل الى تهدئة، وتركيز الفصائل هجماتها حصريا على مواقع في اسرائيل، اشار الى ان الصراع في غزة والضربات الأمريكية الاخيرة في العراق، كانت تصب في مصلحة القوى المدعومة من ايران، لانها ساعدتهم على صياغة خطاب يضعف الأصوات المعتدلة.
وفي هذا الإطار، ذكر التقرير بأن الحكومة العراقية والولايات المتحدة شكلتا في يناير/كانون الثاني لجنة لصياغة جدول زمني لمغادرة القوات الامريكية العراق، مضيفا انه في داخل الولايات المتحدة هناك نقاش لا يزال مستمرا حول الحكمة من الاحتفاظ بوجود عسكري في العراق.
وأوضح التقرير أنه بينما يجادل المؤيدون بأن تكاليف الانسحاب تفوق فوائد البقاء لأغراض التدريب، ويحذرون من أن الانسحاب قد يؤدي إلى فك الانخراط السياسي لواشنطن، مما يؤدي إلى تراجع التقدم الذي أحرزته القوات المسلحة العراقية منذ العام 2014 بدعم امريكي ويجعل من الصعب مواجهة النفوذ الايراني، فان آخرين يعتبرون أن على واشنطن سحب قواتها او نقلها الى اقليم كوردستان، حيث يتم الترحيب بهم بشكل أكبر، مع الاستفادة من القوة الاقتصادية بدلا من ذلك.
وبالاضافة الى ذلك، يقول التقرير إن المؤيدين للانسحاب الأمريكي بالقول بأن القوة الأمريكية الصغيرة لا تتمتع بالفاعلية في منع إيران من فرض هيمنتها على العراق، وان وجود هذه القوة، يوفر لإيران وميليشياتها اهدافا سهلة، مما يهدد بحدوث المزيد من التصعيد.
وبعد الاشارة الى الترتيب العرقي والطائفي لتقاسم السلطة في العراق من خلال نظام المحاصصة، والذي وصفه بأنه رمزا لهيكلية سياسية معيبة تسببت بحرب أهلية طائفية، وترسيخ الفساد وخلل الإدارة، قال التقرير ان إيران تمكنت من استغلال الانقسامات الطائفية في هذا النظام بشكل استراتيجي لتحقيق مصلحتها الخاصة.
وتابع التقرير أن ما هو مؤكد أن العلاقة بين العراق وايران، تتسم بالتعقيد، مضيفا أنه برغم من ان السوداني تم اختياره من جانب قوى "الإطار التنسيقي" المقربة من ايران، الا ان ذلك لم يمنعه عن الاضطرار إلى التعامل مع القضايا الشائكة المتعلقة بإيران، بما في ذلك تقاسم المياه والنزاعات الإقليمية في الخليج، وتشديد الرقابة على الحدود لمنع التهريب والحد من تصرفات جماعات المعارضة الكوردية الايرانية المتمركزة في اقليم كوردستان.
واضاف التقرير انه في ظل الصراع في غزة، فقد جرى دفع العراق الى وسط حرب الوكالة بين إيران والولايات المتحدة، وأنه في ظل انخراط الجماعات المسلحة العراقية في الصراع من خلال شن هجمات ضد المنشآت العسكرية الامريكية من داخل العراق وضد اهداف اسرائيلية، فان المخاطر والعواقب بالنسبة للعراق تتصاعد.
ولفت التقرير إلى أن هذا الوضع ادى الى تسليط الضوء على العديد من القضايا المثيرة للجدل، بما في ذلك التداعيات الامنية للدور الأمني الأمريكي في العراق، خصوصا فيما يتعلق بما إذا كانت فوائد الوجود المستمر للقوات الأمريكية، تفوق المخاطر التي يواجهها اي من الطرفين.
وخلص التقرير الى القول انه بينما يبحث صناع القرار في الولايات المتحدة في تحديد اتجاه السياسة تجاه العراق، فإنه سيكون من الحكمة بالنسبة لهم ألا يركزوا على تفكيك قبضة إيران على العراق، وانما على إضعاف نفوذها، وأن يدركوا ايضا ان ردود الافعال المتمثلة بالتحرك الأميركي ضد جماعات "المقاومة الاسلامية" قد فشلت في تعديل سلوك هذه الجماعات أو الحد من نفوذها في العراق.
ودعا التقرير صناع السياسة الى الاعتراف بان العراق يواجه تحديا واضحا في ادارة علاقته المتشابكة بشكل وثيق مع ايران، وهي شريكه التجاري الرئيسي، واللاعب الخارجي المهيمن في المشهد الامني العراقي، والمنخرط منذ فترة طويلة في "حروب الظل" مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين.
كما دعا التقرير الى الرهان على أن الفصائل السياسية التابعة لإيران رغم مواردها المادية وقدرتها على الصمود، فإنها تشهد تراجعا في التأييد الشعبي لها، وتفشل في توسيع قاعدة ناخبيها، بالإضافة إلى وجود انقسامات متزايدة داخل الكتلة الشيعية، وهو ما يمكن أن يقوض نفوذ إيران.
وبكل الاحوال، رأى التقرير أن تقليص النفوذ الايراني يستدعي تعزيز مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في العراق. واضاف انه رغم ان واشنطن قد تكون بمواجهة خيارات غير محببة أما بسحب قواتها العسكرية او الاحتفاظ بها، وفي ظل كل المخاطر المرتبطة بذلك، فإنه حتى رحيل الجنود الامريكيين لا ينبغي ان يمنع واشنطن من الاستمرار وربما تعزيز انخراطها السياسي والاقتصادي في العراق، الى جانب تشجيع حلفائه الغربيين والشركاء العرب على أن يتبعوا خطاها.
ترجمة: وكالة شفق نيوز