شفق نيوز/ تناولت مجلة "فورين بوليسي" الاميركية الواقع المعيشي المزري الذي وصل إليه السوريون بسبب العقوبات والتطويق الأميركي لها، مستعرضة جملة من العوامل التي ساهمت في دفع أكثر من 80 في المئة من السكان الى ما دون خط الفقر، ووصول أكثر من 9 ملايين سوري الى حالة عدم اليقين من تأمين وجبة الغذاء.
وفي تقرير تحت عنوان "سوريا الاسد تبدأ بالمجاعة كعراق صدام"، تناولت المجلة الأميركية كيف ان العقوبات الاميركية، متضافرة مع سلسلة أخرى من الاسباب، داخلية وخارجية، في دفع سوريا نحو المجاعة.
مليارات مقيّدة
وذكّرت المجلة بالأضرار التي ألحقتها الحرب الاهلية خلال تسعة أعوام، بالبنى التحتية في سوريا، وتأثر الإنتاج الغذائي وموارد الطاقة والصناعات، وكيف أن الاقتصاد السوري، المرتبط بالاقتصاد اللبناني، تعثر لفترة ما، لكن مع بداية العام 2020، ومع انهيار السياسة النقدية في لبنان وفرض قيود على الودائع البنكية في المصارف اللبنانية، فان مليارات الدولارات المودعة من قبل رجال أعمال سوريين، تم تقييدها.
حتى ان الرئيس السوري بشار الأسد قال مؤخرا إن البنوك اللبنانية تحتجز ما لا يقل عن 20 مليار دولار من أموال السوريين، والتي لو أنها كانت متاحة للاستخدام، لكان بامكانها ان تحل الازمة الاقتصادية السورية، بحسب المجلة الاميركية.
طوابير الخبز
وحفلت وسائل التواصل الاجتماعي بصور من مشاهد مئات السوريين يصطفون بطوابير أمام المخابز للحصول على الخبز المدعوم، أو ينتظرون لساعات أمام محطات البنزين، فيما يشتكي المواطنون من أسوأ أزمة غذائية في بلادهم حتى الان.
واستنادا إلى برنامج الغذاء العالمي التابع للامم المتحدة، فان 9.3 ملايين سوري، صاروا غير قادرين عن تأمين وجبتهم الغذائية الثانية، بزيادة قدرها 1.4 مليون إنسان خلال الشهور الستة الاولى من العام الحالي.
وبالاضافة الى ذلك، ففي شمالي شرقي سوريا، المنطقة التي توصف بأنها بمثابة سلة الخبز الغذائية لسوريا، تحت سيطرة كورد قوات سوريا الديموقراطية، المتحالفين مع الولايات المتحدة، ما زال يتحتم التوصل الى اتفاق بينهم وبين الحكومة حول إمدادات القمح. وقد كانت سوريا من الدول المصدرة للقمح في ما مضى، لكنها باتت الآن تعتمد على شحنات القمح من روسيا لكن حتى هذه المساعدة الروسية تعثرت لان موسكو، بسبب جائحة كورونا، قررت تقليص صادرات الطحين الى الخارج والاحتفاظ بمخزون داخلي كبير تحسبا للتداعيات الغذائية للجائحة.
جوع وابتزاز
ولزيادة الطين بلة، فإن العقوبات الاميركية على قطاع الغاز والنفط، يعني أن النفط الخام الإيراني وحده الذي يدخل الى سوريا. وبسبب نقص هذه المادة الحيوية، فقد كان تأثيرها مضاعفا على قطاعات الزراعة والطاقة والأعمال المحلية.
والآن، هناك أكثر من 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، ودفعت الحاجة للضرورات المعيشية إلى زيادة في نسبة الجريمة، ونشاط عصابات التهريب وتجارة السلاح والمخدرات بالاضافة الى عمليات الخطف من أجل الابتزاز المالي، في العديد من مناطق البلاد.
وذكرت "فورين بوليسي" ان "هناك مقارنة مزعجة تجري الآن: عما إذا كانت العقوبات ستكون وحشية ومدمرة لسوريا كما كانت في العراق قبل عقدين من الزمن. وهناك جدل حول الارقام، لكن طبقا لإحدى الدراسات، فإن نصف مليون طفل عراقي يعتقد أنهم ماتوا بسبب العقوبات التي قادتها الولايات المتحدة. وظل صدام حسين ديكتاتوريا مثلما كان دائما، وتمت الاطاحة به بعد سنوات من المعاناة فقط عندما هاجمت الولايات المتحدة مستخدمها قوتها العسكرية".
