شفق نيوز/ في خطوة قد "تزلزل" العملية السياسية، وتقود لتأجيل الاقتراع المحلي في إقليم كوردستان، أعلن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، مقاطعة الانتخابات البرلمانية في الإقليم والمقرر إجراؤها في حزيران المقبل، كما هدد بمغادرة العملية السياسية في حال عدم التزام ائتلاف "إدارة الدولة" الحاكم بتنفيذ الاتفاقات.
اقرأ أيضاً:
عصف انفجارها يهدد العراق.. شحنة "ألغام قانونية" تخترق إقليم كوردستان
جرس الانذار
قرار الديمقراطي الكوردستاني أو ما يعرف بـ"البارتي" أشبه بجرس انذار قرع في أربيل وسيسمع بوضوح في بغداد ويمتد صداه في أنحاء المنطقة، ذلك ان ركنا اساسيا من اركان العمل السياسي في العراق، ومن دعائم الدولة، يقول بوضوح إن "اللعبة السياسية باتت تتسم بالاختلال والترنح".
ويعد "البارتي" لاعبا رئيسيا من أركان النضال ضد النظام الديكتاتوري بداية، ثم أحد مهندسي عراق ما بعد العام 2003، ودستور العام 2005، ثم شريكا لا غنى عنه في كل الحكومات العراقية المتتالية منذ ذلك الوقت، وترأس عدة حكومات ورئاسات في الإقليم منذ الحكم الذاتي في تسعينيات القرن المنصرم.
يقول من خلال بيان مكتبه السياسي، ان "من مصلحة شعبنا ووطننا" عدم المشاركة في انتخابات الاقليم المقررة في 10 حزيران/يونيو المقبل.
وبينما يشير "البيان المزلزل" إلى ان دعائم "الدولة" أصبحت على المحك، فهذا الحزب، الى جانب ثقله التاريخي في الذاكرة الكوردية والعراقية عموما، والذي يتصدر التمثيل الكوردي والشرائح الاجتماعية والدينية والعرقية الاخرى في الاقليم، وساهم كلاعب أساسي في صياغة الحياة السياسية في العراق حتى منذ ما قبل العام 2003، وأرسى مع القوى العراقية والكوردية الاخرى، قواعد النظام الديمقراطي الجديد، يعبر في هذه اللحظة السياسية الحساسة، عما يشبه اليأس من أنماط العمل السياسي والدستوري القائمة.
وقال المكتب السياسي للديمقراطي الكوردستاني في بيانه، "نرى أن من مصلحة شعبنا ووطننا عدم امتثال حزبنا لقرار غير دستوري ونظام مفروض من خارج إرادة شعب كوردستان ومؤسساته الدستورية، وعدم الاشتراك في انتخاب تجري خلافا للقانون والدستور وتحت مظلة نظام انتخابی مفروض".
وخاطب البيان، مواطني الاقليم، "هنا نضع اطراف تحالف ادارة الدولة أمام مسؤولياتهم الوطنية في تطبيق الدستور وجميع بنود الاتفاق السياسي والإداري الخاصة بتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني"، مؤكداً أنه "بعکسە لا یمکننا الاستمرار في العملیة السیاسیة".
وكانت المحكمة الاتحادية، أصدرت يوم 21 شباط 2024، قرارات بشأن قانون انتخابات برلمان كوردستان، تضمنت إلغاء مقاعد "الكوتا"، وأن تَحلَّ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاتحادية بدلاً من الكوردستانية.
ليعقبها قرار للأحزاب التركمانية في اقليم كوردستان، في 12 آذار 2024، مقاطعة الانتخابات، احتجاجا على قرار المحكمة الاتحادية.
وتعقيباً على ذلك، قال الزعيم الكوردي مسعود بارزاني، إن قرار المحكمة الاتحادية هو ضرب للشراكة والتعايش.
الاتفاقيات "ضُربت بعرض الحائط"
وتعليقاً على خطوة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، يقول القيادي السياسي المكون السنّي، كامل الغريري، إن "حكومة السوداني عندما تشكلت كانت هناك اتفاقيات مع كل الأطراف السياسية سواء مع المكوّن الكوردي أو مع المكوّن السني، وتم التوقيع عليها من قبل جميع الأطراف الشيعية، لكن ما حصل هو انفراد في السلطة وضُربت تلك الاتفاقيات بعرض الحائط، ما أدى الوصول إلى قناعة بعدم وجود مستقبل بالعملية السياسية الحالية".
ويضيف الغريري لوكالة شفق نيوز، أن "الأطراف الشيعية لم تحترم وتلتزم بتلك الاتفاقيات، وفي حال عدم احترام وتنفيذ كل الاتفاقيات فمن المتوقع أن تحصل انسحابات من العملية السياسية حتى من الأطراف السنية التي لم تنفذ مطالبها أيضاً وضُربت بعرض الحائط".
ويؤكد، أن "العملية السياسية التي بدأت بعد عام 2003 كانت وفق اتفاقية دستورية، لذلك يجب تطبيقها باعطاء الإقليم حقوقهم وحلحلة القضايا العالقة، أما الدخول بمشاكل مع الإقليم فهذا يضعف الدولة والحكومة والعملية السياسية، وهذا ليس من مصلحة الجميع".
وفي ظل تسارع المواقف السياسية المتضامنة لموقف الديمقراطي، أعلن حزب التنمية التركماني، تأييده للقرار، كما أنضم مرشح مستقل إلى المقاطعين للانتخابات، وطالب بتأجيلها.
