شفق نيوز/ مع حلول "اليوم العالمي للمرأة"، لا تيأس النساء في العراق، من محاولات الانخراط في قطاعات العمل المختلفة، رغم الانتقادات التي يواجهنها من المجتمع الذي تتحكم فيه العادات والتقاليد العشائرية والذكورية.
ويوافق الثامن من آذار/ مارس من كل عام "اليوم العالمي للمرأة"، وفي هذا اليوم تنظم الفعاليات والأحداث حول العالم تكريماً لإنجازات المرأة، ورفع الوعي السياسي والاجتماعي بقضاياها.
وتخرج في العديد من المدن مسيرات وتجمعات ومظاهرات، وتمتلئ الشوارع في بعض هذه المدن باللون الأرجواني الذي يرتبط بحقوق المرأة.
وأصبح اليوم العالمي للمرأة حدثاً سنوياً منذ 113 عاماً. وكان نتيجة حراك عمالي لأكثر من 15 ألف امرأة عام 1908 خرجن في مسيرة احتجاجية بشوارع مدينة نيويورك الأميركية، وطالبن بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور والحصول على حق التصويت في الانتخابات.
وبعد مرور ستة عقود تقريباً على خروج المرأة للشارع لتطالب بحقوقها، اعتمدت الأمم المتحدة رسمياً الاحتفال باليوم العالمي للمرأة عام 1975، حيث دأبت على اختيار موضوع له كل عام.
وتعاني المرأة العراقية من تحديات كثيرة من تسلط العقلية الذكورية عليها والتمييز وعدم تمكينها، لكن الكثير من الشابات بدأن بكسر قواعد العمل الشاق، مثل الناشطة المدنية سرور عبدالكريم الحسيني، التي اختارت علاج الجرحى أثناء معارك تحرير الموصل 2016 - 2017، ومن ثم المشاركة بعمليات انتشال الجثث.
من علاج الجرحى إلى انتشال الجثث
تقول الحسيني لوكالة شفق نيوز، "أثناء معارك تحرير مدينة الموصل، قُصف دارنا في الجانب الأيمن، وأصيبت عائلتي واستشهدت أختي، وكنتُ حينها قد هربتُ إلى الجانب الأيسر قبل ثلاثة أيام، الذي استعادته القوات العراقية من تنظيم داعش".
وتضيف، "لكن عندما علمتُ بقصف دارنا عدتُ أدراجي إلى الجانب الأيمن حيث المعارك الجارية، لأرى عائلتي، وبعد عناء كبير وصلتُ إليهم وساعدتهم بالذهاب إلى الطبابة العسكرية لتلقي العلاج".
وتصف الحسيني المشهد في الطبابة العسكرية، "شاهدتُ الكثير من الجرحى والشهداء من المدنيين والعسكريين، وحتى من النساء والأطفال، وبعد تلقي عائلتي العلاج أرادوا دفن أختي في حديقة وبعد انتهاء المعارك يتم تحويل جثمانها إلى مقبرة، لكني رفضت وطلبتُ من الجنود السماح بدفن أختي في المقبرة، وعرضتُ عليهم العمل معهم في إنقاذ الجرحى مقابل مساعدتهم لي بدفن أختي في المقبرة".
وتكمل حديثها، أن "الجنود وافقوا على طلبي بشق الأنفس، وتم إخراجنا بسيارة إسعاف إلى الجانب الأيسر، وبعدها بثلاثة أيام عدت إلى الطبابة للإيفاء بوعدي للعمل كمتطوعة لإنقاذ الجرحى، وباشرت العمل معهم كرد للجميل وسط استغراب منهم، إذ كانت الظروف في حينها صعبة ورائحة الموت في كل مكان، لكن سرعان ما أحببت هذا العمل رغم خطورة التواجد في ساحات المعارك، واستمر عملي 5 أشهر إلى أن تم تحرير الساحل الأيمن والموصل بالكامل".
وتوضح الحسيني، أنه "أثناء إنقاذي للجرحى لاحظت أن أغلب المواطنين ليس لديهم معلومات كافية حول الإسعافات الأولية، لذلك قررت إعطاء دروس تعليمية مجانية، وتم تخريج 400 مسعف ومسعفة".
وتتابع، "وبعد زيارة المنطقة القديمة وجدت أعداداً كثيرة من الجثث المنتشرة في كل مكان، دون وجود عمل جدي لانتشالها من الدوائر الحكومية المعنية سوى البلدية، وكانت كوادرها قليلة، لذلك قررت تقديم المساعدة وشكلتُ فريقاً من المتطوعين مكوّن من 5 أشخاص في البداية، وبدأنا ننتشل الجثث بعد استحصال الموافقات الرسمية، وبعدها أصبح الفريق يضم أكثر من 30 متطوعاً، وهذا الإقبال من المتطوعين يأتي رغم وجود الكثير من الإعاقات من الرائحة الكريهة والخطر والمخلفات الحربية، وبعدها انضم الطب العدلي في الجهد وأصبح عملنا مشترك معهم ومع البلدية، وتم انتشال أكثر من ألف جثة خلال 5 أشهر فقط".
وتشير إلى أن "الفريق التطوعي شارك أيضاً بالعمل في دائرة أحوال الموصل (الجنسية) لمساعدة الموظفين في توزيع الهويات التي كانت حاصلة أزمة في حينها، كما للفريق التطوعي الكثير من الأعمال الإنسانية الأخرى مثل تنظيف وتأهيل مصنع النسيج في الموصل".