عقوبات نزبهة
اما العقوبات المطبقة هذه العام وفق ما يسمى "قانون قيصر" فإن هدفها أيضا إجبار النظام على تغيير سلوكه تجاه شعبه، وقال دبلوماسيون غربيون لـ"فورين بوليسي" إن العقوبات هي وسيلة النفوذ الغربية الاخيرة على الأسد للضغط عليه من اجل اطلاق سراح المعتقلين وضمان عودة اللاجئين والقبول بمصالحة سياسية التي، إن طبقت بشكل نزيه، ستقود الى إخراجه من الحكم.
ويعتبر هؤلاء الدبلوماسيون بحسب المجلة الأمريكية، أن المساهمة في دفع اموال من اجل اعادة اعمار سوريا، بما فيها البنى التحتية كمحطات الطاقة وشباك الري الضرورية لضمان الأمن الغذائي والحياة اليومية، ستكون في نهاية المطاف، مساهمة في تعزيز القمع الذي يمارسه النظام، وانهم لا يريدون أن يسمحوا للأسد بالنجاح في ذلك، على الأقل ما لم يقم بتنازل كبير.
وفي المقابل، فان هناك من يعتقد أن العقوبات لا يمكنها أن تساهم في إصلاح الأسد، وهي تساهم فقط في معاقبة الشعب السوري نفسه، مشيرين إلى أنه كما في العراق، فان المواطنين السوريين يتحملون العبء الاكبر للعقوبات بينما الاسد وحاشيته لا يعانون لا من نقص في تأمين الغذاء ولا الوقود، وانه يتحتم على الولايات المتحدة في المقابل، ان تتخلى عن سياسة الضغط الاقصى، وتستبدلها بخيارات التخفيف التدريجي في العقوبات كلما جرى تنفيذ أحد المطالب.
عقوبات قصوى
وقالت بينت شيلر، رئيسة قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا في "هينريك بول فاودنيدشين"، أنه ما من خلاف حول العقوبات التي تستهدف حلفاء الأسد، لكن العقوبات الاميركية تخلف تأثيرا سلبيا على الناس العاديين، وهي قائمة على "منطق العقوبات القصوى".
تنقل المجلة عن سيدة عراقية تدعى زهراء مطر (55 سنة)، وتلقب باسم "زهراء دولارات" لانها كانت تهرب العملة الاميركية الى داخل العراق في ذروة العقوبات على صدام حسين، ذكرياتها مع تلك المرحلة الصعبة، وتقول إن "الاطفال بدأوا يموتون بسبب النقص في الادوية والإمدادات الطبية في المستشفيات خلال سنوات العقوبات.. الناس كانت تبيع مقتنياتها مثل المفروشات والحديد.. وأي شيء بامكانهم بيعه من أجل البقاء على قيد الحياة".
قيصر يعاقب المواطنين
وفي سوريا، حتى في المعارضين للنظام، بدأوا يقولون إن العقوبات على الغاز والنفط وقطاع البناء، تلحق الاذى بالناس اكثر مما تفعله بالنظام. في القنيطرة في الجنوب السوري.
يقول ابو مشعل (29 سنة) وهو أب لثلاثة اطفال، انه بالكاد قادر على تأمين المازوت لتوفير الدفء لعائلته، وانه في هذا الشتاء يقوم بحرق النفايات والبلاستيك، مضيفا أن "العقوبات تجعل السلع أكثر كلفة على الأناس العاديين.. ولا اعتقد ان مسؤولي النظام السوري وعائلاتهم، ينامون وهم جوعى او يشعرون بالبرد".
وخلصت المجلة الى القول ان الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن يواجه تحديا يتمثل في منع وقوع المجاعة في سوريا ومساعدة الناس على النهوض بحياتهم، من دون أن يساهم في مساعدة الأسد.
واضافت ان "شعور الذنب" الذي يشعر به زملاؤه عندما كان ضمن ادارة باراك اوباما الذي جلسوا يشاهدون الحرب السورية تتحول الى فوضى، سيدفعه للاهتمام بجدية بالازمة السورية. لكن أين ستحتل سوريا قائمة أولوياته كرئيس جديد، هي مسألة أخرى.