شفق نيوز/ روى الأستاذ في كلية الطب جامعة دهوك الدكتور مؤيد آغالي، في المؤتمر الدولي للإبادة الجماعية ضد الكورد الفيليين تفاصيل ما تعرض له هو أُسرته من مصائب قلّ نظيرها بما تحتفظ به البشرية في قاموسها لمثل هكذا الجرائم.
والمتحدث ينحدر من أُسرة كانت تنعم بالهدوء والطمانينة والثراء في بغداد على ماهو معروف بين أوساط الكورد الفيليين بالعاصمة العراقية قبل أن تحلّ بها الويلات والمصائب في مطلع الثمانينات من القرن المنصرم مع بدء حملة الإبادة ضد الكورد الفيليين.
ويسرد الدكتور آغالي تفاصيل مأساوية صادمة عن أُسرته التي فقدت 9 من أبنائها بعمليات الإعدام المنظمة والتي أعقبت حادثة جامعة المستنصرية المزعومة في بغداد ليبدأ معها فصل شديد القسوة بحق هذه الشريحة من المجتمع تمثل بتغييب الآلاف من شبابهم، والترحيل، والتهجير، وإسقاط الجنسية العراقية، ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة، وغيرها من الإجراءات التعسفية التي مارسها نظام البعث السابق.
ويقول الشاهد الحي على هذه الفاجعة الدكتور آغالي مخاطباً الحضور في المؤتمر، "أقف اليوم أمامكم، وقد تم إعدام تسعة من إخوتي وأبنائهم وأبناء عمومتي، أقف أمامكم وأنا منهك لبقية حياتي، لواحدة من أبشع جرائم التاريخ العراقي المليء بدماء أبناء جلدتي وأمتي".
ويضيف قائلا "أنا ومئات الآلاف غيري قد جرى التشكيك بهويتنا، وإسقاط الجنسية العراقية، ومصادرة أموالنا المنقولة وغير المنقولة عنّا، وأنا أبن من تم عزل شبابهم عن أسرهم واحتجازهم في المعتقلات والمقابر حتى الموت، ولم نعرف إلى اليوم مصير ما يقارب 12000 شاب".
كما يؤكد أيضا "نحن اليوم بقايا من تم اقتلاعهم والتنكيل بهم على الصعيد المجتمعي، ممن تم طردهم من الوظائف الحكومية، ومن ألقي بهم خارج أسوار الجامعات، ومن أخواتنا الفيليات اللائي انتهكت كرامتهن فقط لا لشيء سوى لكونها فيلية".
ويسترسل الدكتور أغالي "أنا بقية من تعرّض لشتى أنواع السموم والغازات الخانقة والتجارب الكيميائية والمختبرية والبيولوجية وغيرها، بين ليلة وضحايا وجدنا أنفسنا عملاء وخونة، ووجدنا أنفسنا خارج منازلنا، وألقي بنا على الحدود لنجد أنفسنا في إيران، كلاجئين في وضع مأساوي لا يمكن حتى تخيّله. نعم، أنا واحد من الذين ذاقوا ويلات هذه الجريمة الشنعاء بحق الإنسانية".
ومضى في حديثه "أقف اليوم أمامكم بعد كل ما جرى، لأجد نفسي من القلة المحظوظين الناجين، ممن حظي بالعودة إلى كوردستان الحبيبة بدعوة كريمة وأبوية من الرئيس مسعود البارزاني بعد الإنتفاضة المباركة لشعبنا الكوردي في العام 1991 وتحرير تراب كوردستان من النظام البعثي المقبور. أقف أمامكم اليوم وأنا طبيب بشري وأستاذ في كلية الطب جامعة دهوك".
ووجه أغالي كلامه إلى الزعيم الكوردي مسعود بارزاني قائلا: سيدي الرئيس، أنا اليوم أدين لك بالفضل في تحقيق كل هذا، أنت الذي فتح أبواب كوردستان بدون تمييز، أنت الذي أعاد لنا كرامتنا التي سلبت منّا بليلة ظلماء، ووجدنا نور كوردستان في نفق الإبادة.
وتابع بالقول " أقف اليوم ولي عتب شديد على الحكومة العراقية الفدرالية (..) إذ لا يجب بعد اليوم أن يتم التغاضي عن جرائم الابادة الجماعية التي تعرض لها الكورد الفيليون، فقد تم قتل وتشريد الكثيرين منّا بسبب العرق والهوية، وهذا يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وقيمنا الإنسانية الأساسية".