من جهته، أعلن الاتحاد الوطني الكوردستاني، أن التعليق على انسحاب الحزب الديمقراطي الكوردستاني من انتخابات برلمان الإقليم أمر سابق لأوانه، مؤكداً أنه سيعقد اجتماعاً للتباحث بالأمر.
وقال القيادي في الاتحاد سعدي أحمد بيرة، في تصريح لوكالة شفق نيوز، إن "المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكوردستاني سيعقد اجتماعاً لمناقشة قرار الحزب الديمقراطي الكوردستاني من انتخابات برلمان إقليم كوردستان".
تكرار لسيناريو الصدر
بدوره، يقول رئيس مركز التفكير السياسي، د.إحسان الشمري، إن "قرار الديمقراطي الكوردستاني كرسالة احتجاج على قرارات المحكمة الاتحادية لكن باتجاهين، الأول باتجاه القوى الكوردية التي اقتنعت بقرارات المحكمة الاتحادية، والاتجاه الآخر نحو ائتلاف إدارة الدولة، خصوصاً وأن مسعود بارزاني بات يدرك بأن ما تحقق للكيان الدستوري لإقليم كوردستان والفيدرالية تقوّض تدريجياً".
ويضيف الشمري لوكالة شفق نيوز، " فضلاً عن ذلك، يدرك بارزاني أن قضية إلغاء الكوتا قد تؤثر بشكل كبير على ثقله السياسي كحزب، ويجد أن بعض القرارات التي صدرت مؤخراً تستهدف الديمقراطي الكوردستاني كحزب - خاصة في قضية الانتخابات - أكثر من استهداف بقية القوى الكوردية".
ويتابع، "لذلك يبدو أن التهديد بعدم الاشتراك في الانتخابات هو مقدمة للانسحاب من العملية السياسية بسيناريو مشابه لسيناريو الصدر، وعند ذلك أعتقد أن هذه العملية السياسية برمتها والخارطة السياسية التي أفضت إلى الحكومة ستكون مهددة بالانهيار".
وانسحب التيار الصدري من العملية السياسية في 29 أغسطس/آب من عام 2022، بعد أن قرر زعيمه مقتدى الصدر سحب نواب كتلته "الصدرية" من البرلمان (76 مقعداً من أصل 329)، ومن ثم قراره اعتزال العمل السياسي، عقب سلسلة أحداث كبيرة بدأت بتظاهرات لأنصار التيار، وانتهت باشتباكات داخل المنطقة الخضراء في بغداد مع فصائل مسلحة، وهو ما منح تحالف "الإطار التنسيقي"، فرصة لتشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى، ومن ثم تشكيل الحكومة.
تدخل دولي
من جهته، توقع الباحث بالشأن السياسي، صفاء البغدادي، لوكالة شفق نيوز، "حدوث وساطات داخلية وتفعيل الجانب الدبلوماسي ودخول أطراف خارجية (إقليمية ودولية) لها كلمة داخل العراق لملمة الموضوع وإعادة الديمقراطي الكوردستاني للعملية السياسية، في حال ذهب بقرار المقاطعة".
ويذكر، أنه "قبل أيام انسحب أحد أعضاء المحكمة الاتحادية، وكانت تلك الخطوة ورقة ضغط أيضاً مارسها الحزب الديمقراطي الكوردستاني على الحكومة العراقية"، مؤكداً أن "العملية السياسية ليست على أرض صلبة، إذ إن الخاسر يحكم والفائز خرج وانسحب من العملية السياسية، رغم أنه كان الكتلة الأكبر"، في إشارة إلى انسحاب التيار الصدري.
يشار إلى أن القاضي عبد الرحمن زيباري عضو المحكمة الاتحادية العراقية، أعلن في 12 آذار الجاري انسحابه من المحكمة التي هي أعلى سلطة قضائية في البلاد، وذلك احتجاجا على القرارات الصادرة مؤخرا ضد اقليم كوردستان.
من جهته ذكر مصدر سياسي مطلع لوكالة شفق نيوز، إن قرار "البارتي" كان مفاجئاً لأطراف سياسية في بغداد، بالإضافة بعثات دبلوماسية تتقدمها الإدارة الأمريكية.
سيناريو مكرر
ويرى مراقبون أن قرار الديمقراطي الكوردستاني، ومن قبله التيار الصدري، يعد مكملاً الى قرار اقصاء رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وحزبه "تقدم"، بعدما قررت المحكمة العليا أيضا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، انهاء عضويته، بينما كان يتولى ولايته الثانية في رئاسة البرلمان، وهو المنصب الذي تولاه للمرة الاولى في العام 2018، باعتباره الشخصية السنية الأبرز شعبية على الساحة العراقية.
"إذا كان إقصاء الحلبوسي بالطريقة التي جرت فيها المحاولة، تمثل تهميشا لحقوق السنة باختيار ممثليهم، وقبله الصدر باعتباره الشخصية الشيعية الاقوى شعبيا، فإن الاعتكاف الاحتجاجي للحزب الديمقراطي الكوردستاني الان، الممثل الأبرز للكورد، يعني أن المكونات الرئيسية الثلاثة في العراق، لم تعد تشعر بالاطمئنان بما يكفي للإيمان بأن عجلات النظام السياسي العراقي، قادرة على المضي نحو المستقبل، بحسب المراقبين.