وتبيّن قائدة الفريق التطوعي، أن "الفريق يتكوّن حالياً من أكثر من 20 متطوعاً، وقد حصل على لقب أفضل فريق تطوعي لعام 2020، في المسابقة التي أجرتها وزارة الشباب والرياضة للمتطوعين".
اعتلاء خشبة المسرح "عيب"
قصة أخرى للفنانة وداد هاشم التي تحدت المجتمع الكربلائي في عملها، تقول: "في بداية مشواري الفني لاقيت الكثير من الصعوبات من قبل الجمهور الكربلائي، وذلك لأن المدينة لها خصوصيتها كونها مدينة دينية ولها عادات وتقاليد، وأن المرأة في كربلاء عليها أن لا تتجاوز حدود البيت والدراسة، أما أن تعتلي امرأة خشبة المسرح فهذا عيب عليها".
وتضيف هاشم لوكالة شفق نيوز، "لكن بعزيمتي حوّلتُ المخاوف إلى إبداع ولم استسلم رغم التركيبة الاجتماعية القائمة على التمييز بين الرجل والمرأة، لكنني عزمتُ على مواجهة الصعوبات لتحقيق أهدافي وارتقيتُ سلم النجاح".
وتتابع، "أن تكون وداد هاشم أول مسرحية في كربلاء، فهذا يعود إلى الأدوار الكثيرة التي أسندت لي، لأني كنت الوحيدة التي لعبت أدوار البطولة في أهم الشخصيات المسرحية دون خوف، وذلك في مسرح الشارع الذي هربت منه ممثلة واحدة في كربلاء كانوا يعتقدون أنها الأولى في المحافظة، لكنها انسحبت في الدقائق الأخيرة من العرض المسرحي وأسند الدور لي، وحققت من خلاله نجاحاً منقطع النظير وجبت به أغلب المحافظات العراقية، لهذا لقبت بشذى سالم كربلاء والخنساء التي لا تقهر، لأني الأولى في الفرات الأوسط وفي كربلاء لم ترهبها أكثر الأدوار صعوبة".
تحديات وتهميش
من جهتها، تؤكد عضو مجلس محافظة كركوك، بروين فاتح، على أن "المرأة قادرة على تحمل المسؤولية وتخطي كل الصعاب والتحديات والعثرات بما تمتلك من قوة وإرادة وعزيمة وصبر من أجل تحقيق أهدافها في جميع مجالات الحياة العملية والعلمية".
وتضيف فاتح لوكالة شفق نيوز، أن "هناك صعوبات وتحديات كثيرة أمام المرأة العراقية لأن هناك عرف وعادات وتقاليد، والمجتمع متمسك بها، كما أن المرأة من الأقليات مهمّشة والحكومة هي السبب الأساسي في ذلك، فلم ألحظ وزير دولة لشؤون المرأة، وهذا نقص فلا توجد لديها وزارة تدافع عنها أو مجالس قومية للمرأة كما في ليبيا لدراسة مشاريع تخدم النساء المنكوبات والمطلقات واللواتي ليس لديهن ملجأ، أما في العراق فهناك منظمات فقط ولكل منظمة لها هدف خاص بها".
وتوضح، "قدمتُ مقترحاً لإنشاء سوق شعبي باستثمار حكومي ويكون خاصاً لنساء كركوك لتشغيل الطبقة المتعففة منهن اللواتي لا يمتلكن شيئاً يعينهن على المعيشة، ولاقت فكرة المشروع ترحيباً من الجهات الحكومية المحلية، ونأمل أن تبدأ إجراءات تنفيذه قريباً".
وتواجه النساء في وسط وجنوب العراق صعوبات في إيجاد فرص العمل رغم كفاءتهن ونيلهن شهادات أكاديمية عليا، وتتمثل تلك التحديات بالظروف البيئية والعائلية، فما يزال المجتمع لا يتقبل عمل المرأة، ويرى فيه نوعاً من "الخزي والعار".
وتسعى النساء العراقيات، إلى الاعتماد على أنفسهن في جوانب الحياة المختلفة، وخاصة في قطاع العمل، ليساعدن عائلاتهن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وسط دعوات لتمكينهن اقتصادياً واجتماعياً وقانونياً وسياسياً وقيادياً أيضاً.
المرأة العاملة
وكانت مجلة CEOWORLD الأميركية، ذكرت في شباط 2024، أن العراق احتل المرتبة 95 والأخيرة حسب النسبة المئوية لقائمة القوى العاملة من النساء للعام 2024.
وبحسب تقرير المجلة، اطلعت عليه وكالة شفق نيوز، فإن العوائق التي تمنع النساء من الانضمام إلى القوى العاملة، مثل التشوهات الضريبية، والتمييز، والعوامل الاجتماعية والثقافية، هي في الواقع أكثر تكلفة مما كان يعتقد سابقاً.
وبينت، أن "العراق احتل المرتبة 95 والأخيرة في أدنى نسبة من النساء في القوى العاملة، حيث تبلغ نسبة الإناث 10.76% فقط من القوى العاملة، وهذا يترك الرجال للعمل في معظم وظائف البلاد".
ويرى تقرير المجلة، أنه "على الرغم من أن الحكومة العراقية بذلت بعض الجهود لتحسين حقوق المرأة، إلا أنه ما تزال هناك عوائق مختلفة تمنع المرأة من الحصول على حقوق متساوية والقدرة على العمل".