شفق نيوز/ يتسبب تواجد مواقع "الطمر الصحي" قرب المناطق السكنية بمخاطر صحية كبيرة على قاطنيها، خاصة مع التوسع العمراني وزحفه نحو تلك المواقع، وسط دعوات بضرورة نقلها إلى أماكن بعيدة عن السكان لتجنب آثارها الخطيرة الأشبه بـ"القنابل النووية"، بحسب متخصصين.
ويعد "الطمر الصحي" في العراق "غير صحي" في حقيقته، خاصة إذا كان بالقرب من المناطق السكنية، إذ تكثر فيه الذباب والبعوض الذي ينقل أمراضاً انتقالية مثل الكوليرا والزحار وغيرها إلى الساكنين، بالإضافة إلى أمراض جلدية مختلفة، وفق استشاري طب الأسرة، حسن القزاز.
ويضيف القزاز لوكالة شفق نيوز، "كما تتجمع في مواقع (الطمر الصحي) الحيوانات التي تنقل الأمراض، من الكلاب السائبة والقطط وغيرها، فضلاً عن احتمالية تعرض الساكنين قرب تلك المواقع لهجمات الكلاب".
ويوضح، أن "الروائح الكريهة المنبعثة من مواقع (الطمر الصحي) تسبب الازعاج للساكنين قربها، وفي حال استنشاق الدخان الناتج عن حرق هذه المواقع قد يسبب الاختناق والحساسية".
بؤر خصبة للأمراض
تؤدي عملية الطمر غير النظامية لنفايات البلدية إلى تحول هذه المواقع إلى بؤر خصبة لتكاثر الجراثيم والبكتيريا والفيروسات والعوامل المعدية وانتشار الروائح الكريهة، بحسب مدير قسم مراقبة وتقييم الأنشطة الصناعية والخدمية في وزارة البيئة، جليل حسين سلمان.
ويضيف سلمان في حديث لوكالة شفق نيوز، "فضلاً عن إمكانية العبث بها من قبل جامعي القمامة واحتمالية إصابتهم بالأمراض المختلفة أو تعرضهم للمخاطر بسبب النفايات الحادة المطروحة مع نفايات البلدية".
ويؤكد، أن "الطرق السليمة للتخلص من النفايات تتمثل بالالتزام بتعليمات إدارة نفايات البلدية، والتشريعات البيئية التي تنظم هذا الموضوع، والتي تشمل إنشاء مواقع للطمر الصحي خارج حدود البلدية بمسافة لا تقل عن (2) كم، وعن التجمعات السكنية ومحرمات الطرق العامة بمسافة لا تقل عن (1) كم".
ويتابع، "بالإضافة إلى توفير المتطلبات البيئية داخل الموقع، والالتزام برفع النفايات من المحطات الوسطية (مواقع التجميع) ضمن التوقيتات الزمنية المناسبة".
علماً أن التعامل المثالي مع النفايات يستلزم - وفق سلمان - تنفيذ مبادئ التنمية المستدامة، المتمثلة بتقليل استخدام المواد لتقليل حجم النفايات المطروحة، وفرز النفايات وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها واستثمارها عن طريق توليد الطاقة الكهربائية نتيجة حرقها أو إنتاج الغاز الحيوي والأسمدة نتيجة تخميرها.
ويبيّن، أن "عملية حرق النفايات بالقرب من المناطق السكنية تنطوي على مخاطر كبيرة بسبب انبعاث الدايوكسينات والفيورينات، وهي مواد مسرطنة تنتج عند حرق المواد البلاستيكية الموجودة ضمن النفايات البلدية، فضلاً عن انبعاث أكاسيد الغازات والدقائق والتي يمكن أن يؤدي استنشاقها إلى الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والربو والحساسية، بالإضافة إلى التأثيرات البيئية المتمثلة بتردي نوعية الهواء المحيط".