وأعرب الشاهد الحي عن أسفه على الحكومة العراقية الاتحادية، قائلا: لأننا بعد 43 سنة من الإبادة لازلنا نطلب من هذه الحكومة انصافنا واسترجاع حقوقنا التي كفلها لنا الدستور وأكدت عليها جميع القوانين الوضعية والشرائع السماوية، إننا نتطلع إلى يوم تتحقق فيه العدالة لكل الضحايا، ويعيش الكورد الفيليون بأمان وكرامة في وطنهم الذي يستحقونه.
وأضاف أن الحكومة العراقية الفدرالية اليوم مطالبة بالبحث عن رفات الضحايا الذين غيبتهم سلطات البعث من الكورد الفيليين، وتعويض ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة التي صادرتها منهم منذ العام 1980.
آغالي أكد ان السلطات في الحكومة الفدرالية العراقية مطالبة كذلك بضمان حق الفيليين في المشاركة في العملية السياسية اسوة ببقية مكونات الشعب العراقي ليقوموا بدورهم في بناء وطنهم ذلك الدور الذي طالما عُرفوا به على الدوام، فمن غير المنطقي أن يكون تمثيلنا في البرلمان العراقي ممثلاً بمقعد على الرغم من عدد الكورد الفيليين انتشارهم في أرجاء واسعة من العراق كل هذا فضلاً عن ما تعرض له الكورد الفيليون من اضطهاد وتفرقة وتمييز عرقي.
"كما ان الحكومة الفدرالية العراقية مطالبة اليوم ، بإنصاف الفيليين في التمثيل الوزاري العادل، فالفيليون أينما حلّو، كانوا سنداً وعوناً وعنصراً فاعلاً في المجتمع"، بحسب الدكتور مؤيد آغالي.
وفي الختام جدد آغالي شكره وتقديره للزعيم الكوردي مسعود بارزاني بارزاني، ولرئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، و لرئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، على كل ما قدموه للكورد الفيليين، وعلى الرعاية الخاصة لهذا المؤتمر العالمي.
انطلقت في مدينة أربيل عاصمة إقليم كوردستان العراق، صباح اليوم الثلاثاء، أعمال المؤتمر العلمي الدولي للإبادة الجماعية ضد شعب كوردستان (الإبادة الجماعية للكورد الفيلية).
وانطلقت أعمال المؤتمر على أرض قاعة سعد عبدالله للمؤتمرات الرسمية برعاية الزعيم الكوردي مسعود بارزاني، وبحضور رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني ورئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني، وبدعم من حكومة إقليم كوردستان، وبتمثيل رسمي رفيع للسلطات التنفيذية والتشريعية الرسمية والقوى والأحزاب السياسية في الإقليم وفي العراق، وبمشاركة نخبة من العلماء والأكاديميين والمؤرخين المتخصصين في هذا المجال على المستوى المحلي والدولي.
حيث يتم عرض أحدث الدراسات والبحوث والوثائق التاريخية المكتشفة خلال المؤتمر الذي ستستمر أعماله لمدة 3 ايام.
يذكر أن النظام السابق الذي رأسه صدام حسين ولنحو ثلاثة عقود ساق آلاف الشبان من الكورد الفيليين إلى اماكن غير معلومة وما يزال مصيرهم مجهولاً ويرجح بأنهم قضوا في المعتقلات أو دفنوا أحياء في مقابر جماعية.
وشرع نظام البعث في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن المنصرم بحملة كبيرة لتهجير الكورد الفيليين، وسحب الجنسية العراقية منهم ومصادرة ممتلكاتهم واموالهم المنقولة وغير المنقولة.
كما تعرض الكورد الفيليون للتسفير والتهجير والاعتقال والقتل إبان حكم الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر في عامي 1970 و1975، ومن بعده نظام صدام حسين في 1980، ويرى مؤرخون يرون أن التهجير جاء بسبب انتماءاتهم المذهبية والقومية.
وأصدرت محكمة الجنايات العليا حكمها في العام 2010 بشأن جرائم التهجير والتغييب ومصادرة حقوق الكورد الفيليين وعدها من جرائم الإبادة الجماعية.
وأصدرت الحكومة العراقية في الثامن من كانون الأول 2010، قرارا تعهدت بموجبه بإزالة الآثار السيئة لاستهداف الكورد الفيليين فيما أعقبه قرار من مجلس النواب في الأول من آب من العام 2010، عد بموجبه عملية التهجير والتغييب القسري للفيليين جريمة إبادة جماعية.