شفق نيوز/ في يوم العاشر من كانون الأول من كل عام، يستذكر العم هذال الزهيري أبو حاتم وهو احد سكنة منطقة الزنجيلي في الجانب الأيمن ما حدث في مجزرة الزنجيلي في حزيران 2017 او كما تعرف بمجزرة معمل البيبسي التي سقط فيها مئات المدنيين الهاربين من داعش برصاص الإرهابيين.
وسيطر تنظيم "داعش" على الموصل ومدن عراقية أخرى منتصف 2014، قبل أن تعلن القوات العراقية استعادة جميع المدن والمناطق من سيطرة التنظيم في 10 كانون الأول 2017.
وارتكب تنظيم داعش الإرهابي في الأول من حزيران 2017 مجزرة بحق المدنيين الفارين من سطوته، وتمت المجزرة حين حاول عدد كبير من الأسر المحاصرة في حي الزنجيلي بالموصل القديمة، والذي كان تحت سيطرة داعش، الهرب باتجاه مناطق سيطرة القوات العراقية التي كانت تسيطر على حي النجار المجاور.
حبر على ورق
ويقول العم هذال: عندما سألتني عن يوم النصر قل لي هل حصل ذوي الشهداء على حقوقهم هل حصل الجرحى على ما يعين عوائلهم؟.
ويضيف لوكالة شفق نيوز؛ "أربع سنوات مرت ولا يزال الآلاف من الموصليين بين مطرقة الإهمال وسندان الإجراءات الحكومية".
ويبين "نحن فرحين بخلاصنا من داعش والامان الذي تعيشه الموصل، لكن اذا ما تحدثنا عن المنغصات والمعانات التي نعيشها نحن وذوي الشهداء والمفقودين فإن كلمة النصر حبر على ورق والجزء الغربي من المحافظة منكوب بكل معنى الكلمة".
ويلفت إلى أنه "إلى اليوم لا يوجد اي مستشفى اعيد اعمارها بصورة حقيقية في الجانب الايمن من المدينة، ووضع الجسور على حاله حتى اليوم والمعاناة تزداد كلما طالت المدة فأي نصر هذا إذا كان الحجر والبشر يشكون من الاهمال الحكومي".
أما فيما يخص التعويضات يشير محمد عكله لوكالة شفق نيوز؛ إلى أن هنالك ما يقارب 50 ألف معاملة كاملة وصدرت بها قرارات التعويض ولكن لايوجد اي صرف للمستحقات، لافتا إلى أن هنالك آلاف المعاملات بانتظار التصريح الامني الذي يحتاج الى عام وعام ونصف من أجل وصول الاسماء من العاصمة بغداد.
إعمار الجذور
ايوب ذنون وهو صاحب مبادرة ثورة الدنابر التي حصلت على جائزة أفضل عمل تطوعي في الوطن العربي في العام الماضي، يقول لوكالة شفق نيوز، إن "الحياة قد عادت الى الموصل بجهود الموصليين وإرادتهم بالاضافة الى ان الظروف اجبرتهم على إعمار منازلهم ورفع الانقاض بالاضافة إلى التعلق بمناطقهم فهي ذات خصوصية ويعتبرون أن امتدادهم منها ومن جذورها".
وقد نجح العشرات من الموصليين مع أيوب في جمع التبرعات آنذاك ورفع الأنقاض من 10 أحياء في المدينة القديمة منها (المشاهدة، الفاروق، المياسة وغيرها من المناطق).
وكانت من أهم المبادرات التي جعلت مئات العوائل تعود الى منازلها وتعيد اعمارها بعد رفع الأنقاض بالاضافة الى سهولة وصول المنظمات الى المنازل المتضررة وتسجيلها من اجل اعادة اعمارها وهذه المبادرة ساهمت في رفع أكثر من 21 ألف طن من الأنقاض بجهود ذاتية في وقت كانت فيه الحكومتين المركزية والمحلية عاجزين عن تقديم أي شيء من اجل اعادة احياء المدينة القديمة ولم تستطيع تقديم شيء في العامين الأولين بعد التحرير سوى فتح الشوارع الرئيسية فقط أما أهم العوائق التي تمنع عودة ما تبقى من سكان المدينة القديمة أو النازحين بصورة عامة فهو ملف التعويضات ورغم أن هناك الآلاف من المتضررين الان الحكومة المركزية لم تعوض الا مايقارب 2000 متضرر فقط غالبيتهم حصلوا على التعويض بالواسطات النيابية ومحسوبيات المتنفذين.
ملف الإعمار
لم يعد الى الخدمة من جسور الموصل المدمرة بصورة كاملة، سوى جسرين فقط وهما الجسر الاول والثاني اما الجسر الثالث فلن يفتتح حتى نيسان من العام 2021، أما الجسران الرابع والخامس فهما قيد الاحالة الى الاعمار، ويحتاجان إلى سنوات من أجل عودتهما الى الخدمة بصورة صحيحة.
أما فيما يخص ملف الاعمار وتقديم الخدمات فلم تشهد الموصل اعمار حقيقيا بمعنى الكلمة طوال السنوات الماضية، ويقول المدون والناشط أحمد النعيمي لوكالة شفق نيوز؛ ان "هذا العام لاحظنا حملة للتبليط في الشوارع الرئيسية فقط، لكن ماتزال عشرات الأحياء في جانبي الموصل بحاجة الى ثورة إعمار حقيقية".
