شفق نيوز/ ثلاث سنوات مرت على تحرير الموصل وما تزال أجراس الكنائس فيها صامتة.. وأبوابها مغلقة حتى إشعار غير معلوم. عشرات الكنائس تعرضت للنهب والتدمير والتخريب على يد العصابات الارهابية ورغم تحريرها من سطوة الارهاب، الا انها ما تزال تحت سطوة الإهمال الحكومي حتى يومنا هذا.
إما الإسلام أو الجزية
وما زالت الموصل التي يطلق عليها "ام الربيعين" تختزن في ذاكرتها الايام السوداء عندما اجتاحت عصابات داعش المدينة، وسرعان ما وجهت أنظارها نحو العائلات والممتلكات المسيحية فيها، ووضعت إشارات تميز منازل المسيحيين على أنها أملاك تابعة لما يسمى "الدولة الاسلامية"، فيما لم يمض سوى شهر على غزو المدينة حتى خير بيان للارهابيين، المسيحيين بين دخول الاسلام او دفع الجزية او مغادرة الموصل نهائيا.
وهكذا، وفي "درب جلجلة" جديدة، دفع عشرات الاف من مسيحيي المدينة الى النزوح منها باتجاه اقليم كوردستان وسهل نينوى، ولم يعودوا. وهاجر كثيرون الى خارج العراق. لكن منازل الموصل وكنائسها ما زالت تحن لأهلها، وما زال جيرانهم السابقين من المسلمين، يأملون بعودتهم، فهم كما وصفهم أحد سكان المدينة "ورود الموصل".
الكنائس كانت مقرات وسجون
يقول أبو العباس، وهو أحد سكان محلة الجامع النوري الكبير التي تبعد عن كنيسة الساعة، اشهر كنائس الموصل، 100 متر فقط، لوكالة شفق نيوز، ان الكنيسة والمرافق الخاصة بها بقيت لثلاث سنوات عبارة عن مقر لعناصر تنظيم داعش وكسجن للمعتقلين.
وأوضح ان الارهابيين استخدموها لهذه الاغراض بسبب وجود السراديب تحتها، بالاضافة الى ان عناصر التنظيم كانوا يعتقدون ان قوات التحالف الدولي لن تستهدف هذه الكنائس باعتبارها أماكن عبادة الى جانب انها تراثية واثرية ومثلها ايضا كنيسة الطاهرة ايضا التي كانت مقراً لعناصر ما يسمى الحسبة الذين كانوا يعتقلون الرجال ويحتجزونهم فيها بتهم من بينها تقصير اللحى او عدم ذهابهم الى الجوامع او ضبط السجائر بحوزتهم.
ويكمل ابو العباس حديثه عن الحياة في المدينة وذكرياتهم مع المسيحيين في الموصل، بالإشارة الى انهم كانوا أشبه بعائلة واحدة مضيفا ان منهم من يتصل بهم بين الحين والاخر ويسأل عن حالهم وحال الجيران ويستذكرون كيف كانت حياتهم هادئة ولا وجود للتفرقة والنزعات الطائفية.
وبتنهيدة تملؤها الحسرة اشار ابو العباس الى احد المنازل المدمرة قائلا انه كان منزل لاعب كرة القدم المسيحي في نادي الموصل عايد أسو، والذي يعد اقرب منزل من المنازل الى الجامع النوري الكبير.
وتابع أبو العباس ان عايد كان من أفضل الجيران وما يزال صديقهم حتى اليوم وبين الحين والاخر كلما زار العراق يأتي الى المنطقة ويسأل عن حال اهلها وعن رفاق عمره ولكنه لا يستطيع العودة بعدما استقر في خارج البلاد ولم يعد له امل بالعودة بسبب ماحل بهم من مصائب بسبب الارهاب والمتطرفين.
وختم ابو العباس حديثه عن المسيحيين في الموصل القديمة، قائلا "المسيحيون ورود الموصل".
خمسون عائلة مسيحية فقط عادت
يقول مسؤول كنائس السريان الكاثوليك في الموصل الاب رائد عادل لوكالة شفق نيوز، ان عدد العوائل المسيحية التي عادت الى المدينة يصل الى 50 عائلة فقط موزعة بين جانبي المدينة.
وبالاضافة الى ذلك، اشار الاب رائد الى انه لا يوجد سوى قداس واحد يقام كل يوم أحد في كنيسة البشارة الواقعة في حي المهندسين في الجانب الايسر من المدينة، في حين ان باقي كنائس المدينة مغلقة على امل اعمارها.
وتابع القول ان هناك كنيسة واحدة فقط تعمل منظمة اليونسكو على اعادة اعمارها وهي كنيسة الطاهرة في المدينة القديمة قرب سوق الشعارين، أما باقي الكنائس فأجراسها صامتة وأبوابها مغلقة وتحتاج الى جهد كبير من أجل عودتها.
اما فيما يخص عودة المسيحيين، فقال الأب رائد ان موضوع عودتهم مرهون بعودة الاستقرار بصورة عامة الى المحافظة وعلى جميع الاصعدة والامر يحتاج الى اهتمام أكبر، مضيفا انه كلما توفر ذلك ستزداد أعداد العوائل العائدة.
ويعد الاب رائد من أكثر رجال الدين المسيحيين الذين يسعون الى اعادة النسيج الاجتماعي في الموصل الى ما كان عليه، وهو يشارك المسلمين طقوسهم وحضر احدى الاحتفالات الدينية الاخيرة في الموصل لمناسبة المولد النبوي.
وحول ما فعله الإرهاب بالمسيحيين، يقول الأب رائد "ان المسلمين هم اكثر من تضرر من الارهاب ولايمكن ان تكون النظرة شمولية واذا بقي التفكك المجتمعي والنزعة الطائفية موجودة، فهذه هي غاية الارهاب الحقيقية ولن نسمح له بتحقيقها".
الأعياد تجمعنا
وفي العودة الى ازقة المدينة القديمة، يقول العم أحمد وهو من سكان منطقة الميدان المطلة على نهر دجلة، ان الاعياد كانت تجمع المسيحيين والمسلمين وكلما حلت مناسبة كانت اطباق الحلوى تجوب أزقة المنطقة من دار الى اخر من اجل التهنئة.
فخلال اعياد المسلمين، يقول أحمد ان المسيحيين يأكلون حلوى "الكليجة" مشيرا الى اعتزاز والدته بجيرانهم المسيحيين قائلا انها كانت تجمع قطع الكليجة المميزة والمحمصة لتضعها في اطباق وتوزعها على الجيران المسيحيين، وهم خلال اعيادهم يقومون هم ايضا بصناعة الحلوى وتقديمها لنا، مضيفا القول "لا اتذكر يوماً ان شجارا او مشكلة قد حدثت بيننا وعشنا لعشرات السنوات كعائلة واحدة".
وأكد أحمد ان مضايقات الارهاب لمسيحيي الموصل بعد احتلال العراق في العام 2003 وحتى العام 2014 عندما سقطت الموصل بيد داعش، اجبرت الالاف منهم على الهجرة وترك المدينة ولم يعد منهم الا من يعدون على عدد اصابع اليد.
وحذر أحمد من ظاهرة خطيرة حيث انه حتى اليوم بعد تحرير المدينة منذ ثلاثة اعوام، "هناك العديد من المتنفذين الذين يسعون للاستيلاء على أملاكهم مستغلين مغادرتهم للبلاد".