مخاطر أشبه بـ"القنابل النووية"
من جهته، يشير الخبير البيئي، رمضان حمزة، إلى أن "النفايات في العراق حالها كحال باقي الملوثات سواء المنزلية أو الصناعية بأنواعها الصلبة والسائلة والغازية، وتكمن خطورتها في الغازات المنبعثة منها أو الأدخنة الناتجة عن حرقها والملوثة لجو المنطقة الموجودة فيها".
ويضيف حمزة لوكالة شفق نيوز، كما "تكثر في هذه المواقع الحيوانات والجرذان والكلاب السائبة الملوثة وقد تدخل إلى بيوت الساكنين قربها، لذلك هي خطيرة جداً وأشبه بـ(القنابل النووية) لنقلها الأمراض وتسببها بالتلوث".
ويوضح، أن "مواقع الطمر كانت في السابق بعيدة عن مراكز المدن، وكانت هناك ساحات خضراء تفصل بينها وبين المدن، لذلك كان شعور الإنسان بها قليلاً، لكن بعد الزيادة السكانية والحروب والتغييرات الديموغرافية توسعت المناطق الهامشية وأصبحت جزءاً من نسيج المدينة وبدأ فيها إنشاء مشاريع سكنية، أما مواقع الطمر الصحي فقد بقيت في مكانها، لذلك أصبحت قريبة من المدن ما شكل مصدر خطر على الساكنين".
إعادة تدوير النفايات
وعن إمكانية إعادة تدوير النفايات يؤكد حمزة، أن "عمليات إعادة تدوير النفايات فيها فوائد كثيرة، في حال أحسن فرز المواد وإعادة معالجتها، حيث إن النفايات الطبية خطرة، ويجب معالجتها داخل المستشفيات قبل التخلص منها، كما يجب عدم خلطها مع النفايات الأخرى لخطورتها، بل ينبغي جمعها في مناطق خاصة".
ويبيّن، "ورغم وجود معمل لإعادة التدوير في المحمودية، لكن حجمه لا يتناسب مع كمية النفايات، لذلك على البلديات والمحافظات توزيع أكياس ملوّنة لفرز النفايات ونقلها بسيارات خاصة".
ويدعو الخبير البيئي "رئيس الوزراء والوزارات المعنية إلى ضرورة إعادة النظر بوجود مواقع الطمر الصحي داخل المناطق السكنية، وكذلك في المعالجات من خلال الاستفادة من تجارب الدول لتخليص البيئة من هذه الملوثات وإعادة تصنيعها".
"معرفة مصادر النفايات أهم من المعالجة"
وفي السياق نفسه، يقول المهتم بالشأن البيئي، علي قاسم، إن "معالجة النفايات تفتقر للدراسة بشكل عام في العراق، وأن معرفة مصادر النفايات أهم من المعالجة نفسها، حيث يجب معرفة ما يستهلكهُ المجتمع وما يخلفهُ والنتيجة من استبداله".
ويشرح قاسم خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، "لو نظرنا إلى كومة نفايات في إحدى الشوارع، ستجد أن النفايات البلاستيكية تُشكل النسبة الأكبر فيها، وهذه النفايات البلاستيكية تكون بالغالب ذات الاستعمال الواحد، وهُنا يجب مراجعة الإنتاج والاستهلاك وفرض ضوابط على المنتجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد لتقليلها في الأسواق، وبهذا سيلجأ المستهلك لشراء المنتجات ذات الاستخدامات المتعددة".
ويضرب قاسم مثالاً على ذلك "قناني المياه الكبيرة القابلة لإعادة الاستخدام والمستخدمة في أجهزة تبريد المياه (البراد)، يُمكن أن تُعوض بدلاً من قناني المياه الصغيرة ذات الاستخدام الواحد في البيوت على الأقل".
وعن مخاطر وجود النفايات قرب المدن، يذكر قاسم أن "لها آثاراً سلبية من جانبين، الأول مخاطر قصيرة الأمد، حيث تُسبب تلوث الهواء بعد عمليات الحرق أو إعادة التدوير، والثاني مخاطر بعيدة الأمد، حيث إن بعض النفايات الصلبة تتحول إلى مسرطنة إذا ما بقيت لفترة طويلة بالتربة دون معالجة".