أما فيما يخص عودة الحياة الى الجانب الايمن من الموصل، يشير النعيمي إلى أنها "كانت بسواعد الموصليين واصرارهم على عودة الحياة وليس بجهود الحكومة المركزية او المحلية، وما حدث من اعمار خلال السنوات السابقة هو مجرد حلول ترقيعية لا قيمة فعلية لها فما تزال البنى التحتية في المحافظة مدمرة بشكل شبه كامل والدليل هو المواقع البديلة التي تعمل بها دوائر المحافظة".
تم خلال السنوات الماضية التي اعقبت تحرير المدينة؛ إعمار 2226 مدرسة في عموم المحافظة توزع تمويل اعمارها ما بين دعم المنظمات الدولية ودعم وزارة التربية بالاضافة الى تنمية الاقاليم.
ويرجح أن يتم بناء 200 مدرسة جديدة في عام 2021 بحسب ماحصلت عليه وكالة شفق نيوز من سامي الفضلي المسؤول في شعبة الاعلام التابعة لمديرية تربية نينوى.
وخسرت نينوى في قطاع الصحة بسبب الحرب 6 مستشفيات رئيسية و 14 مشفى فرعي في عموم المحافظة، وغالبية ماعاد منها الى الخدمة كان بصورة ترقيعية.
ويرى مدير صحة نينوى د فلاح الطائي في حديث لوكالة شفق نيوز؛ ان "قطاع الصحة والمستشفيات بحاجة الى دعم مالي كبير وجهود دولية من أجل عودة المستشفيات وما تقدمه الكوادر الطبية اليوم يعد انجاز حقيقي فهي تقاتل بابسط الامكانيات المتوفرة لديها".
المفقودون والمقابر الجماعية
آخر الاحصائيات الرسمية التي حصلت عليها وكالة شفق نيوز من محمد محمود مسؤول ملف المقابر الجماعية في مديرية شهداء نينوى أن هنالك 90 مقبرة جماعية تركها التنظيم خلفه في المحافظة ولم يفتح منها الا اثنتان فقط في سنجار، أما باقي المقابر فتحتاج إلى جهود دولية.
ويقول سامي الفيصل رئيس المنظمة المتحدة لحقوق الإنسان إن عدد المفقودين والمغيبين من ابناء نينوى يصل الى 8 آلاف شخص لاتزال عوائلهم دون حقوق حتى يومنا هذا.
ويشير إلى أن التأخير في فتح المقابر الجماعية وإنصاف ذوي المفقودين يعد إهمالا و تهميشا حقيقيا بكل معنى الكلمة ورغم المطالبات المتكررة بانصاف هذه الشريحة الا ان الحكومة العراقية لم تعر أي اهتمام حقيقي لهذا الملف وما يزال الآلاف يعيشون العوز والحرمان بسبب حرمانهم من الحقوق.
استقرار أمني
منذ عامين تقريبا لم تشهد الموصل اي خرق امني، وبحسب محافظ نينوى نجم الجبوري فأن الموصل اكثر المدن امناً وأقلها في حصيلة الجرائم الجنائية بين المحافظات العراقية، وهذا مالم تشهده هذه المدينة منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا وفقا للجبوري.
اما فيما يخص المناطق النائية خصوصاً في جنوب الموصل وغربها لاتزال تعاني من وجود الخلايا النائمة في المناطق الصحراوية والنائية وبين الحين والاخر تسجل الاجهزة الامنية خروقات امنية وعمليات استهداف للمدنيين في تلك المناطق.
ويقول مصدر أمني رفيع المستوى لوكالة شفق نيوز؛ أن مشكلة الخلايا النائمة قد تستمر لعدة أعوام".
ويشير المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أن "هناك صعوبة في ملاحقة الخلايا النائمة في المناطق الصحراوية والمناطق الجبلية خصوصا انهم يمتلكون العشرات من الأنفاق والمضافات التي تم حفرها وتجهيزها في وقت سابق".
ويبين أنه "إذا تم حساب نسبة الخطر التي كانت تشكله هذه الخلايا بعد تحرير المحافظة ويومنا هذا فقد تراجع خطرها بنسبة 80% عما كانت عليه في عام 2017".
ملف معقد
لا يزال ملف النازحين أكثر الملفات تعقيداً رغم تراجع أعداد النازحين في هذا العام وعودة الالاف منهم الى مناطق سكناهم بعد استقرارها أمنيا، لكن مازالت هناك فئتين تعانيان من النزوح وهما سكان المناطق التي تعرضت للتدمير بشكل شبه كامل بسبب الحرب والمعارك ومن بينها عشرات القرى في غرب نينوى، بالاضافة الى العديد من سكان القرى في المناطق الصحراوية التي لا يستطيعون العودة خوفا من الخلايا النائمة.
أما الفئة الثانية التي تشكل العقبة الأكبر هي عوائل عناصر داعش التي تعاني من الملاحقة العشائرية والمجتمعية.
وقد أغلقت جميع المخيمات في المحافظة باستثناء مخيمي الجدعة 1 و 6 واللذان بقيان مفتوحان لهذه العوائل.
وبحسب سامي الفيصل رئيس المنظمة المتحدة لحقوق الانسان فان ملف النازحين لايزال معقدا والعودة القسرية كانت انتهاك واضح لحقوق الانسان وتهجير قسري للعوائل التي لا تملك مأوى أو مصدر معيشة، مرجحا أن تبقى مشاكل هذا الملف حتى في العام 2021.